تحالف روسيا والصين وبداية نهاية الهيمنة الأمريكية | بقلم د. عوض سليمية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في مستهل زيارته للعاصمة الصينية بكين لحضور افتتاح الالعاب الاولومبية الشتوية، وقع الرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين اعلاناً مشتركا دشنا بموجبه عهداً جديداً في العلاقة الاستراتيجية والشراكة الشاملة بين القطبين الكبيرين. وانطلاقاً من الرؤية المستقبلية والثقة المتبادلة بينهما، اجمع الزعيمان على أن “العالم يمر الآن بتغيرات واسعة النطاق، تدخل فيه البشرية عهدا جديدا للتنمية السريعة والتغيرات واسعة النطاق”، بما يشمل عمليات وظواهر مثل تعددية الأقطاب والعولمة الاقتصادية وبناء المجتمع المعلوماتي والتنوع الثقافي وتغير منظومة الحوكمة العالمية والنظام العالمي”، وان الدولتين العظميين بمقدورهما تحقيق الاهداف التي يتطلع اليها شعبيهما وشعوب العالم.
في اشارة واضحة الى رفض التفرد والهيمنة الامريكية وتدخلها في شؤون الدول الاخرى بما يضر بمصالح هذه الدول، وتأكيداً على ان السياسة احادية القطبية لم تعد مقبولة لانها تحول دون تطور المجتمعات نحو الاستقرار الامني والتنمية المستدامة، طالب الاعلان المجتمع الدولي بان يتكاتف لرفض هذه السياسات. والعودة الى القانون الدولي ومبادئ الامم المتحدة التي تنظم العلاقات الدولية القائمة على العدالة والمساوة والديموقراطية، وضمان إحلال السلام والاستقرار والتنمية المستدامة على الأرض، بعيداً عن المصلحة الفردية للولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، وفي إطار توحيد الجهود في السياسة الخارجية، وما يمكن ان تواجهه الولايات المتحدة في قادم الايام بعد اعلان هذا التحالف التاريخي، جاءت المواقف متطابقة، حيث اكد الرئيس الصيني على ضرورة الاستمرار في الاتصالات الوثيقة على أعلى مستوى بين القيادتين الصينية والروسية، من أجل حماية مصالحهما الوطنية وسيادتهما وضمان أمن البلدين وأوضح شي جين بينغ: أنه “من الضروري اتخاذ إجراءات مشتركة من أجل التصدي للتدخلات الخارجية والتهديدات للأمن الإقليمي بشكل فعال”. من جانبه، شدد الرئيس بوتين على ان العلاقات الثنائية بين البلدين، تتطور بشكل تدريجي، بروح الصداقة والشراكة الإستراتيجية، وأنها اكتسبت طابعا غير مسبوق حقا. وهي مثال على العلاقات الجديرة التي تساعد بعضها البعض على التطور، وفي نفس الوقت تدعم كل منهما”.
في السياق، وبالنظر لما تعانيه الامبراطوريتين من سياسة التدخل الامريكية في شؤونهما الداخلية، جاء الاعلان صريحاً ليرسم معالم التحالف الامني الاستراتيجي القائم بين البلدين في جميع المجالات، بما فيها الدعم المطلق لحماية المصالح الجذرية وسيادتهما ووحدة اراضيهما بما يشمل “صين واحدة” وان تايوان جزء لا يتجزأ من التراب الصيني، وبالمثل، الوقوف بحزم نحو محاولات تمدد حلف الناتو شرقاً بضم اوكرانيا، ودعم الموقف الروسي بالحصول على الضمانات الامنية المطلوبة من الغرب، الى جانب دعوة الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة للكف عن احياء مظاهر الحرب الباردة وسياسات الاحلاف العسكرية الموجهة، في اشارة الى الحلف الاستراتيجي الجديد الذي اعلنته واشنطن العام الماضي بالشراكة مع بريطانيا واستراليا، المعروف باسم AUKUS والموجه ضد الصين.
