أربعة عشر عامًا على رحيل جورج حبش | بقلم مسعود أحمد بيت سعيد
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
جورج حبش الرمزالأول للحركة الثورية العربية
“أي مشعل للفكر قد انطفئ وأي قلب توقف عن الخفقان”
يصادف اليوم ٢٦يناير الذكرى الرابعة عشر لرحيل الدكتور جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب والجبهه الشعبية لتحرير فلسطين وحزب العمل الاشتراكي العربي الذي غادرنا في مثل هذه اليوم سنة ٢٠٠٨ .
أعلن نبأ الرحيل ، ذُيل الخبر في الشريط الأحمر للقنوات الفضائية المملوكة للبرجوازية العربية التي ناصبها العداء ستين عام في محاولة لئيمة للتعتيم على دور الرجل . ولكن سرعان ما انتشر الخبر وعم الحزن كل أرجاء الوطن العربي الكبير فالراحل قامة كبيرة في عالم الفكر والنضال والمقاومة .عرفته الجماهير العربية من المحيط الى الخليج قائدًا ومنظرًا ومنظمًا ومؤسسًا لمشروع ثوري تحرري على الصعيد القومي وقائدا أمميا على الصعيد العالمي.
من جمعية العروة الوثقى التي ترأسها وهو على مقاعد الدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت إلى كتائب الفداء العربي التي أسسها مع مجموعة من الشباب القومي من أقطار عربية مختلفة ، إلى تأسيس “حركة القوميين العرب ” سنة ١٩٥١ والتي انتشرت لتُغطي معظم أجزاء الوطن العربي . حركة قومية تقدمية تناضل من أجل تحرير الوطن العربي.
لعبت حركة القوميين العرب دورًا كبيرًا في إيقاظ المشاعر الوطنية والقومية وكانت لها مساهمات كبرى في معظم الساحات العربية . فلسطين ولبنان والأردن وسوريا والعراق ومصر والسودان واليمن بشطريه وكل بلدان الخليج ، وكذلك بعض الخلايا التنظيمية في بلدان المغرب العربي .لقد كانت تنظيمًا ثوريًا تقدميًا يناضل ضد الوجود الاستعماري الإمبريالي والصهيوني . ودللت بالملموس على إمكانيه توحيد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، من خلال وجود تلك الفروع في ظل قياده مركزية واحدة.
تُعتبر بحق أكبر ظاهره منجزة في التاريخ العربي الحديث .
وقد كان جورج حبش القائد الفعلي والمؤسس لهذه ألحركة القومية الكبيرة . وفي كل هذه الإطارات كان الحكيم يتقدم الصفوف من موقع القيادي الأول منظما ومرشدا فكريا وسياسيا ، بقى محافظ على حماسة اللحظة الأولى ، سبعة عقود من النضال الثوري الصادق والمخلص وقد اكسبته التجربة النضالية الطويلة خبرة والتزام و إصرار وحكمة . في مجرى النضال الوطني والقومي ( تحول جورج حبش من طالب نجيب مشغول بدروسه إلى واحد من اشهر الثوريين المحترفين الجدد في القرن العشرين الذين تميزوا بمسلكية ايمانية وطهرانية نقية ) “محمد جمال باروت ” بهذا المعنى لا يمكن الحديث عن تاريخ حركة التحرر الوطني العربي منذ منتصف القرن العشرين دون التوقف طويلًا عند دورة ومساهمته الفكرية والسياسية والتنظيمية .
كانت الحركة تستقطب وتصهر الشباب العربي من كل مكان في أُطرها التنظيمية (أبلغتنا المسئولة بحضور ندوة هامة عن الوحدة العربية في النادي الثقافي العربي ، أعطوا الميكروفون لشاب دون أن يذكروا اسمه ، بدأ يتحدث في هدوء تم تدفق كشلال مياه .ركز على أهمية نكران الذات والعمل للوطن وللأمة العربية . الهبنا .عندما ينفعل يطوى يده على شكل قبضة .استفسرت المسئولة عن اسم المتحدث رفضت أن تذكره لي قائلة إنه عنصر سري .قال لي شهاب إنه جورج حبش ) ” صنع الله ابراهيم _وردة ” مع قيام الوحدة المصرية السورية سنة ١٩٥٨م أراد فريق من الحركة حلها تحت شعار بأن الوحدة العربية قد تحققت ولا حاجة لوجودها . الأمر الذي رفضه جورج حبش ، مصرًا على استمرار الحركة في قيادة الجماهير العربية وتنظيمها وقال حينها ” أن عبدالناصر يمثل القيادة الرسمية وتسأل : ماذا عن الجماهير وتعبئتها وتنظيمها ؟
لقد كانت لجورج حبش نظره بعيدة لم تكن متوفرة لدى الآخرين في قياده الحركة . و كانت له ملاحظات جوهرية على التجربة الناصرية حيث يرى غياب الحزب الثوري الذي يُنظم ويقود الجماهير . أثبتت الأيام صحة تقديراته. كانت تربطه علاقة متينة وصداقة مع الزعيم الكبير جمال عبد الناصر ولكن ذلك لم يمنعه من الإشارة إلى نواقص تلك التجربة ( لايمكن ان نخدم العمل الوطني بالمجاملات ) رغم تأييد الحركة لجمال عبد الناصر في معظم المحطات .
