ازمة لبنانالاحدث

لبنان يا قطعة سما! تتقاسمها القوى الدولية… | كتب محمود الحمصي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

بعد التطور السلبي في العلاقة العربية اللبنانية بعد فشل المفاوضات الإيرانية السعودية في تحقيق الأمن والسلم اللبناني، قد نشهد إكمال تنفيذ مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي الذي لن يبصر النور قبل تقسيم لبنان إلى مجموعة دويلات تحكمها الأكثرية الطائفية داخل الدويلة الواحدة وتكون خاضعة للنفوذ والقوى الإقليمية والدولية وفقا للطبيعة الديموغرافية داخل الدويلة وقد نكون أمام سوريا ثانية، تتقاسمها القوى الدولية وترسم معها الإتفاقات والهدنات ووقف التصعيد وترسم معها لبنان الجديد بصيغته المختلفة وفقا لميثاق جديد ترعاه القوى الدولية وتوافق عليه القوى الإقليمية ونودع معه لبنان الرسالة والعيش المشترك.

 

الولايات المتحدة ودعم الجيش

اهتمت الادارة الاميركية مؤخرا بالساحة اللبنانية واصدرت قانونا من مجلس النواب الاميركي يقضي بدعم الجيش اللبناني بالتصدي لحزب الله. لقد تناولت العديد من وسائل الاعلام المحلية نية واشنطن دعم الجيش اللبناني وزيادة رواتب العسكريين داخله بحيث تصبح اكثر من رواتب مقاتلي حزب الله الذين يشكلون ومعهم قياداتهم السياسية جهة الخصم الحالية بعد القضاء على تنظيم داعش والتي تركز كامل ضغوطاتها الاعلامية والاقتصادية ومعها الشعبية والعسكرية بهدف تحجيم دور حزب الله وتقليم اظافر ايران في المنطقة. تشير مصادر اعلامية ان الجيش اللبناني حصل في الاونة الاخيرة على الدعم المادي والسياسي الشامل من العديد من القوى الدولية والاقليمية كان اخرها من خلال لقاءات قائد الجيش اللبناني مع المرجعيات السياسية الاميركية ولقاءات عسكرية تاخذ طابع سياسي مع العديد من القنصليات الدولية من بينها المملكة العربية السعودية، وقد حصل معها الجيش على كامل التأييد والدعم بصفته المرجعية الرسمية الوحيدة التي تمثل الشعب اللبناني والضامن لامن واستقرار لبنان والدور المحوري الذي سوف يلعبه الجيش في الايام القادمة في حال تطورت الامور في الداخل اللبناني.

 

التدحرج المستمر في علاقة لبنان مع الدول العربية

بالرغم من الدور التي تلعبه فرنسا في ضبط الامور وابقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين لبنان والعرب والتعويل عليهم في الدعم الاقتصادي الا ان الامور اخذت بالتعقيد اكثر فاكثر في علاقة لبنان مع الدول العربية وقد بدات تاخذ شكلا من اشكال القطيعة الشعبية للبنان وقد اصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تشكل حافزا لرجال الاعمال العربية للاستغناء عن خدمات اللبنانيين داخل مؤسساتهم والذين عملوا فيها لسنوات مسخرين كامل طاقاتهم لتطوير تلك المؤسسات، وكان اخرها اعلان رئيس اتحاد الغرف السعودية عجلان

العجلان دعوة عاجلة لجميع رجال الاعمال والشركات السعودية الى ايقاف جميع التعاملات التجارية والاقتصادية مع لبنان. في هذا السياق، تلعب المرجعيات السياسية اللبنانية دورا هاما على صعيد وقف تداعيات ازمة الوزير الاعلامي جورج قرداحي في اقل الاضرار الممكنة في حين تنظر المملكة العربية السعودية الى ان موضوع قطع العلاقة مع لبنان هو ابعد من تصريح وزير انما تجسد وراءها مقاطعة الى بلد

يشكل منبعا للارهاب وفقا لها، ولا يمكن اعادة اي نوع من العلاقة في ظل هيمنة فريق لبناني ذات الولاء والانتماء الايراني على كامل مفاصل ومؤسسات الدولة اللبنانية.

