رحل عبد الحميد فاخوري البيروتي اللبناني العربي الذي مثّل في حياته التسامح والمحبة ولغة العقل في كل المواقع التي شغلها، وكان سيفاً قاطعاً ضد الفساد والفاسدين، وهو قائد من عالم القيم والنقاء والصفاء، مؤمن بالتعايش، ومؤمن ايضاً انه من حق الجميع ان يتمتع بخيرات الوطن، وقف دائماً ضد عالم الزيف وازدواج المعايير، لايمانه ان حركة المجتمع لا بد ان تكون جريئة وقوية، وهو بذلك كان جريئاً وقوياً في كل مواقفه وكتاباته.
الراحل العزيز ناصري بامتياز، آمن بمبادئ ثورة يوليو في مصر، فهو مع الزعيم جمال عبد الناصر والقائل عنه انه عارض جميع الاحلاف، وكسر الهيمنة الغربية على المنطقة العربية، والضارب المباشر للمصالح الغربية، فكانت مصر عند الراحل في خاطره وفي دمه، كما كانت القضية الفلسطينية بكل شؤونها وشجونها ونضال شعبها شغله الشاغل كل حياته.
والمغفور له عبد الحميد فاخوري حمل هموم لبنان وهموم ابناء بيروت، فكانت الرسائل التي يبعث بها الى رؤساء الحكومات والمفتين والمجلس الشرعي الاسلامي الاعلى تعبّر عن افكاره وقناعاته المنحازة دائماً للتغيير والاصلاح.
كان المثل والمثال خلال عمله في شركة طيران الشرق الاوسط كواحد من كبار ادارييها، وذلك في المثابرة والتخطيط والتنفيذ وفي الالتزام والنزاهة وتحمّل المسؤولية والامانة.
انتخبته بيروت عضواً في مجلس بلديتها فكشف المستور في المعاملات البلدية التي تخفي الصفقات المشبوهة لصالح المتنفذين ان وجدت، وآمن ايضاً بأنه لا يزال هناك امكانية للاصلاح والانقاذ، لكن ذلك مشروط بتضافر وتعاون كل النيات الصافية والبيروتية المؤمنة بالتغيير ليس في البلدية فحسب بل في بيروت، محذراً من ان الفساد هو بداية التأسيس للانهيار الشامل، وهذا ما نعيشه الآن في لبنان.
حمل هموم الناس والوطن وبيروت واكد دائماً انه لا يؤمن بالزعامات القبلية الواحدة على الطائفة التي ينتمي اليها ولا في الطوائف الاخرى ولا يؤمن بالتوريث ايضاً.
وفي رئاسته لندوة العمل الوطني مع زملائه في الهيئة كانت البيانات والمواقف المتخذة تعبّر تعبيراً صادقاً عن الموقف الوطني المطلوب في كل مرحلة من المراحل، ولم ييأس الراحل الصديق واستمر في نضاله الوطني حتى الرمق الأخير.
لقد كان بالمرصاد لمن صاغوا نعوت فضائل لعيوبهم ورافض لاعذار التمييز والاصلاح، وبذلك استطاع ان يضيء على هؤلاء وهم كثر، وهم الذين وصفهم أمير الشعراء احمد شوقي:
“صاغوا نعوت فضائل لعيوبهم
فتعذر التمييز والاصلاح”
الاتصال بيننا لم ينقطع لمناقشة ما يكتبه واكتبه ودائماً كانت تسود الروح الوطنية الميثاقية في نقاشنا.
مع الصديقين والابرار ايها الراحل الكبير.