على الجانب الاخر، أثار هذا التحالف فزع واشنطن، في ضوء فقدانها لمصداقيتها امام الحلفاء، الى جانب مرورها بأسوا ازماتها الداخلية (انقسام داخل المجتمع الامريكي على شرعية بايدن، ارتفاع مستوى التضخم 7.8%، تدهو الاقتصاد الامريكي بسبب عدم انتظام سلاسل التوريد، استقطاب حاد في المواقف السياسية بين الجمهوريين والديموقراطيين…) الى جانب الازمات الخارجية (ملف ايران النووي، الازمة مع الصين/تايوان، الأزمة مع روسيا/ اوكرانيا، استدارة بعض حلفاء واشنطن نحو الشرق بحثاً عن السلاح…)، والتي ما كانت إدارتها لتتصور في اسوأ كوابيسها أن التنين الصيني سيقف ذات يوم الى جانب الدب الروسي في وحدة استراتيجية واهداف واضحة، تحد من هيمنتها وتدخلاتها على الساحة الدولية.
وبالنظر لما يملكه الحليفان القويان (الروسي-الصيني) من مقدرات وموارد في جميع المجالات، فمن ناحية القوة العسكرية (يمتلك الطرفان، 10 الاف راس نووي، ترسانة من صواريخ فرط الصوتية قادرة على حمل رؤوس نووية واذابة أي هدف داخل الولايات المتحدة واوروبا في غضون ساعة، ترسانة عسكرية برية وبحرية وجوية عالية التقنية تفوق قوة الولايات المتحدة وحلف الناتو مجتمعتين، باسناد من انظمة دفاع مشتركة عالية الدقة…. الخ)، الى جانب القوة الاقتصادية، حيث تعتبر الصين عملاق اقتصادي كبير، الى جانب الاقتصاد الروسي الحائز على احتياطات ضخمه لمصادر الطاقة الاساسية (الفحم، النفط والغاز المسال)، وكلا الحليفين شريك في سلاسل التوريد عبر قارات العالم ولهما نصيب كبير من التجارة الدولية، حيازة القطبين على اعلى مستويات التكنولوجية المتطورة والدقيقة والتي تنافس نظيرتها في الولايات المتحدة بل وتتفوق عليها في كثير من المجالات، الى جانب الكتلة البشرية الهائلة، فبإمكان الجانبين حشد ملايين الجنود في حال اندلاع حرب مع الولايات المتحدة او حلف الناتو، مع مساحة جغرافية واسعة تمنح الطرفان القدرة على المناورة، كما يتشارك الحليفان بحدود مشتركة يمنحهما ميزة التنقل السريع للجنود دون مخاطرة، مدعومين بقائمة طويلة من الدول الحليفة والصديقة المناهضة للامبريالية الامريكية ومنها ما تقيم قواعد عسكرية روسية على أراضيها، وبناءً عليه، فان على واشنطن ان تقرأ عناوين هذا التحالف بمزيد من الحكمة على قاعدة “من الآن فصاعدا، لن تعتبر الهيمنة الغربية بقيادة أمريكا أمراً مفروغاً منه”. وستجد خصماً عميداً يرسم لها خطوطاً حمراء.
ومع بداية كتابة فصلاً جديداً في صراعٍ ممتد بين الشرق والغرب، وتحالف سوف يغير موازين القوى في العالم، يبدوا ان علامات الحرب الباردة عادت من جديد، ولكنها انبعثت هذه المرة من على صفيح ساخن، يمتد من جنوب شرق اسيا حيث يقف التنين الصيني بالمرصاد في منطقتي المحيط الهندي والهادي لصد أي محاولة من قبل امريكا وحلفائها في AUKUS من الاقتراب من المصالح الحيوية للصين، محذراً من عواقب وخيمة سوف تطال واشنطن في حال ساعدت تايبيه على اعلان استقلالها، بينما يقف الدب الروسي حارساً أميناً من اقصى حدود بيلاروسيا شمالاً، الى مقاطعة كلانينغراد غرباً، مروراً بالحدود مع اوكرانيا شرقاً والبحر الاسود حتى جزيرة القرم جنوباً، ملوحاً بنيران سوف تطال كل اوروبا ولن تنجو منها أمريكا في حال اعلن حلف الناتو قبول انضمام كييف اليه.
الملحقات :
خارطة (1) توضح ساحات الاحتكاك في منطقتي المحيط الهندي والهادي ومحيط جزيرة تايوان بين الجيشين الصيني والامريكي.
خارطة (2) توضح حدود روسيا الاتحادية مع دول الغرب ومناطق سيطرتها باللون الاخضر.