فاينانشال تايمز: زواجٌ مثيرٌ للجدل بين الحكومة اللبنانية والمصارف
نقوم بنشر هذا المقال كونه صادر عن صحيفة اقتصادية عالمية رائدة، رغم احتوائه على بعض المعطيات المجتزأة التي تميّز عادة كتابات الصحفيين الزوار
الاقتصاد اللبناني.. علاقة زواج من نوع جديد، ولكن على المحك
في حدث قد يبدو فريد من نوعه، احتفلت إحدى المجلات الشهيرة بمرور 25 عام على تولي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمنصبه، حيث عمدت المجلة إلى وضع صورة مميزة له على غلافها، ليبدو سلامة في مشهد بطولي في عيون القراء.
وقد اشتهر السيد سلامة بلقب “مهندس الاستقرار في أوقات الأزمات” وذلك نظرا لقدرته على التحكم في سعر الليرة اللبنانية والحيلولة دون انهيارها أمام الدولار، حيث استمرت الليرة صامدة لمدة عقدين كاملين بسعر صرف يقدر بـ 1500 مقابل الدولار الواحد.
ولكن التقارير التي نشرت خلال الشهر الجاري تؤكد بأن السوق السوداء للعملات قد تمكنت من رفع سعر صرف الليرة إلى 1560 مقابل الدولار الواحد، الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة ضربة إلى السمعة الحسنة التي اشتهر بها السيد سلامة.
وفي ظل الإقبال الكبير في لبنان على المعاملات المالية باستخدام الدولار دون الليرة والتي قد تؤدي إلى نفاذ أرصدة البلاد من العملة الصعبة، فإن الجهود المبذولة من قبل سلامة للحفاظ على استقرار الليرة قد تذهب سدى، وبخاصة مع استمرار ارتفاع معدلات البطالة وإفلاس الشركات، الأمر الذي اضطر المصرفي اللبناني الشهير إلى التصريح بأن لبنان يواجه نموا صفريا.
وقد نجح السيد سلامة في الحفاظ على الاحتياطات النقدية في البلاد لأطول فترة ممكنة أملا في أن تتمكن الحكومة من التغلب على العجز المالي وذلك من خلال اتباع نظام “الهندسة المالية”، فقد عمد إلى إبرام عدد من الصفقات مع بعض البنوك المحلية تضمن بعضها مسألة الدين الحكومي ومقايضة الليرة بالدولار وذلك بهدف دعم احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي وحماية العملة الوطنية.
ويرى البعض أن الحفاظ على استقرار الليرة قد يكون أمرا مكلفا ولكن ضريبة تعويم العملة قد تكون أكبر، فمن المؤكد أن تخفيض قيمة الليرة سوف يضر بمصالح أولئك الذين يتقاضون أجورهم بالعملة المحلية إلى جانب أصحاب المدخرات بالليرة أيضا، الأمر الذي قد يتسبب في عدم استقرار الأوضاع المالية في البلاد.
وقد لاقى ملف الأزمة الاقتصادية اللبنانية اهتماما كبيرا من قبل دول الغرب التي تطلعت نحو تحقيق استقرار لبنان في ظل الأوضاع المضطربة بالمنطقة، فقد تعهدت الدول المانحة بتقديم قروض ميسرة بقيمة 11 مليار دولار من أجل تطوير البنية التحتية في البلاد، إلا أن الأزمات الاقتصادية الصارخة قد حالت دون نجاح الحكومة في تنفيذ المشروعات التنموية المطلوبة.
ونظرا لكون لبنان من الدول التي تعاني من اختلال الميزان التجاري بسبب ضعف الإنتاج، فقد حاول السيد سلامة جاهدا أن يحافظ على العائدات التي تحققها الودائع المصرفية الدولارية، وكانت تلك هي الخطوة الأهم للحفاظ على الاحتياطات النقدية من العملة الأجنبية، إلا أنه وللمرة الأولى منذ عام 2007 يتعرض نمو الودائع لانكماش ملحوظ، الأمر الذي اعتبرته مؤسسة جولدمان ساكس الأمريكية بمثابة مأزق خطير للسيد سلامة، وذلك بعد أن فقدت الاحتياطات النقدية نحو 8 بليون دولار من قيمتها في الفترة من يناير إلى يونيو خلال العام الجاري.
لطالما كانت بنوك بيروت بمثابة شريان الحياة الاقتصادية في جميع أرجاء لبنان، وكانت الأجواء مشجعة على الادخار، حتى أن القروض كانت تحقق عائدات مناسبة جدا، إلا أن خبراء اقتصاديين قد أشاروا إلى التأثير الاستثنائي لاجتماعات مجالس إدارات البنوك على كافة الشئون السياسية والنقدية والمالية في البلاد.
وفيما يبدو أن العلاقة بين كل من البنك المركزي والبنوك الوطنية من جهة ووزارة المالية من جهة أخرى قد أصبحت على المحك، فقد توقفت البنوك المحلية جميعها عن الاشتراك في المزادات الخاصة بديون وزارة المالية، وبات معروفا عن الحكومة اللبنانية عجزها عن سداد فواتيرها الخاصة.
ولعل الأمر اللافت للنظر هو ارتفاع سعر الفائدة على معظم أصول القطاع المصرفي التجاري التي تم إيداعها لدى البنك المركزي، والتي بلغت قيمتها 14% وهذا ما أثار التساؤلات عن مدى توافر هذا القدر من النقد الأجنبي.
وخلال الأسبوع الماضي، قامت مؤسسة فيتش الدولية للتصنيفات الائتمانية بإدراج لبنان ضمن التصنيف CCC بدلا من B- نظرا للكم الهائل من الديون المتراكمة على ذلك البلد الصغير، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف خدمة الدين، فحقيقة الأمر أن لبنان يحتل المركز الثالث عالميا من حيث ارتفاع حجم الدين الخارجي بفارق يصل إلى 150% عن إجمالي الناتج المحلي، وقد فقدت الحكومة أكثر من نصف إيراداتها في خدمة الدين خلال العام الجاري.
وعليه فإنه يمكن تشبيه العلاقة بين البنوك والحكومة اللبنانية بالزواج وذلك نظرا لما تتضمنه تلك العلاقة الاجتماعية من تعقيدات وتفاصيل قد يصعب مجاراتها والتغلب عليها، فربما يبقى إصلاح الاقتصاد اللبناني رهنا لنجاح تلك العلاقة المثيرة للجدل.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا