أسباب إرتفاع سعر صرف الدولار في لبنان: سياسية أم إقتصادية أم نفسية؟
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
كتب حسان العجوز
يكاد يكون الحديث الأكثر إثارة للقلق و الإهتمام اليوم على وسائل التواصل الإجتماعي هو سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية. فبعد أن أُغلِقت الصالونات بسبب الكورونا، أصبح تواصل الناس على وسائل التواصل الإجتماعي، وغالبيته نقل لسعر صرف الدولار الذي يرتبط إرتباطاً وثيقا بأسعار جميع المواد الغذائية و بقية السلع و البضائع هو هم المواطن الأكبر لأنَّه يحدد أيضا قيمة راتبه الذي بات لا يساوي شيئاً مع إرتفاع سعر صرف الدولار ما لا يقل عن 12 مرة منذ تشرين 2019 وحتى اليوم.
ويختلف المراقبون والمحللون السياسيون والإقتصاديون في وصف أسباب إرتفاع سعر صرف الدولار. فمنهم من ينسبه لأسبابٍ خارجية ومنهم من ينسبه لأسبابٍ داخلية. أما الآخرين فيقولون أنَّ إرتفاع سعر صرف الدولار سياسي بإمتياز ومنهم من يقول أنه إقتصادي و مالي، فيما يذهب آخرون إلى القول أنَّ السبب نفسي بحت. و لكن أين تكمن الحقيقة؟ و ألا يمكن أن يكون سعر صرف الدولار مرتبط بجميع هذه العوامل مجتمعة؟
يمكن القول أنَّ لنظرية السبب الخارجي لإرتفاع سعر صرف الدولار أرضية مهمة. فهناك نوع من حصار خارجي غير مسمى على الدولة اللبنانية. فالدول العربية عموماً و دول الخليج خصوصاً تمتنع عن إرسال أي دعم أو وديعة مالية بالدولار الأميركي لإيداعها في المصرف المركزي لأسبابٍ سياسية معروفة وغير خافية على أحد. كما أنَّ الدول الغربية وخصوصاً تلك التي شاركت بمؤتمر سيدر عام 2018 ترفض الإفراج عن الأحد عشر مليار دولار الموعودة قبل تشكيل حكومة إصلاحية من مستقلين غير حزبيين وحسب شروطهم. و السبب الخارجي الثالث هو التأثير الكبير لطلب السوق السوري للدولار على سوق النقد في لبنان. فعدا عن إشتراط الحكومة السورية على كل مواطن سوري يريد دخول إلى وطنه أن يأتي بمبلغ 100 دولار أميركي و صرفه بالليرة السورية قبل دخوله، فهناك شرط على كل شاب سوري يريد التهرب من الخدمة العسكرية في سوريا و هو دفع مبلغ 8 ألآف دولار إضافة إلى بقائه خارج بلده لمدة 4 سنوات. و هذان السببان إضافة إلى الطلب الهائل للتجار السوريين للدولار من النقطة اللبنانية الأقرب لهم في شتورة حيث يتمركز غالبية الصرافين اللبنانيين و سيارات الأجرة السورية، كفيل بتشكيل ضغطٍ هائل على العملات الأجنبية في لبنان وبالتالي يصبح سعر صرف الدولار في لبنان لا سقف له وبالتالي سعر صرف الليرة اللبنانية لا قعر له.
أما بالنسبة للأسباب الداخلية فيمكن إختصارها بالسياسية والإقتصادية والنفسية. فسياسياً، يمكن للناظر إلى المشهد اللبناني الداخلي خلال الأسبوعين الأولين من شهر آذار إستنتاج أنّ إرتفاع سعر صرف الدولار، خلال الأيام القليلة الماضية خصوصاً، مفتعل. حيث يرى الكثيرون أنَّ السبب الأهم لتدهور سعر صرف الليرة وبالتالي إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية هو سياسي بإمتياز نظراً لحجم الإرتفاع الكبير خلال وقت قصير جداً، لدرجة أنَّه قارب هذاالإرتفاع مبلغ الألفي ليرة في اليوم الواحد يوم السبت و كذلك الألفي ليرة في كل من يومي الإثنين و الثلاثاء 15 و 16 آذار. حيث هناك من يتهم فريق رئيس الحكومة بإستخدام هذه اللعبة للضغط على رئيس الجمهورية للإفراج عن مراسيم تشكيل الحكومة. في المقابل، هناك من يقول أنَّ فريق رئيس الجمهورية يستخدم سعر صرف الدولار للضغط على رئيس الحكومة للرضوخ لشروط رئيس الجمهورية في ما خص تشكيل الحكومة أو الإعتذار عن التكليف. وبات تصاعد هذه الأزمة الحكومية ينذر بتفلت الأمور ما بين حالة من الجوع يعيشها المواطن وبين قلة الضمير لدى بعض القوى السياسية التي قد تستثمر هذا الجوع من خلال محاولة تصفية حساباتها في الشارع أو على حساب لقمة الناس.