وعندما حدث الانقلاب على الوحدة شاركت الحركة بقوة ضد الانفصال ( لم نجاهر بملاحظاتنا حتى لا تختلط أصواتنا مع الأصوات المعادية للوحدة من حيث الأساس ) .في سنة ١٩٦٣ طرح جمال عبد الناصر فكرة الحركة الإشتراكية العربية الوحدة ، لآقت هذه الفكرة قبول واضح لدى الصف القيادي الثاني في الحركة .
عقدت الحركة اجتماع موسع في سنة ١٩٦٣ والذي يُعتبر من أكبر مؤتمرات الحركة سخونة . حيث حضره لأول مرة مجموعة من قيادات الصف الثاني هاشم علي محسن ونايف حواتمة وعبد الإله النصراوي وغيرهم الذين لم يكونوا قبل ذلك ضمن الصف القيادي الأول وقد غاب جورج حبش عن هذا المؤتمر .قدم محسن إبراهيم الذي يُعتبر من أهم أقطاب الحركة تأييدًا للناصرية وثيقة ترى ضرورة الالتحام الكامل بالناصرية وقد سانده في هذا الطرح محمد كشلي ونايف حواتمة ومجموعة من قيادات الصف الثاني في معظم الفروع .
عندما اطلع جورج حبش علي تلك الوثيقة جمدها ( وهو أحد امهر رجالات التنظيمات في العالم الثالث الذي يعرف المألات الفعلية للأفكار وترجماتها الواقعية ) ” محمد جمال باروت ” رافضًا فكره الاندماج وقال : مقولته المعروفة التحالف مع الناصرية ممكن ام الالتحام غير ممكن . بعد هذا المؤتمر أشاع الفريق الداعي للاندماج بوجود خلافات داخل الحركة واصفًا أنفسهم باليسار والفريق الرافض للاندماج ب “اليمين ” ومنذ تلك اللحظة بدوا ينشروا هذا المصطلح وأسسوا عليه كل مواقفهم اللاحقة .
ان وصف من يرفض الالتحام ب “الناصرية ” ب” اليمينية” هو قول غير علمي بالمطلق ولا يمكن الاستناد لهذا الموقف السياسي في وصف الآخرين ب “اليمينية ” كانت مواقف محسن ابراهيم وكشلي ونايف حواتمة لا تخلو من الانتهازية فقد كان جمال عبد الناصر بهالته ومكانته العربية والدولية جاذبة جدا ولها مغرياتها . و لكن هذا شيء وتطوير التجربة و العمل القومي والإخلاص لقضية الثورة والحرية والجماهير شيء آخر .
وبناء على ما حل بالأمة العربية وحركة التحرر الوطني بشكل خاص قد يُعطي مشروعية لمناقشة تلك المواقف استنادًا إلى النتائج العملية ، بمعنى هل كان الالتحام سيكون أفضل للنضال العربي التحرري ؟ بهذا المعنى يمكن فهم تلك الحيثية . لم يكن الفريق الداعي للاندماج حينها ماركسيًا ولم يكن الفريق الآخر يمينيًا ولم يكون الخلاف فكري بل كان خلافًا سياسيًا وتنظيميًا ، بقى الكثير من الذي أرخو للحركة تحت تأثير هذا التضليل .
ولتجنب بعض التباينات ، عقدت الحركة مؤتمر آخر في سنة ١٩٦٥. وكانت محصلته الاتفاق على قضايا مشتركة حيث اُعتبر أن توحيد الحركة الوطنية العربية هو أفق نضالي واذا كانت الظروف الراهنة غير مؤاتيه لتحقيقه يبقى هدف يُسعى له وقد أعُتبر ذلك احتواء للفريق الداعي للاندماج الفوري .كان جورج حبش حريص على وحدة الحركة وكان يرى تقدمها وضد تبديد قوتها ووحدتها بشكل ارتجالي كما يرى نواقص التجربة الناصرية لذلك راهن على عامل الزمن في انضاج الظروف الموضوعية .
داهمت نكسة حزيران ١٩٦٧ كل القوى الوطنية والثورية العربية وكشفت الكثير من الخلل رغم الخديعة التي تعرض لها عبدالناصر والتآمر الواضح على تلك التجربة إلا ان هذا لا ينفي وجود بعض الأخطاء. كان عبد الناصر بلا شك قائد عربي كبير وكان يمثل الاماني القومية وكان مخلصًا للقضايا العربية وصاحب مشروع قومي ثوري تقدمي و كان مستهدف من كل الجهات الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية . كانت بعض القوى الوطنية والتقدمية العربية غير مدركة لدوره التاريخي وقد تقاطعت مع بعض مشاريع الأعداء تحت عناوين معينة . كان ينقصها الكثير من بُعد النظر ، ولم تنطلق من رؤية بعيدة المدى في فهم اهمية عبدالناصر التاريخية ، أدرك الجميع ذلك بعد غيابه واحسوا بالفراغ الذي احدثه ، حيث أجرى البعض مراجعات نقدية ومنهم من ظل يتمسك بنتائج المواجهة العسكرية لتبرير صوابية مواقفه .
لكن الأمر الذي لا خلاف عليه ؛ ذلك الفراغ الذي لم يستطيع أحد تعويضه . استقبلت الجماهير العربية صدمة النكسة بالكثير من الحكمة والصمود حين رفضت استقالة عبدالناصر . عنونت مجلة الحرية ” الناطقة باسم حركة القوميين العرب ” كلا لم يخطي عبد الناصر ولم يهزم العرب ” بقلم رئيس تحريرها محسن إبراهيم طارحًا حلول عدة لمواجهة آثار النكسة: عناوينها تضامن عربي رسمي وإعادة بناء الجيش وجهد دبلوماسي واسع . ( لم تكن حرب الشعب الطويلة الأمد ولم تكن الماركسية والحزب الثوري ولا البنية الطبقية والإيديولوجية للنظام ولا قيادة البرجوازية الصغيرة من أسباب الهزيمة كما تم الادعاء لاحقا ) أخذ الحكيم زمام المبادرة ودعا إلى مؤتمر وقدمت أول وثيقة نظرية في حركة القوميين العرب تدعو إلى تبني الاشتراكيه العلمية بشكل صريح صاغها جورج حبش (ان البرجوازية الصغيرة لم تعد مؤهلة لممارسة الدور القيادي على رأس الحركة الثورية العربية في هذه المرحلة الجديدة من نضالها ..
ان حرب التحرير الطويلة النفس مع الاستعمار ، تتطلب ضرورة انتقال مقاليد القيادة إلى الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة الأكثر جذرية والملتزمة بالاشتراكية العلمية أيديولوجية الطبقة العاملة وتحت هذه القيادة سوف يكون على البرجوازية الصغيرة وكل العناصر والقوى الوطنية والتقدمية ان تسهم بدورها في معركة التحرر الوطني .. إن هناك طريقًا وحيدًا لأبد أن نسلكه للارتفاع إلى مستوى التحديات الصادرة عن الاستعمار العالمي هو طريق الكفاح الشعبي المسلح وتلك مهمة الثوريين العرب في هذا المرحلة التاريخية : ان يصنعوا الثورة بالشعب المنظم والمجهز بالوعي والسلاح .. إن اعتبار المرحلة الراهنة التي يحتاجها الوطن العربي مرحلة تحرر وطني تمهد للتحول الإشتراكي وللوحدة وتتصل بهما ليس معناه تسجيل انكفاء في استراتيجية حركة الثورة العربية بل معناه الحقيقي بكل وضوح وبساطة إعادة النضال الاشتراكي الوحدوي إلى أرضه التاريخية الحقيقية :ارض الثورة الوطنية ضد الاستعمار..) بهذا المعنى فإن تجذير حركة القوميين العرب بالاتجاه الماركسي كانت من صُنع جورج حبش وليس كما يدعي البعض .
من ذو تلك اللحظة بدأ الفريق الآخر جملة مزايدات و ادعاءات على ارضية الماركسية (ان اليسار الطفولي بجرأة انتهازية نادرة حاول ان يقلب الحقائق رأسا على عقب ، لقد حاولوا ان يصوروا التناقض ضمن الحركة في المرحلة الأخيرة وكأنه تناقص بين وجهتي نظر في هزيمة حزيران مثلوا هم فيه الفريق الأكثر ثورية وجذرية ) تم إعادة بناء الحركة وفق برنامج التطور الديمقراطي بحيث تتبنى مفاهيم أكثر جذرية وإعطاء الفروع استقلالية لرسم برامجها السياسية على ضوء الخصوصيات المحلية مع الاحتفاظ بوحدة الحركة المركزية وفي هذا الإطار ، قامت فصائل قطرية بدأت تستقل تدريجيا وتتلمس خُطاها نحو الاتجاه القطري بدواعي الخصوصية ، ولمواجهة حالة التشظي قامت محاوله لإعادة ترتيب العلاقة بين فروع الحركة على أسس جديدة ضمن إطار تنظيمي جديد ( أن هزيمة حزيران يونيو مثل كل هزيمة قومية أوجدت ظروفًا موضوعية جديدة من الطبيعي أن تولد بدورها رؤيةً سياسيةً أوضح لقضية الثورة وطريقها وان تنظيم حركة القوميين العرب بتفاعله العملي مع هذه الظروف وهذه الرؤية يتحول اليوم إلى تنظيمًا سياسيًا جديدًا باسمًا جديد هو حزب العمل الاشتراكي العربي ليكون هذا الاسم معبرًا عن حقيقة التغيير الجذري في البنية النظرية والطبقية لحركة القوميين العرب ) .
سنة ١٩٦٧ أعلن جورج حبش تأسيس الجبهه الشعبية لتحرير فلسطين من تنظيمات عدة في الساحة الفلسطينية وكتب بيان انطلاقتها الشهير . في بداية ١٩٦٨ تم اعتقاله من قبل المخابرات السورية واودعته السجن لمده تسعة أشهر ، في هذه الأثناء قام الفريق الثاني في الحركة بعقد سلسلة اجتماعات باسم الحركة والتواصل مع الصف الثاني في كل الفروع لشق الحركة واعلان تصفيتها نهائيًا وكانت المزايدة اللفظية والتضليل أهم الأسلحة ( لقد خلت الساحة من أهم عنصر يمكن أن يقف في وجههم ، لو كان جورج حبش موجود لكان من الصعب عليهم كثيرا عقد الاجتماعات باسم الحركة بالصورة التي تمت ) “محمد جمال باروت ” .
لقد لعب الصف الثاني في حركة القوميين العرب دورًا سلبيًا في الحركة وفي حركة التحرر الوطني العربية لاحقًا ؛ ودخلوا في عملية مزايدة كبيرة وفعلوا كل شيء حتى يصبحوا عناوين وفضلوا أن يكونوا في الصف القيادي الأول في تنظيمات صغيرة ، على حساب قيادة جماعية في تنظيمات كبرى .