 

الفاتيكان قلق

تشير اوساط لبنانية عن مخاوف الفاتيكان من الوضع اللبناني الراهن والتخوف من انفلات الوضع الامني، ما جعل الاجتماع الاخير بين قداسة بابا الفاتيكان والرئيس الاميركي ياخذ حيزا من اهتمام الفريقين، بالاضافة الى تخصيص لبنان في كلمات الفاتيكان الرسمية اضافة الى اليوم اللبناني الذي حصل في الفاتيكان منذ اشهر قليلة. وقد اشارت وسائل اعلام لبنانية عن نية وزير الخارجية الفاتيكاني المونسنيور كالاغار الذي كان من ضمن الاجتماع الاخير بين البابا فرنسيس والرئيس جو بايدن اقامة زيارة رسمية الى لبنان تصحب معها زيارة المراكز الدينية المسيحية وقد تشمل المرجعيات الروحية المختلفة لتشكل معها زيارة محبة وسلام مبنية على اعادة الثقة واعادة لمل شمل اللبنانيين في كافة اطيافهم.

 

ميثاق جديد وانهاء اتفاق الطائف

عاش لبنان خلال المئة عام الفائتة اي منذ تاسيس دولة لبنان الكبير حربين اهليتين واحتلال اسرائيلي وتدخل سوري للتهدئة واحداث ونكبات واسقاط حكومات وانفجارات وغيرها من الاحداث الاليمة كان اخرها الانهيار الاقتصادي، كل ذلك بسبب الفساد الاداري والنزاع السياسي على السلطة. لقد تسائل العديد من اللبنانيين من جميع الطوائف خاصة المسيحية منها عن سبب الاستمرار في التعايش في هذا البلد بالرغم من رفض التعايش المجتمعي فيه، وقد اقترحت الفيدرالية لتشكل حلا جوهريا للواقع المظلم.

لقد سلطت مجلة فورين بوليسي الضوء العام الماضي على ارتكاب لبنان خطا فادحا بالحفاظ على النظام الطائفي وفكرة المحاصصة والمناصب، وترى المجلة الاميركية انه بمرور الوقت، سيطر حزب الله الموالي لايران على الدولة مؤكدة انه حان الوقت لاعادة النظر في هذا النظام والاعتماد على نظام الحكم الفيدرالي، وقد اكدت المجلة ان التقسيم خيارا جادا من شانه ان يساعد في تجنب الاخطاء المتكررة التي ميزت لبنان الى حد كبير خلال القرن الماضي، مضيفة انه من الواضح تماما انه بينما يشترك اللبنانيون في

السمات المشتركة، الا انهم لا يستطيعون الاتفاق على الحريات السياسية والاجتماعية الاساسية، والتي لا يمكن الحفاظ عليها الا من خلال ميثاق سياسي جديد قائم على نظام الحكم الفيدرالي.

 