من الناحية الإقتصادية، ليس خافياً على أحد أنَّ من أهم أسباب إرتفاع صرف الدولار في السوق السوداء هي الأسباب الإقتصادية نتيجة البنية الإقتصادية الهشة في البلد بسبب تراكم أكثر من 100 مليار دولار من الديون وإفلاس الدولة وفراغ الخزينة أو شح الأموال المتبقية في الخزينة بالعملات الأجنبية وبخاصة الدولار والتي بالكاد باتت تكفي لدعم السلع الأساسية كالطحين و المحروقات و الأدوية لمدة شهرين، وهي نفسها مبالغ الإحتياطات النقدية الإلزامية للمصارف (أموال المودعين). جميع هذه الأسباب الإقتصادية، إضافة إلى ضمور القطاعات الإقتصادية من زراعية و صناعية و تجارية بسبب جائحة كورونا التي فرضت حالة الطوارئ والإغلاق العام لفترات طويلة خلال العام الماضي، منعت من تكوين سيولة مالية بالدولار كنتيجة عن تصدير المنتجات الزراعية والصناعية. كما أنَّ الإنهيار الذي أصاب القطاع المصرفي بسبب تهريب ملايين الدولارات إلى الخارج، والقطاع السياحي بسبب جائحة كورونا كان من الأسباب المؤثرة إقتصادياً أيضاً وأدت إلى شح الدولار في السوق اللبنانية. وبالتالي أصبح الطلب على الدولار أكثر بكثير من العرض ما أدى إلى إرتفاعه أكثر من عشرة أضعاف سعره الرسمي خلال عامٍ واحدٍ فقط.
أما السبب الداخلي الثالث الذي أثَّر كثيراً خلال الأيام الأخيرة تحديداً فهو ببساطة سبب نفسي بحت. فبعد أن ظهر عدد من الوزراء بداية الأسبوع الماضي يحذرون من كوارث ومصائب ستصيب البلد، شعر الكثير من اللبنانيين بالخوف ولجأوا إلى شراء الدولار من السوق بكثافة ما أدى إلى زيادة الطلب بشكلٍ كبير وبالتالي إرتفاع سعر الصرف الدولار وتدهور سعر صرف الليرة أكثر فأكثر. فلقد حذَّر وزير الداخلية محمد فهمي من إنهيار الوضع الأمني و عودة الإغتيالات والذهاب إلى المجهول. كما قال وزير الطاقة ريمون غجر أننا ذاهبون بإتجاه العتمة الشاملة و طلب من اللبنانيين تخيل العيش في هذه العتمة. في حين أنَّ وزير الإقتصاد خفَّض وزن ربطة الخبز بينما كان الناس يتعاركون في الأسواق على أكياس الحليب وغالونات الزيت النباتي وبقية السلع المدعومة. وجاء تهديد رئيس حكومة تصريف الأعمال بالإعتكاف عن تصريف الأعمال كتتويج لحفلة الضغط النفسي المتزايد على المواطن اللبناني الذي بات يعيش حالة قلق دائمة بسبب خوفه من عدم تأمين طعامه وشرابه ودوائه وأهم شيء الحليب لأولاده. ولا يمكن فصل العامل النفسي عن تأثير منصات سعر صرف الدولار على نفسية الناس الذين تصلهم الأسعار بشكل متواصل على مدار الساعة، حيث كلما زاد سعر الصرف، زادت رغبة اللبنانيين وخصوصاً التجار بالبحث عن الدولار لكي يحدوا من خسائرهم التجارية اليومية.
في الخلاصة، نستنتج أنَّه لا يمكن أن يكون سبب إرتفاع سعر صرف الدولار في لبنان خلال الأيام الأخيرة سبباً واحداً غير مرتبط ببقية الأسباب ولو بنِسَبٍ مختلفة. فالأسباب الخارجية إضافة إلى الأسباب السياسية والإقتصادية والنفسية إتحدت جميعها لتجعل من حياة المواطن اللبناني حالة من الجحيم والقلق الدائم على المستقبل الذي بات قاتماً في ظل أكثر من 60% من الشعب اللبناني تحت خط الفقر. وفي ظل هذه اللعبة القذرة التي يلعبها بعض السياسيين والإقتصاديين والصرَّافين يبقى المواطن وحده من يدفع الثمن قلقاً وقهراً وذلاً في الأسواق حيث إلتهبت أسعار جميع البضائع وعلى رأسها المواد الغذائية التي لم تعد بمتناول الكثيرين من اللبنانيين.