عملوا على شق تنظيماتهم بحُجج ومبررات سقطت كلها بعد ما حققوا طموحاتهم الشخصية ؛ وقد تم احتضان واستغلال تلك النزعات الذاتية من قبل كل من له مصلحة في شق الصف الوطني ، وقد انتقلوا سريعا إلى أقصى اليسار ثم حطوا رحالهم في مواقع وطنية عامة .
لعبت الجبهة الشعبية دورًا كبيرًا في الحركة الثورية العربية وأصبحت من أكبر معاقل القوى الثورية في العالم حيث استقطبت المناضلين من كل مكان . في سنة ١٩٦٨ تم فك الارتباط مع جماعة احمد جبريل. و في نفس العام ١٩٦٨ عقدت الجبهة مؤتمرها الأول في غياب جورج حبش وسط اجراءات غير تنظيمية (لقد أخذت بعض العناصر القيادية من الفريق المنشق زمام المبادرة في الإعداد للمؤتمر وهذا طبعا خطأ وقعت به الجبهة ، ومبادرة ذكيه من الفريق المنشق الذي كان وقتئذ يعد للانشقاق ويعرف بالضبط ماذا يريد على هذا الصعيد ) قدم نايف حواتمة تقرير سياسي ( وهو ترجمة فلسطينية لتقرير تموز ١٩٦٧ الذي صاغة جورج حبش ) “محمد جمال باروت ” .
وقد رُتبت نتائج المؤتمر بما يتناسب مع رغباتهم وأهدافهم ( عندما وجدت قيادة الجبهة نفسها أمام عملية مرتبة ومعده مسبقًا ، رفضت المساهمة في الوضع القيادي الجديد وشعرت أن هذه الترتيبات المعدة في الخفاء تضرب المناخ ألرفاقي الذي يجب أن يسود داخل التنظيم ، وبالتالي فانها ليست على استعداد لان تساهم في تحمل المسؤولية ضمن وضع قيادي رتب مسبقًا ، ورتب لها ان تلعب دورًا شكليًا فيه ) الأمر الذي يعني من الناحية العملية عدم تغطيه نتائج المؤتمر ؛ فشل مخطط السيطرة على الجبهة ، وعندما شعر وديع حداد بالمخاطر التي تهدد وجود الجبهة فعليًا ، عمل جديا لإخراج جورج حبش من السجن في عملية نوعية . بعد خروجه من السجن وقف على واقع الجبهه وعمل بكل صدق للحفاظ على وحدتها فالرجل يدرك قيمة الوحدة الوطنية وخطورة الانقسام في تشتيت الجهد والفعل الوطني كما انه معني بتحويل الجبهه إلى حزب ثوري ماركسي لينيني على ضوء الوثيقة النظرية التي صاغها بعد النكسة مباشرة .
و حيث لا خلاف على تبنى الماركسية من حيث المبدأ : انما كيفية تشريبها للكوادر والقواعد الحزبية التي هي مهمة القيادة الثورية الناضجة من الناحية الإيديولوجية . كما يدرك كذلك بعض الشعارات السليمة التي يطرحها الفريق الآخر. ولكنة يدرك كذلك بانها تُستخدم بالطريقة التي قُدمت ، كذريعة لتبرير الانشقاق . لذلك وافق على التقرير السياسي بحيث يتم تطويره في المؤتمر القادم . ولكنه كانت له وجهة نظر مختلفة وملاحظات حول الكثير من القضايا الواردة في التقرير السياسي من الناحية النظرية والتنظيمية ( فقد قراء ماركس بإمعان وتدقيق) “سمير امين ” يعلم بأن تحول تنظيم راديكالي برجوازي صغير يحمل السلاح إلى مواقع الماركسية اللينينية عملية تاريخية طويلة وتدريجية ويجب أن تتم بسلاسة في ظل علاقات رفاقيه بعيدًا عن المراهقة والطفولة اليسارية ، كما يجب ألا تكون على حساب الفعالية العسكرية وبعيدة عن المناخ الجماهيري الثوري الصاعد ( المزيد من القتال والإلتحام مع الحالة الجماهيرية التي ولدها القتال بكل مشكلاتها وسلبياتها والتأسيس النظري والتنظيمي للحزب الذي يقود القتال ويحول هذه الظاهرة القتالية من وضع إلى وضع ) (بينما يطرح الفريق الآخر أفكار طوباوية بعيده عن عملية النضال ضد العدو اي توقيف الحالة الثورية حتى يتم تأسيس الحزب وهو بالطبع كلام مثالي فارغ لا يمكن أن يؤدي إلى بناء أي حزب ثوري جماهيري .. ويحمل خطر عزل عملية بناء الحزب عن الحالة القتالية والجماهيرية القائمة ) وكأن العمل الثوري يدار بالريموت كونترول وعندما خاض معهم حوارًا فكريًا اتسم بالموضوعية والنفس الطويل ، و لكن الرفاق كانوا قد حسموا خيار الانشقاق .
وقد احتضنت حركة فتح والنظام السوري وبعض الاطراف الاخرى يومها المنشقين ودعمهم بالمال السلاح والحماية السياسية ( لم تكن حركة فتح معنية بقيام حزب ماركسي بقدر ما يهمها اضعاف الجبهة وهذا ذكاء من فتح) ان المحاكمة الحقيقة للخلافات الحزبية تكمن في من سعى وبذل الجهد الصادق للمحافظة على وحدة الحزب وتطويره . ان شق أي تنظيم عملية سهلة ولكن كيفية الحفاظ على وحدة الحزب وتطويره عملية صعبة وهي المحك العملي لصدق الثوريين وإخلاصهم ونضجهم الفكري ووعيهم والتزامهم الثوري ( كان الحكيم مع ديالكتيك تاريخي يعطي النقيض فرصة للانصهار في اتون التناقض المنطقي الذي ينتج التركيب وهو بهذا المعنى يتمتع باستقامة أيديولوجية جعلته مدركا لخطر القفزات قبل أوانها ومدرك ايضا خطر الفوضوية على مسار تكامل الثورة) ” إدريس هاني ” كانت الجبهه الشعبية حينها التنظيم الأقوى والأكثر فعالية سياسية وعسكرية وكانت طموحاتها كبيرة في قيادة النضال الوطني الفلسطيني ( في ٢٣ يوليو ١٩٦٨ قام فدائيون الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بخطف إحدى طائرات العال إلى الجزائر واجبروا الإسرائيليين على إطلاق سراح سُجناء عرب.
كان اثر الشيوعيين واضحًا .فقد راقب عرفات وأبو اياد بدهشة نجاح الماركسيين ، فقد جلس جورج حبش على عرش المقاومة العالمية بينما كانت قوات عرفات تفني نفسها في وادي الأردن المتوهج بالحرارة ) ” كتاب سيدة الموساد ويلهلم ديتل”.
عقدت الجبهة مؤتمرها الثاني سنة ١٩٦٩ وكتب الحكيم الإستراتيجية السياسة والتنظيمية وهي من أهم وانضج الوثائق الفكرية النظرية والسياسية والتنظيمية في حركة التحرر الوطني العربي .
كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعيش ظروفا معقدة بعد النكسة ، قدم الشقيري استقالته بعد تعذر مقابلة عبدالناصر، وتم تعيين يحيى حمودة لفترة انتقالية قصيرة يذكر امين هويدي رئيس المخابرات العامة المصرية حينها انه خلال اجتماع مصغر حضره امين هويدي وسامي شرف وهيكل واخرون كانت المفاضلة بين ياسر عرفات و جورج حبش لرئاسة منظمة التحرير وقد انحاز هويدي وشرف وآخرين إلى جورج حبش بينما انحاز هيكل الى عرفات وقد أيده عبد الناصر وهو ما كان .
كانت للقيادة المصريه حينها حساباتها واعتباراتها رغم توجسها من خلفية حركة فتح وتحالفاتها لكن الأمر الجوهري ان الوضع العربي بعد النكسة بحاجة إلى قيادة مرنه على رأس منظمة التحرير الفلسطينية لا تشكل عبء على الحالة العربية التي لا تحتمل شخصية يسارية جذرية بحجم جورج حبش .
بعد أحداث ايلول انتقل الحكيم إلى لبنان وبدأت علاقات ايجابيه جديدة بين فصائل الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية حتى قيام جبهة الرفض سنة ١٩٧٤التي تزعمها الجبهة الشعبية ضد برنامج النقاط العشر والتي استمرت سنوات عدة من النضال السياسي والفكري ( حبش الذي اعرفه شخصيا جيد المعرفة ، شخص غريب ، فهو في العلن دغمائي متصلب خارف في عنفه ، ولاسيما حين يخطب ويطيل في الجماهير. ثم انه كخطيب متدفق يستولي على المستمعين اليه .
اما في الحياة الخاصة، فإنه هادئ ورزين يصغي إلى محادثيه بانتباه لا يعوزه التواضع ، ويعرب عن أفكار معقول ويدافع عن آرائه السياسية باقتناع ..انه انسان بالغ النزاهة ) ” صلاح خلف ابو اياد فلسطيني بلا هوية ” سنة ١٩٧9 توحدت منظمة التحرير الفلسطينية من جديد على برنامج القواسم الوطنية المشتركة ( أخذت ورقة وقلم وطلبت من أخينا جورج حبش كتابة البرنامج بخط يده في منزل أخينا الشهيد زهير محسن ونزلنا موحدين إلى قاعة المؤتمر) ” ياسر عرفات مقابلة تلفزيونية ” وهذا هو برنامج الإجماع الوطني .( في العام ١٩٨٠ طلب مري جارد مدير عام مجلة تايم الأمريكية ان يلتقي بالدكتور جورج حبش وبعد أن التقى به واستمع له سألته كيف رأى جورج حبش أجاب: انه رجل يمتلك الكاريزما بشكل لا يسمح لأحد يلتقي به ان يكرهه أو الآ يعجب به ..لقد جعلني أشعر انه صاحب حق وانه ينادي بالعدالة المشروعة والشرعية وان الانسان الشريف لابد أن يقف إلى جانب عدالة قضيته ) ” بسام ابو شريف ” بعد اجتياح بيروت والصمود الأسطوري للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية رغم اختلال موازين القوى ، كانت الحوارات الفلسطينية _الفلسطينية ساخنة فقد أراد عرفات الخروج استجابة للضغوط التي مُورست عليه وعلى الثورة الفلسطينية عربيًا ودوليًا وكان يبحث عن مخرج لحفظ ماء الوجه . كانت امامة عقبات كثيرة وكان أهمها موقف جورج حبش .
لم يجد ابو عمار صعوبة في استخدم الحركة الوطنية اللبنانية للضغط على الحكيم ويذكر المناضل اللبناني الكبير نجاح واكيم الذي حمل للحكيم رسالة من الزعيم الجزائري احمد بن بله أثناء الحصار يطلب إليه عدم الخروج من بيروت ، كيف أستخدم عرفات قادة الحركة الوطنية اللبنانية للضغط على الحكيم يطلبوا خروجه حتى يجنبوا بيروت المزيد من القصف والدمار وقد اشتغلوا على الجانب الإنساني ، جاء الطلب من حلفاء الثورة وما كان أحد يستطيع رفضه . تشتت الثورة في المنافي البعيدة . سمعت ( الدكتور جورج حبش يخطب إتخبلت ، خرجت من بيتنا في العراق ولم أعد حتى الآن هذه العبارة ” الشهادة ” للشاعر العراقي غيلان .قالها خريف عام ١٩٨٢ في فندق سيفيو بعدن عندما جرنا الحديث إلى الثورة وشجونها وقادتها ..إلهذا الحد كان الدكتور جورج حبش ثورياَ وطنيًا وقوميًا وامميًا وخطيبًا ساحرًا مؤثرًا صادقًا يدفع الشباب العربي قبل الفلسطيني للالتحاق بالثورة والانضواء تحت جناحها دون استئذان من أب او أم ، سألت غيلان مستفزًا. فقال : نعم . كان كذلك وأكثر من ذلك .
كان غيلان يرى في جورج حبش نبيًا .” أنظر ثمة دمعة طازجة في عينيه الصقريتين ) ” موسى ابو كرش ” أًدخلت الثورة الفلسطينية في مشاريع السلام الوهمية وقًدمت المقترحات والمشاريع المختلفة ودخلت القضية في متاهات اللعبة الدولية دون أيه ضمانات وسط ظروف ذاتية وإقليمية ودولية صعبة ومعقدة . وقع الملك حسين وياسر عرفات اتفاق ١١شباط ١٩٨٥مما خلق ارباك في الصف الوطني الفلسطيني والعربي ( هذا الطريق نتيجته الأكيدة حتى الآن هو المزيد من التعقيدات للثورة الفلسطينية وللمنظمة واذا لم اكن مخطئًا هذا هو الهدف الواعي لمعسكر الأعداء من طرح مثل هذه الخطط والأفكار ) انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر سنة ١٩٨٣ القى الحكيم كلمة تاريخية تحدث عن المرحلية في النضال ( حينما ينزل من على المنير الملتهب بكلماته النارية وتجلس إليه في خلوه حميمية تستشعر بأنك في رفقه أب حنون او صديق حميم ) “محمود درويش ” عندما اضرب المناضل الاممي كارلوس عن الطاعم في السجون الفرنسية وكاد الاضراب أن يؤدي بحياته رفض كل المناشدات ، وعندما طلب إليه جورج حبش التوقف حفاظًا على حياته أستجاب ( أثناء أحد الزيارات إلى كوبا برفقة الحكيم نزلنا في إحدى بيوت الضيافة وفي الليل طرق الباب فإذا كاسترو يدخل دون سابق إنذار) ” ابو احمد فؤاد” ويقال بأن كاسترو لم يزور أحد في مقر إقامته إلا جورج حبش لما له من مكانه في عقل وقلب هذا القائد الثوري الكبير .
يحظى جورج حبش بمكانة رفيعة لدى كل حركات التحرر الوطني العربية والعالمية وقد وردت في مذكرات وأحاديث معظمهم ما يشير إلى مكانته الكبيرة وإذا أخذنا التجربة اليمنية نموذجًا باعتبارها الوحيدة عربيًا التي وصلت للسلطة سنجد مكانة مميزة للحكيم . فقد تناول قادة تلك التجربة دوره بالكثير من التقدير والاحترام حيث طلب عبدالفتاح اسماعيل وساطة جورج حبش وجورج حاوي لحضور أعمال مؤتمر الحزب الاشتراكي أثناء الخلافات التي قادت إلى احداث ١٣ يناير ١٩٨٦ “جورج حاوي ” كما يشير علي ناصر محمد إلى مواقف الحكيم الإيجابية وكذلك جار الله عمر الذي يشهد للتاريخ بأن جورج حبش كان دوره نزيه .
كما ذكر العطاس مؤخرًا على قناه العربية بانه يستبعد جورج حبش من قائمة قادة القوى التقدميه العربية الذين لعبوا دورًا سلبيًا في التجربة اليمنية . عندما وقعت اتفاقية أوسلوا أدرك الحكيم مغزاها الحقيقي (بهذه الاتفاقية فقد النظام العربي مبرر تماسكه) وقد وقفت الجبهة الشعبية ضدها بشكل جذري ( في فترة ما أعتقد العديد من أصدقائنا الفلسطينين والعرب وحتى بعض أصدقائنا في العالم أن مشاركة الجبهة الشعبية في العملية السياسية التي بدأت بمدريد ومرت باسلوا ووصلت إلى الاتفاقات اللاحقة قد يكون من شأنها خدمة قصيتنا الوطنية وقد تمنى هؤلاء الأصدقاء علينا المشاركة وبكل الحب والاحترام والتقدير أوضحنا لأصدقائنا مسوغات موقفنا ورفضنا ان نكون شركاء في تصفية حقوق شعبنا) أجرى الحكيم مراجعات نقدية مهمة خلال مسيرته النضالية من على قاعدة التمسك بالثوابت وتطوير العمل الثوري الفلسطيني والعربي ( ان جيلنا حاول ان يقوم بواجبه بصورة جيدة ، او أقل او سيئة .
