الاحدثالصورة الكبيرة

في ذكرى تغييب الإمام الصدر : المنهج الوطني المتكامل | بقلم فؤاد الزين

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

” إن حركتنا وطنية صادقة تنبع من إيماننا بالله ومن إيماننا بالوطن ومن رغبتنا في صيانة وطننا وكرامة المواطنين وقيامنا بدورنا الواجب في معركة أمتنا ” . الإمام السيّد موسى الصدر

كي ينهض الوطن يحتاج المصلحون إلى رؤية وطنية متكاملة وبرنامج وطني مناسب وإرادات حرّة مخلصة تكافح كفاحاً سلمياً مستديماً لتطبيق الرؤية المتكاملة وإرساء البرنامج الوطني المنشود وترجمته قوانيناً ومؤسسات وأحزاب وجمعيات.

ومن البديهي والمنطقي أن يستفيد الوطنيون المخلصون من برامج وأفكار وتجارب ومناهج مرجعيات فكرية وقيادات وطنية قدمت الغالي والنفيس لبناء الوطن ونهضة الشعب.

قدّم رائد الإصلاح الوطني الإمام المفكّر الرؤيوي السيد موسى الصدر منهجاً وطنياً متكاملاً من خلال رؤيته الوطنية وطروحاته الفكرية وتجديده للفكر الديني، ومواقفه الحقة لنصرة كل قضايانا الوطنية، وحلوله للمشاكل المحلية، ومناهضته للطائفية السياسية والهيمنة الفئوية وللحرب الأهلية، وحراكه الديبلوماسي، ومؤسساته الإجتماعية، وحركته الثورية، ومقاومته اللبنانية،وانتمائه العربي وتأييده لحركات التحرّر في العالم.

من ميزات هذا النهج الوطني المرتكز على أسس مواجهة الظالمين ورفض الظلم سواء أتى من الحكام المستبدين في الوطن أو من العدو الخارجي المعتدي، أنه يسعى للمحافظة على كرامة الإنسان في لبنان كما يسعى لتحقيق العدالة الإجتماعية التي هي هدف الأنبياء والأولياء والحكماء و جميع المصلحين.

وقد طبّق الإمام هذا المنهج الوطني الإنساني حين أسّس حركة محرومين إجتماعية سياسية نهضوية على أسس أيدها عشرات المثقفين من مختلف الإنتماءات الطائفية والثقافية والإجتماعية، تكون مهمتها مواجهة الظلم والتمييز الطائفي والطبقي والإستغلال والفقر والحرمان والجهل والمرض والتخلّف؛ وأردفها بتأسيس أفواج مقاومة لبنانية -أمل- مسلحة ضد العدو الإسرائيلي الإرهابي.

حرص القائد القدوة منذ البداية على استنهاض الشعب وتوجيه طاقاته لمواجهة الحاكم الظالم واسترداد حقوقه المسلوبة بالثورة الإجتماعية السلمية فنفخ روح الحماسة الوطنية في المجتمع المكافح المقهور من خلال مهرجاني بعلبك وصور فشكلت تلك الجماهير الغفيرة التي انتفضت في البقاع والجنوب للمطالبة بأبسط حقوقها المواطنية “ثورة طائفة وليست ثورة طائفية” حسب تعبير رئيس تحرير جريدة النهار السفير المثقف غسان تويني الذي دعا بقية الطوائف لتحذو حذوها.

إذن قاد موسى الصدر ثورة سلمية ضد ظلم الحاكمين واستغلال المحتكرين وتمييز المهيمنين الطائفيين، ثورة شعبية مطلبية بأساليب ديمقراطية راقية (مهرجان خطابي، اعتصام مدني، إضراب عام، مظاهرات شعبية…) تقف عند حدود السلم الأهلي خاصة حين ترخي الحرب الأهلية المفتعلة بظلالها على مهرجان جماهيري كان ينوي الإمام الصدر إقامته في بيروت، فألغاه بسبب الإفتراءات التي بدأت تحيكها أجهزة الميليشيات الرابضة على مشارف الحرب اللبنانية.

