كفى استخفافًا بعقول الناس | بقلم د. رنا منصور
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تحت شعار حماية المتبقي من احتياطي العملات الأجنبيّة وتوفير الأدوية وإنقاذ المرضى نتيجة عدم وجود بعض الأدوية الضروريّة في الصيدليات كأدوية السكري والضغط والقلب والسرطان، وبسرعة عجائبيّة، تم رفع الدعم عن أكثرية الأدوية وأصبح الفقراء وخصوصًا أصحاب الدخل المحدود والمتوسط دون دواء إطلاقًا نتيجة الغلاء الفاحش في الأسعار، وفي بعض الأحيان قد تضاعف ثمن الأدوية خمس أو عشر مرات.
إنّ هذا الشر المطلق والإستخفاف بعقول الناس سوف يؤديان إلى ثورة إجتماعيّة: فلا بنزين ولا كهرباء وارتفاع ضخم لأسعار المواد الغذائيّة وخصوصًا سعر رغيف الخبز في ظل عدم اكتراث المسؤولين وأغلبهم أولئك الذين سرقوا البلد وأودعوا أموالهم في الخارج. والمؤلم أكثر هو ما يراه الشعب اللبنانيّ من حين لآخر من تصريح من هنا أو هناك لتغطية سرقات هؤلاء المسؤولين وسرقات زبائنيتهم الذين كانوا يأخذون الإلتزامات بأسعار خياليّة وأصبحوا معروفين لدى أكثريّة هذا الشعب.
والأنكى من ذلك، أنّ هؤلاء باعتقادهم أنّ تهريب هذه الأموال قد تمّ ولم يعد باستطاعة أحد أن يحاسبهم تحت شعار الفوضى وكأنّهم غير مسؤولين عن أي شيء في وطنهم (أشكيهم لمين والشكوى لغير الله مذلة)، وكأنّه لا توجد محاكم دوليّة لمحاسبتهم، وكأنّ أكثريّة أفراد الشعب اللبنانيّ لن يقومون بالإدعاء عليهم في الخارج أمام تلك المحاكم.
وكان الشعب اللبنانيّ قد استبشر بعض الخير من الحكومة الجديدة، ولكن “تجري الرياح بما لا تشتهي السَفَن”. فهذه حكومة رفع الدعم عن البنزين والكهرباء والمواد الغذائيّة وطمس الطاقة التمويليّة، ومؤخرًا رفع الدعم عن الدواء وكأنّ هذه الحكومة أتت لزيادة الفقير فقرًا ولتغطية، لا سمح الله، السارقين من أصحاب التلزيمات المشبوهة الذين يعرف الجميع كيف كانوا وكيف أصبحوا.
أين هو الإصلاح الذي وعدت به الحكومة؟ وأين هي وعود ملاحقه الفاسدين ومحاسبتهم؟ في الوقت الذي يحلّق فيه الدولار دون أي سقف و النيران تلتهم البشر والحجر والأشجار، ولا حياة لمن تنادي.
أمّا وزارة الصحة فمستنكفة عن تأمين الأدوية السرطانيّة والنفسيّة وغيرها بحجة عدم توفّر الأموال اللازمة لشرائها، وها قد أتى فصل الشتاء والكورونا يضرب بخيرة أبناء الوطن. بالله عليكم لماذا لا تتواصل الحكومة مع كل من هرّب أمواله إلى الخارج من منطلق إنساني ولإعادة بعض ما سرقوه بهدف إنقاذ الشعب؟
على الأقل كما يطلب رئيس مجلس الوزراء الرئيس نجيب ميقاتي من وزير الإعلام جورج قرداحي أن يُحكّم ضميره ويستقيل، فليطلب أيضًا ممن سرق الأموال العامة أن يُحكّم ضميره ويُعيد بعض ممّا نهبه مع أتباعه من الزبائنيّة. وهنا أسأل وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض المعروف بعمله الدؤوب منذ بداية جائحة كورونا، وهو مشكور على ذلك، أن يقوم هو أيضًا بتحكيم ضميره. فما هي البدائل المتاحة للفقراء وذوي الدخل المحدود الذين تتعرّض حياتهم للخطر إذا لم يتناولوا أدويتهم في الأوقات المحدّدة لهم؟
إنّ المأساة الحقيقيّة التي قلبت حياة اللبنانيّين رأسًا على عقب أصبحت معروفة وهي السطو على المال العام. وهذا ما يؤكّده مسؤولون أُمميون ودبلوماسيون كان آخرهم المسؤول عن الفقر في الأمم المتحدة الذي أعلن وبشكل واضح أنّ المسؤولين في لبنان يعيشون في أجواء غريبة عن الواقع المتردي الذي تعاني منه الأكثريّة الساحقة من الشعب اللبنانيّ المفجوع.
لذلك أطالب المسؤولين جميعًا بمناشدة من نهب أموال الشعب اللبنانيّ أن يعودوا لضميرهم الإنسانيّ ويُعيدوا المال المسروق لإنقاذ الشعب قبل أن أناشد آخرين بالإستقالة لأنّ ما يهم هما الشعب والمصلحة العامة.