وبالتأكيد كان في إمكانه أن يعمل أفضل وأن يعطي أفضل ، وكان في قدرته أن يتخطى بعض الأخطاء الكبيرة ،ولكن هذا ما حدث ونحن مستعدون لتحمل مسؤوليتنا ، ومحاكمة الشعب والتاريخ مهما تكن قاسية . فالهدف في النهاية ليس حماية الرأس وإنما عدم تبديد خبرة أعوام وعقود وتضحياتها لايمكن تعويضها .. ) ( معروف علميًا أن شعارات الأهداف الإستراتيجية لوحدها غير كافية لإدارة الصراع وتحقيق الانتصارات بل إن ذلك يشترط تكثيف استخدام العقل والفكر في تحليل حقائق وحركة الواقع الإجتماعية والإقتصادية والسياسة وبما يشمل ليس فقط الذات كشعب وأحزاب وإنما أيضا متابعه للمتغيرات التي يعيشها ويراكمها الطرف النقيض لمعرفة أسباب وعناصر قوته وانتصاراته وعناصر ضعفه وصولا إلى موهبة الإمساك بالحلقة المركزية ومقدرة بناء الأداة الطليعية القادرة على حمل الفكر والبرنامج والشعار ) لم يرى الحكيم في اللحظة السياسية التراجعية الا حاله موقته وعابرة مستندا إلى تحليل علمي رصين وفق المنهج المادي الجدلي الذي يحيل الظواهر إلى أسبابها الحقيقية ، ومعروف ميزه الحكيم كشخصية تنظيمية مؤدلجة يجيد ترتيب الاولويات وفق المعطيات والظروف الذاتية والموضوعية ( ثقافة الهزيمة مختلفة عن ثقافة الانتصار … لكل مرحلة سياسية استحقاقها في العمل والفكر والسياسة ) فقد عمل على إشاعة مناخ التفاؤل في الحاله الثورية الفلسطينية و العربية ، مستحضرًا إمكانات الأمه العربية الكبيرة وكرر مرارًا ، الصمود، الصمود ، الصمود . بقي وفيًا لاختياراته الفكرية والسياسية ، وجوده وخطابه حفظ التوازن الفكري والنفسي للجماهير الفلسطينية و العربية وقواها التقدمية طيله عقود وكانت البوصلة التي تقاس بها المواقف والوطنية والثورية وقد لعب دورًا رياديًا في تجذير الثورة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني العربي بالفكر الماركسي الثوري وترشيده وكان الأب الروحي لليسار المنبثق من الحركة القومية ( قيل انه اول من ادخل الى اليسار في المنطقة العربية تعبير العنف الثوري المنظم ) ” مروان عبدالعال ” (يلتصق مفهوم الكفاح المسلح كأرقى أشكال النضال بالدكتور جورج حبش ) ” هاني حبيب” (ان معركتنا مع العدو الصهيوني هي معركة شاملة ..فالعودة يحاربنا بالسلاح والسياسة والدبلوماسية والمال والاقتصاد والإعلام ويخوض ضدنا معركة التاريخ والتراث والثقافة ..
علينا أن نجيد إدارة معاركنا السياسية والدبلوماسية وان نواصل جهودنا لعزل هذا الكيان دوليا وإظهاره على حقيقته ، علينا ان نجند كل قوانا لتجريده من تفوق الآلة الإعلامية الغربية وان نعمل على كسب تأييد أوسع قطاعات الرأي العام العالمي وان نستخدم سلاح الإعلام في هذه المعركة ، علينا ان نخوض معه معركة على الجبهة الاقتصادية فنلاحق مصالحة أو نضربها ونحرمه من أي فرصة للاستفادة منها في تطوير بنيته الاقتصادية والاجتماعية.
علينا ان نكشف محاولاته للسطو على تاريخنا وثقافتنا وتراثنا والبسه نسائنا ..وما أحوج ما ونحن نواجه عدوا يريد نفي وجودنا على الإطلاق وطمس هويتنا وصرف انظار العالم عن حقنا المشروع ،وما احوجنا في ظل هذه الخصوصية لتعلم خوض النضال على كافة الجبهات والميادين وبمختلف الاسلحة : البندقية ، الكتاب ،اللوحة ، القصيدة ، الازياء الشعبية، الاعلام ،الدبلوماسية ، وغيرها وما احوجنا كذلك ونحن نواجه عدوا فاشيا عنصريا مدججا بالسلاح من رأسه حتى أخمص قدميه من التمسك بخيار الكفاح المسلح كخيار رئيسي حاسم ) رغم تمسكه بالكفاح المسلح ، إلا أنه شدد كثيرا على أهمية الخط السياسي (ان الخط العسكري يأتي في صلب الخط السياسي أي أنه جزء مكون من الرؤية السياسية …وبالتالي اذا كانت الرؤية السياسية سليمة وعلمية وثورية فإنها بالتأكيد تمارس الشكل النضالي الملائم مع تلك الرؤية السياسية ) لم تنل الهزائم والانتكاسات من قناعاته الأيديولوجية والثورية ، ولم يفقد إيمانه بالجماهير العربية ولم يتسرب إليه الشك يوما في قدرتها على النهوض والانتصار .