لبنان نحو التقسيم واعادة البناء

ما زالت تتكون لدى الادارة الاميركية رؤية مستمرة وهي ان التقسيم اتي عاجلا ام اجلا. هذه الرؤية هي رؤية قديمة نوعا ما وقائمة على تقسيم الدول الشرق اوسطية الى دويلات ذات طابع طائفي وعلى راسهم الدولة اللبنانية. يقول مصدر عربي موثوق التقى بوزير الخارجية الاميركية السابق عام 2019 مايك بومبيو ان الاخير اشار بوضوح: “دع لبنان يسقط فهذا من وجهة نظرنا ونظر الكثيرين، افضل احتمال، لاننا وصلنا الى استحالة اصلاحه ولا بد من تقسيمه برعاية دولية وموافقة اقليمية في ظل نظام شرق اوسطي جديد”. وانطلاقا مما سلف، يتوقع ان يكون مشروع التقسيم الطائفي للبنان هو الاول في التطبيق. في المقابل، اشارت معلومات ان هناك خطة عمل دولية مشتركة، يتم دراستها بين باريس وبروكسل حول صعوبة اي تغيير في ظل البقاء على النظام الطائفي الحالي، سواءا بثورة شعبية او حتى فرض نظام جديد عبر حركة عسكرية من الجيش، في حين تؤكد الدراسة ان لبنان في صيغته الحالية قد فشل في احداث اي تطور او تقدم من الناحية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الامني والسياسي طوال الاعوام السابقة. ومن هنا توضح الدراسة حول امكان تقسيم لبنان الى اربع دويلات: واحدة مسيحية واخرى سنية وثالثة درزية ورابعة شيعية، تقضي القيادة والادارة في كل منها لطائفة من هؤلاء مع حق للطوائف الاخرى بالاقامة فيها، ولكن تحت مبدا الادارة للطائفة الاكثر عددا وحق الاقامة للغير من منطق تمثيل الاقلية. وكي ينجز هذا المشروع لا بد من توفر الغطاء الدولي والتسوية الاقليمية المرتقبة وتقسيم ديموغرافي ليتم تجانس المناطق طائفيا نظرا الى تداخل القرى فيما بينها. ولكن تجزم هذه المعلومات وفقا للدراسة المقترحة الى ان في عالم يعاني من السيولة والارتباك، ويشهد اعادة توزيع النفوذ والقوى سوف يكون لبنان من اوائل نماذج المقايضات والتسويات المقبلة اقليميا ودوليا والذي لن يكون بالسهل ولكن بفاتورة من الخسائر البشرية والمادية.

لبنان في مرمى عيون القوى الدولية

ترى طهران ان الوجود الاستراتيجي للمكون الشيعي من صور حتى حدود مزارع شبعا امرا لا يمكن التنازل عنه وتعمل الرياض على ضمان وجودها في لبنان من خلال المكون المسيحي والعشائر العربية السنية في حين تضمن تركيا وجودها في محافظة الشمال اللبناني. لقد لفت انتباه المتابعين ما ورد عن الاعلامي فيصل القاسم منذ سنتين والتي اثارت العديد من التساؤلات حيث كتب: “انتظروا القوات الروسية تسير في شوارع بيروت”. من هنا وفي حال صحت هذه المعلومات، قد نكون امام مرحلة جديدة، يعد لها على نار هادئة، وهي بعد انجاز مشروع تقسيم لبنان واخذ كل دويلة منها حصتها من الدعم الاقليمي والدولي وفقا لطبيعة الدويلة. وقد نشاهد الشركات العالمية ومنها توتل الفرنسية والكمبون موبل الاميركية وروزنفت الروسية تأخذ حصتها من التنقيب عن الغاز داخل وقبالة السواحل اللبنانية كل منها وفقا لنفوذ بلدانها على الدويلات اللبنانية. في الجهة المقابلة قد تسعى موسكو مع طهران الى تشكيل قاعدة بحرية لها في الساحل اللبناني بينما قد تستحوذ باريس وواشنطن على سواحل جبيل وجونية في ظل الهيمنة التركية الاقتصادية في الشمال. ومن هنا يكون لبنان من اوائل الدول التي تشهد ترسيم جديد لاعادة توزيع النفوذ والقوى الدولية في حين يبدأ للاسف مشروع التطبيع اللبناني الاسرائلي دون اي عوائق سواءاً داخلية او خارجية.

محمود أحمد الحمصي

الدكتور محمود الحمصي، باحث ومحلل سياسي، مولود في بيروت حاصل على دكتوراه الفلسفه في الادارة العامة ومحاضر في جامعة بيروت العربية، شارك في العديد من المقالات العلمية والبحثية المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى