الهجمات الأخيرة على النفط السعودي أدت إلى اختلال ميزان القوى لصالح روسيا
مصائب قوم عند قوم فوائد، ولعل ذلك المثل ينطبق حرفيا على ما آلت إليه الأوضاع في أعقاب الهجمات الأخيرة التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية، فقد حرصت روسيا على استغلال تلك الفرصة الذهبية لممارسة المزيد من الأدوار داخل منطقة الخليج على حساب الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الراعي الرسمي للأمن في الشرق الأوسط، مما أتاح الفرصة للكرملين لتوسيع نطاق نفوذه داخل منطقة الخليج من خلال تعمد تصدر المشهد بهدف تقليص الدور الأمريكي.
وقد أشارت السعودية في بيان لها مؤخرا إلى تورط إيران في الهجمات الأخيرة، إلا أن ذلك لم يصل إلى حد الإعلان صراحة عن مسئولية الجمهورية الإسلامية عن تلك الهجمات، والحال نفسه بالنسبة لواشنطن، ففي وقت سابق أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته لزيادة العقوبات الاقتصادية على إيران، إلا أن خطابه لم يتطرق إلى الرغبة الأمريكية في الانتقام عسكريا من طهران، كما أنه عمد لاحقا إلى التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لازالت في انتظار الحصول على بيان مفصل من الرياض حول الهجمات الأخيرة.
وفيما يبدو أن المساعي الدبلوماسية ستكون على الأرجح هي السبيل الوحيد لحل الأزمة مما يعني نوعا من الاستقرار والطمأنة داخل أسواق النفط العالمية.
وقد حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عدم تفويت تلك الفرصة أبدا، حيث قام بمناقشة الأزمة الواقعة في أعقاب الهجمات الأخيرة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، كما أفاد البيان الصادر عن الكريملين بأن بوتين أجرى اتصالا هاتفيا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مشددا على ضرورة قيام المملكة بإجراء تحقيق شامل حول الحادث.
كما تطرق البيان أيضا إلى التذكير بأهمية التعاون القائم بين روسيا ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حيث ساعد ذلك على دعم أسعار النفط على مدار الـ 18 شهرا الماضية.
والجدير بالذكر أن العلاقات الثنائية بين كل من الرياض وموسكو قد شهدت ازدهارا غير مسبوقا خلال الآونة الأخيرة وذلك بعد تمكن كلاهما من اجتياز الأزمات والخلافات بين الجانبين. ففي وقت سابق عمدت روسيا إلى تقديم الدعم الكامل إلى الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الجماعات الإسلامية المتشددة في سوريا والتي يحمل معظم أفرادها الجنسية السعودية وفقا للمزاعم الروسية، كما وجهت روسيا اتهاما صريحا إلى المملكة العربية السعودية بدعم الجماعات الإرهابية في شمال القوقاز.
إلا أنه سرعان ما تبدلت الأحوال وتحسنت الأحوال بين الجانبين، حيث أصبحت السعودية صاحبة القدر الأكبر من الاستثمارات داخل الأراضي الروسية، وذلك بعد تراجع حجم كل من الاستثمارات الأوروبية والأمريكية،كما أنها أصبحت واحد من أكبر المشترين عالميا للقمح الروسي.
ويرى عدد من الخبراء أن العلاقات بين كل من موسكو والرياض قد تطورت إلى الحد الذي يمكن معه القول بأنه في حال تفاقمت الأمور واشتدت الأزمات، فإن روسيا سوف تفضل حليفها السعودي حديث العهد على صديقها الكلاسيكي طهران.
وتشير بعض التقارير إلى توقف صفقات بيع الأسلحة الروسية إلى إيران منذ سنوات، هذا في الوقت الذي عمدت فيه روسيا إلى إقناع المملكة بشراء المنظومة الدفاعية الجوية S 400 والتي سبق وأن تسببت في أزمة دبلوماسية بين كل من تركيا العضو في حلف الناتو وواشنطن، حيث أعلنت الولايات المتحدة آنذاك عن استبعاد أنقرة من برنامج الطائرات الأمريكية المقاتلة F 35
ويمكن القول بأن مجرد فكرة أن الكرملين يمكنه التضحية بحليف قديم ، والذي رعا برنامجه النووي ودافع عنه في الأمم المتحدة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن ، يوضح إلى أي مدى تطورت سياسة بوتين الخارجية إلى أبعد من حتمية تقديم الدعم لخصوم الولايات المتحدة.
ويرى خبراء بأن هناك عدد قليل من الدول ممن يمكنهم الحفاظ على علاقات مستدامة مع كل من إيران وتركيا وسوريا والمملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل ، مما يجعل روسيا مرشحًا مثاليًا لتكون وسيطًا في المنطقة، ولكن ذلك الدور الروسي المتزايد حاليا كان لا يمكن تخيله قبل عشرة أعوام مضت حيث أن الوجود الروسي بدأ في إثبات ذاته حرفيا تزامنا مع الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة وإعلان واشنطن عن سعيها لاستقلال الطاقة أو هيمنة الطاقة وفقا لما أعلنه الرئيس الأمريكي مؤخرا.
ويعتقد الخبراء بأن قيام الولايات المتحدة بزيادة إجمالي إنتاجها المحلي من النفط وتقليل واردتها من الخام قد يدفعها نحو التراجع أو الانسحاب تدريجيا من التزاماتها الدفاعية السابقة تجاه الدول المنتجة للنفط، ولعل ذلك ما اتضح إبان الأزمة الأخيرة، فقد عمدت واشنطن إلى تقليص مكانتها لدى الدول النفطية مما أتاح الفرصة الذهبية أمام الروس للدخول في العمق الخليجي.
رابط المقال الأصلي هنا