وكان دقيقًا في التعبير عن هذه القناعة ( الراهن ليس دائمًا وما يجري ليس نهاية المطاف ” الواقع لا يعرف الثبات الا بالمعنى النسبي ” هذا الحال مؤقت كون شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية تموج بالتناقضات ولن يستطيع أحد خداع أو السيطرة على كل هذه الملايين للأبد) كان الحكيم ينظر إلى نجاح المشروع الصهيونى وتقدمه وإصراره على تحقيق اهدافه رغم سيره بعكس اتجاه التاريخ وهو مشدود إلى إمكانات الأمة العربية الهائلة القادرة على تحقيق النصر اذا ما عُبأت ونُظمت بشكل سليم ، ولم يستسيغ يوما مبررات التساوق مع مشاريع الاعداء التي روج لها كثيرًا في الساحة العربية والدولية باستخدام مُصطلحات السلام والاستقرار والعلاقات التجارية والتعايش وغيرها وكلها تحت حجج الواقعية لتبرير النكوص والتراجع والاستسلام ، محددا موقف جذري من الحركة الصهيونية ووجودها ( اما نحن واما المشروع الصهيوني ، لا تعايش مع الصهيونية ،هل تغير فعلا مشروع الحركة الصهيونية من حيث الجوهر ام من تغير هو من تخلى عن اهداف شعبه وأمته عبر الرضوخ والقبول بمعادلات القوة و الانصياع لإرادة الحزب المعادي ) لقد كان الحكيم اكثر من أدرك جوهر ووظيفة الكيان الصهيوني وطبيعة علاقته بالامبريالية وقد لخص تلك العلاقة بشكل واضح جدًا (أن إسرائيل في خدمة مشروع الإمبريالية العالمية على المستوى الكوني بينما تقف الإمبريالية في خدمة الأغراض الإقليمية للمشروع الصهيوني ..
انها العلاقة التي ترتقي من مستوى الأداة الأجير ،إلى مستوى الأداة الشريك في منظومة المصالح الكونية للمعسكر المعادي ) لقد انتبه مبكرًا لمشكلة السوق امام الاقتصاد الإسرائيلي ( الذي قارب استنفاذ الفرص التسويقية المتاحة له ، أن إسرائيل ستقتحم أبواب التطبيع مع محيطها العربي سلما أو حربا أو بالوسيلتين معا) . (التقيته صدفه في مقر لوموند الفرنسية اليسارية كان سؤالي: كيف كان جورج حبش في نظرك قبل الحوار الذي أجريته وبعد الحوار ؟ أجابني بهذه الكلمات ” جورج حبش انسان راقي ومفكر وقائد عظيم رأيت فيه الوطنية المفقودة اليوم عند كل السياسين سواء في الشرق والغرب ،هو مناضل أممي ليس مهما موقفي قبل أن احاوره بل حبش الذي اكتشفته في الحوار ثوري مثل غيفارا يشترك في مهنة الطب وهو ما يؤثر في شخص الثائر عندما يكون الثائر طبيبًا يعشق الحياة ويحارب من اجل الحياة في بعدها التحرري الطامح لحريه شعبه .
لوكان جورج حبش فرنسيًا لكان رئيسًا لـ فرنسا وهو يحظى باحترام كل النُخب اليسارية الفرنسية لذلك أيها الشاب التونسي بعد هذا الحوار مع جورج حبش لن احاور اي زعيم أو قائد عربي آخر فكل ما كنت ابحث عنه من أجوبه للمسألة الفلسطينية وجدته عند جورج حبش ) “المورسكي المغدور” مقابلة مع جورج مالبرينو. مثل جورج حبش مدرسة فكرية وسياسية وتنظيمية وأخلاقية فريدة تخطت بتأثيراتها حدود العالم العربي وهو بالفعل ظاهرة وليس فرد لا تتكرر كثيرًا في تاريخ الامم وقد تتلمذت على يديه وأفكاره اجيالًا عربية متتالية ، لقد كان قائد راديكالي جذري لا يعرف المساومة على المبادئ والحقوق الوطنية . ( وسيبقى خطابه الذي ألقاه سنة ١٩٧٠ في ملتقى الفكر العربي في الخرطوم حول موضوع العلاقة بين الدولة والثورة وخلاف الشيوعيبن والقوميين منارة اسكندرية في تحليل مواقف القوميين للحركة الشيوعية ومنارة للفكر الماركسي اللينيني في تحليل المواقف القومية ومنارة للإثنين في تقدير طبيعة التحولات الصغرى وآثارها العظيمة )” المنصور جعفر ” ( سيبقى جورج حبش أسما كبيرا وقامه شامخة في تاريخ العمل الثوري العربي والقضية الفلسطينية وسيبقى اسمه مقرون على الدوام بصلابة الالتزام النضالي وشجاعة الموقف الفكري ونزاهة الممارسة السياسية ) ” محسن إبراهيم ” لخص الحكيم تجربته الفكرية والسياسة بالقول (خلاص تجربتي ان التاريخ البشري تقدمي) .
تبقى لفتة أخيرة : لابد من بوح شخصي كان حلمي لقاء هذا الزعيم و المنظر الثوري الأممي الكبير وبالفعل لقد تشرفت بمقابلته بعد استقالته من الأمانة العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، سنرجئ الحديث عن تلك المقابلة التاريخية بالنسبة لي شخصيا إلى وقت آخر.
صدق عندما قال “الثوريون لا يموتون ابدا “