ألغى الإمام الصدر مهرجان بيروت بسبب إيمانه الراسخ بالتعايش بين الطوائف التي اعتبرها نوافذ حضارية.
هو المفكر الرؤيوي الذي اعتبر الطوائف نعمة والطائفية السياسية نقمة. ودعا الإمام إلى إلى إسقاط النظام الطائفي السياسي وبناء دولة مدنية عصرية عمادها الكفاءة والأخلاق والإيمان لا الطائفية المقيتة.

ولأجل تحقيق الأهداف الوطنية السامية على رإسها السلم الأهلي والدولة المدنية والعدالة الإجتماعية، أرسى الإمام القائد منهج النضال الوطني السياسي الديمقراطي السلمي طويل الأمد الذي تبنته حركة المحرومين رافضاً منهج استعمال السلاح في الداخل اللبناني لأجل مكاسب سياسية، على عكس الأحزاب اليمينية التي ارتكبت مجازر النبعة والكرنتينا والمسلخ والسبت الأسود وتل الزعتر التي ذهب ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء. كذلك رفض الفتنة الدموية الذي لم تتورع عنها أحزاب اليسار اللبناني من خلال القتال المسلح في المدن والبلدات اللبنانية، وخوض الحرب الأهلية لتغيير النظام الطائفي السياسي وفرض برنامجها المرحلي بقوة السلاح.

أما في مواجهة التهديد الخارجي، فقد حرص الإمام منذ البداية على تأسيس مقاومة لبنانية مسلحة فكانت حركة أمل المدافعة عن الأرض والشعب والتي خرجت مقاومين شجعان أشداء على العدو الصهيوني المجرم المعتدي. إذن لم يهمل الإمام العمل المقاوم المسلح الذي أرسى دعائمه بعد أن تقاعست الدولة عن أداء واجباتها الدفاعية.

واهتم القائد الحكيم بالجهاد الثوري المسالم، فقام الإمام بتحريك الثوار وقادهم مطالباً بحقوق الناس ورفع مظلوميتهم وبؤسهم وفقرهم وسعى لبلسمة جروحهم ومداواة آلامهم وتعليمهم المهن النافعة والعلوم العصرية وتنشئتهم على مواقف العزة والكرامة؛ كما حرّض الشباب الناشئ على قتال العدو دون هوادة. لم يهمل الجانب الإجتماعي لحساب المقاومة ولم يتخلى عن المقاومة لصالح النهضة الإجتماعية والتنمية البشرية.

أنشأ الإمام الصدر المؤسسات الإجتماعية والصحية والتربوية والمهنية، وطالب بتنفيذ مشروع الليطاني وبحيرات العاصي للإستفادة من الثروة المائية الوطنية لصالح المزارعين والقرى المحرومة. كما طالب الإمام باستخراج النفط للإستفادة من هذه الثروة المنسية.كل تلك المساعي المحمودة لأجل تحقيق تنمية إقتصادية متوازنة وعدالة إجتماعية منشودة تعمّ كل أرجاء الوطن ويتنعم بها المواطنون في مناطقهم المختلفة.

الحديث يطول عن الأبعاد الوطنية المختلفة لمشروع الإمام الصدر النهضوي، ولكن من المهم أن نقتدي بنهجه الوطني المتكامل لننهض من انهيارنا، وندفع مسيرتنا الوطنية إلى الأمام، ونغذّي تعايشنا الإنساني بأواصر المحبة والمواطنة، وندعم جيشنا اللبناني بالأفراد والعتاد، ونثبّت مقاومتنا الأبيّة بالتضحيات .
ومن المهم أن نستلهم مواقف الإمام المتنوّر الحقة لمواجهة تحديات العصر، وأن نغرف من برامجه الوطنية المميزة وحلوله الناجعة لمشاكلنا المستعصية.


مقالات ذات صلة:

فؤاد زيد الزين

فؤاد زيد الزين أصدر مجلة "العرفان" اللبنانية التاريخية العريقة التي أسّسها المرحوم جدّه المجاهد الوطني العلامة الشيخ أحمد عارف الزين عام 1909 في مدينة صيدا. تحمٌل مسؤولية إصدار مجلة "العرفان" وإدارتها وتحريرها ونشرها في لبنان والبلدان العربية منذ العام 1982 حتى العام 1996 حين توقفت بسبب أزمتها المادية واستقلالها عن أي زعيم وحزب ودولة. كتب عدة مقالات معظمها إفتتاحيات مجلة العرفان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى