تخيلوا معي وبواقعية مطلقة أن هنالك مخططًا ينفذ من خلاله خبراء الدوائر الضريبية والمالية ، بشكل خفي وتسلسلي وتعسفي بالعمق، السرقة لكتلة وازنة من عدة مليارات من الدولارات من ثروات عائدة للقطاع الخاص وخلسة من المواطنين والفئات العاملة والمكافحة . فما هي اذا ؟ مجمل الآثار والمضاعفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المهولة والتي ستترتب نتيجة لذلك . بالطبع انه لأمر صعب ومن المجهد للفكر والخيال أن نفترض بأن الحكومة هي المسؤولة عن مثل هذا الاستيلاء والنهب، أو سيتم الإطاحة بها بشكل مفاجئ بردة جماهيرية وربما بعنف وتمرد، فالمصادرة العشوائية للثروة الخاصة تتعارض مع القيم الانسانية والمواثيق الدستورية، حيث لا يجوز لأي شخص الحرمان من الحياة أو الحرية أو الممتلكات من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة ؛ ولا يجوز بالتوازي حتى الاستيلاء على الممتلكات الخاصة للاستخدام العام ، من دون أي تعويض عادل .
لقد أدى التضخم في الحقيقة إلى اجتثاث ومصادرة أكبر قدرمن الثروات الخاصة دون تذمر الحكومة المسؤولة، فحالة التضخم بنموذجها الراهن وكما يوصفها الاقتصادي، يعادل في الجوهر الضريبة على جميع المطالبات النقدية، فإن عملية سحب واحدة من أصل كل عشرة دولارات من القوة الشرائية الثابتة،ضريبة صريحة أو مصادرة، هي في الواقع تضخمًا بنسبة عشرة بالمائة، وفي كلتا الحالتين يفقد الساحب عُشر قوته الشرائية الأصلية وسيطرته على السلع والخدمات، ولا تقتصر ضرائب التضخم فحسب على الأرصدة النقدية والمالية ؛ وتفرض الضرائب بالتساوي على جميع المطالبات المقومة بوحدات المال، فالقيمة الحقيقية للسندات والمعاشات التقاعدية وبوالص التأمين والرهون العقارية والمطالبات المالية المماثلة تنخفض بالتساوي مع القيمة الحقيقية للعملة ومختلف أرصدة الحسابات المصرفية.
حيث تم أخذ المبلغ الهائل الذي يزيد 100 مليار دولار من خلال الضريبة التضخمية في غضون عامين فقط. ويبعث هذا المبلغ الشعور بالقلق فهو ناتج قومي اجمالي وأحيانا اكثر ، ربما يكون أكبر ضريبة في تاريخ البلاد. والمثير للدهشة أن هذه المصادرة الواسعة للممتلكات الخاصة قد تمت من دون مداولات أو أي موافقة حكومية صريحة ، ومن دون أي تعويض الى الآن يذكر، وحتى دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
لذلك وفي ضوء كل هذه العيوب القانونية والأخلاقية ، يبدو جليا ومن غير المناسب إلى حد ما تسميتها ضريبة فصفة السرقة هي الأدق والأنسب، وما يفاقم من الوضع أن التضخم لا يفرض تحصيله مرة واحدة وإلى الأبد، بلويستمر بشكل متقطع ويوما بعد يوم وبتواتر بلا نهاية تلوح في الأفق والسبب يكمن في التخبط وضعف الرؤية والافتقار لكل مقومات اللازمة لادارة الأزمات.
أن شريحة الدائنين النقديين تعاني اليوم من تضخم غير متوقع في حين إن المدينين النقديين يستفيدون، فنشهد على خسائرغير متوقعة من يدنا اليمنى ولمكاسب غير متوقعة في يدنا اليسرى والمتغيرة الوحيدة هي وحدة الحساب فقط ، حيث يدفع الكل الكثير والمزيد مقابل جل السلع والخدمات ولكنهم يربحون أكثر بمقابل السلع والخدمات المباعة. الا أن الجيوب والتي تحقق المكاسب غير متوقعة هي عينها وذاتها والتي تحملت وتكبدت خسائر غير متوقعة.
والمرجح أنه وخلال فترة زمنية محددة للتعديل قد لا تكتمل وقد تستمر، يخسر من خلالها الدائنين النقديين ويكسب المدينون النقديون وتضمحل الحيادية وفي النهاية سنرى خاسرا لا محالة .
فإذا كنا جميعنا نتمتع بنفس القدرة والكفاءة المتساوية على التنبؤ بشكل ثاقب والاستشراف بالمستقبل التضخمي،بالاضافة الى فهم متساوٍ في التنظيم الكيفي لإعادة ترتيب الالتزامات الاقتصادية لمكافحة السواد ومع المقدرة المتوازنة على تنفيذ هذه الترتيبات ، فإن التضخم لا مناص سيؤثر علينا جميعا وبنفس الطريقة، حيث يختلف الأفراد اختلافًا كبيرًا في هذه النواحي، مع افتقار الكثير من الناس لحقيقة ما يحدث لهم ويدور، فكل ما يعرفونه فقط هو أن الأشياء تكلف أكثر مما كانت عليه من قبل، والذين يقدرون منهم الموقف ويفهمون كيف يمكنهم محاولة عزل شؤونهم الاقتصادية عن التضخم، لديهم حتى قدرة ضئيلة أو معدومة على تنفيذ عمليات المتمثلة في إعادة الترتيب .
ان هذا في الذات ما ينطبق على مجموعة المتقاعدين في القطاع الخاص ، هم الذين يتلقون المعاشات التقاعدية الثابتة والذين لا يمكنهم إعادة التفاوض بشأن خططهم ومعاشاتهم التقاعدية فيما بعد التقاعد، فيرغب المودعون بحساب التوفير في الحصول على فائدة أعلى بهدف حماية القيمة الحقيقية لودائعهم ، وقد تكون بنوك الادخار الوجهة المفضلة لديهم وهي على استعداد لتقديم معدلات فائدة أعلى ومغرية لجذب الودائع ، لكن القيود القانونية تضبط معدلات الفائدة المسموح بها، والأغلبية لا تعرف شيئًا عن المنافذ البديلة للمدخرات الشخصية وبالتالي يسارعون ويحتفظون بأرصدة حسابات التوفير الخاصة بهم في البنوك، أذ كانت النتيجة وهي بحصولهم على فائدة أقل مما خسروه بسبب التضخم فودائع الادخار قد تكون وفي أحيان كثيرة خطرعلى ثروتك .
إن المشاكل الاجتماعية التي تسببها مسألة التوزيع التضخمية أعمق بكثير وفي مكانة تصعب على المحاسب ضبطها وقياسها، فلا يوجد نظام ولا عدالة في مصادرة وإعادة توزيع الممتلكات الناتجة عن التضخم، فقط الذئاب الشرسة والأكثر حيلة وعديمة الضمير في الحياة الاقتصادية يمكنها أن تنجو وتأتي سالمة، حيث أن الأغلبية الساحقة التي وضعت ثقتها في النظام التقليدي وكل الذين يتقنون العمل المنتج والمفيد والقاصرين لجهة تلاعبهم بالمال ، من المتقاعدين وكبار السن والطبقة الوسطى الزائلة، والذين كانوا يأملون في العيش بحياة كريمة بالنظر لما انتجوه في حياتهم المهنية وكلهم محكوم عليهم بالمعاناة، فالتضخم مأساة حقيقية تجعل من الانسان مخلوقًا متشائمًا وتخلق منه رجلا آليا حتى، فالتقلبات المتناقضة من المكاسب والخسائر الناتجة عن التضخم الكبيرهي التي تجعلها مدمرة جدًا.
مع استمرار التضخم تنخفض القيمة الحقيقية للدين بشكل فاقع،وعندما تنضج سنداتها وتستحق تسدد الحكومة وبكتلة أقل بكثير مما وعدت به ضمنيًا بالدفع لأولئك الذين اشتروا السندات في البداية وبالتالي نقلوا سيطرتهم على السلع والخدمات إلى الحكومة.
ومن الطبيعي اذاأن يتخيل المواطن من أن مشهد هذا التضليل العام الهائل سيوجه ضربة قاتلة لشرعية الحكومة ، حيث أن المسؤولية عن التضخم نفسه تقع بشكل مباشر على عاتق الحكومة، فالإنشاء المفرط للنقود والتي تتحمل الحكومة مسؤوليته ، هو سبب وشرط جوهري للتضخم ومع ذلك ينجح السياسيون والسلطات الحكومية في إلقاء اللوم بالتضخم على النموذج العام وعلى عاتق القطاع الخاص، حيث يتم الاحتيال على الأوراق المالية بشكل تدريجيوهوية المستفيدين ليست ذات صلة ، والفساد العميق للأخلاق العامة لا يزال قائما.
فإن الحكومة ومن خلال إجراءات سلطاتها النقدية تسهل بيع سنداتها عن طريق إغراق الاقتصاد بأموال أكثر مما يرغب الجمهور في الاحتفاظ بها في ظل الظروف الاقتصادية القائمة، وذلك ومن أبرز وأسوأ محفزات التضخم بالاضافة للانحدار والتدهور المرافق لنوعية الفكر ولمستوى الخطاب العام، فقادة الحكومات يبرعن بالرياء والخداع والتدليس بشأن ما يفعلونه – ولماذا يفعلون ؟ وبديهي بأن هذا السلوك لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل الشكل الوجودي للدولة.
حيث يتكيف المواطن البسيط والجمهور مع هذا العرض المفرط في الزيادة للنقود، عن طريق مبادلة بعض الأموال بالسندات وبعضها الآخر بالسلع والخدمات المنتجة حاليًا، وذلك لحين ما ترتفع أسعار السندات ومعدل الدخل النقدي إلى المستويات التي يمكن للمواطن الاستعداد للاحتفاظ بها، فعندما يعمل الاقتصاد بالفعل بالقرب من طاقته الكاملة وضمن حدوده الطبيعية اشباعيا ، تتجلى واحدة من أبرز النتائج العملية وهي تعديل محفظة التضخم .
وستتحول الحكومة من خلالها لشخصية اعتبارية شارية وسوف تدخل ناد المشترين للسندات والتي ستتلاشى وتتحول مواردها بشكل تلقائي من الأيدي الخاصة إلى سيطرة الحكومة، وأكثرية موصوفة ستعترض على أن هذا الاستحواذ الاستيلائي للحكومة على الموارد الحقيقية من خلال التضخم والذي لا يمكن أن يستمر وإلى ما لا نهاية.
ان ذلك لا يرجع فقط لصعوبة التنبؤ بشكل صحيح بمعدل التضخم وانما لطريقة ادارة الدولة للمقدرات وللأمانة الملقاة على عاتقها ونتيجة مباشرة للخطط والرؤية المطبقة، حيث يتفاجأ معظم الناس وبشكل دائمً بالتسارع الذاتي في معدل التضخم، والتي تجعل من عملية التعديل ناقصة للغاية ومرهقة وبطيئة بشكل مؤلم،وبينما يكافح المواطنون العاديون لحماية ممتلكاتهم من الضرائب غير المرئية تزداد سيطرة الحكومة على الموارد الحقيقية بشكل مطرد.