اللبنانيون سئموا الوعود… يريدون الحلول والأفعال والإنجازات | كتب أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
سبعة أشهر مضت على تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، وحتى الآن لم يرَ اللبنانيون أيّ خطة للتعافي الاقتصادي والمالي، ولا رأوا من هذه الحكومة أيّ إنجاز أساسي يمكن الحديث عنه أو الإشارة إليه.
نعم هناك نشاط مميّز يقوم به بعض الوزراء في الشؤون والملفات المتعلقة بوزاراتهم، وقد حقّق هؤلاء خطوات نوعية هامة جدًا على أكثر من صعيد، لكن المطلوب أكثر من ذلك بكثير خاصة أنّ الأزمات المتراكمة كبيرة ومعقدة، وتلقي بأثقالها على كلّ القطاعات من دون استثناء.
للتذكير… فإنّ الرئيس ميقاتي وفي أول تصريح له بعد نيل حكومته ثقة المجلس النيابي، أكد أنّ الحكومة سوف تسابق الوقت حتى تنجز خطتها الاقتصادية وتتابع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كونها “ضرورة وليست خيارًا” على حدّ تعبيره، وبذلك يمكن أن نعيد الثقة بالاقتصاد اللبناني ليعود إلى الانطلاق مجدّدًا وما إلى ذلك من كلام ووعود لم يتحقق منها أيّ شيء حتى الآن…
وللتذكير أيضًا فإنّ حكومة الرئيس حسان دياب أنجزت بعد ثمانين يومًا من نيلها الثقة خطة التعافي الاقتصادي والمالي التي حدّدت الخسائر بنحو 83 مليار دولار، والأهمّ أنها وضعت تصوّرًا لكيفية توزيع هذه الخسائر، الأمر الذي لم يعجب مصرف لبنان والمصارف الخاصة، حيث استطاع هؤلاء الالتفاف على الخطة في لجنة المال والموازنة النيابية، وهذا ما انتقده بوضوح صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أنّ الخطة جيدة وتمثل أساسًا للتفاوض البنّاء…
لقد شهدت الأشهر السبعة الماضية المزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فيما الخزينة العامة فارغة ومداخيلها وصلت إلى مستويات متدنية جدًا نظرًا إلى تباطؤ الدورة الاقتصادية بشكل كبير جدًا، أما عن وضع المصرف المركزي فحدّث ولا حرج عن التخبيص والمخالفات الجسيمة للقانون، حيث التعاميم متناقضة ومتضاربة، وحيث التخبّط والتعدّد في أسعار صرف العملات الأجنبية، وحيث لا وضوح إطلاقًا حتى تجاه الجهات العليا التي يجب أن تكون مطلعة على كلّ التفاصيل في مؤسسة تابعة للدولة اللبنانية، وليست جزيرة معزولة يعود القرار فيها لحاكمها وحده.
هذا فضلًا عما يواجهه “الحاكم” من مشاكل قانونية سواء في عدد من الدول الأوروبية أو مع القضاء اللبناني الذي استدعاه للمثول أمامه يوم الخميس المقبل لاستكمال التحقيق الذي كان بدأ مع شقيقه رجا سلامة وأدّى إلى توقيفه الأسبوع الماضي بسبب مخالفات جسيمة وصفقات بمئات ملايين الدولارات لا بدّ أن يُسأل عنها “الحاكم” أيضًا كونه معنيًّا بالوثائق والأدلة التي أوقفَ شقيقه على أساس ما ورد فيها من معلومات.
وهنا لا بدّ من سؤال جوهري: هل يجوز أن يستمرّ “الحاكم” في مزاولة عمله كالمعتاد فيما هو موضع ملاحقة قانونية؟ ألا يجب على الأقلّ أن تتخذ الحكومة قرارًا بوضعه في التصرّف ريثما ينتهي التحقيق معه وتظهر حقيقة القضايا التي يُلاحَق بشأنها في لبنان والخارج؟
أما في ما يتعلق بما يجب أن تفعله الحكومة لإيجاد الحلول المناسبة التي تخفّف عن المواطنين بعض الأعباء التي تلقي بأثقالها على كواهلهم، فلا يكفي أن يبشر رئيس الحكومة من قطر بأنّ وفدًا من صندوق النقد الدولي سيصل إلى بيروت الأسبوع المقبل، لقد سمع اللبنانيون مثل هذا الكلام أكثر من مرة، فيما الأزمات تتفاقم وتزداد حدّة وتعقيدًا…!
يجب أن يكون رئيس الحكومة مُدركًا أنّ اللبنانيين يحتاجون إلى حلول عملية يلمسون أثرَها في حياتهم اليومية، في الكهرباء والمحروقات والمواد الغذائية التي وصلت أسعارها إلى الفلك، خاصة أننا على أبواب شهر رمضان الكريم…
وها هو وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان يُذكّر الرئيس ميقاتي بما كان طرحه عليه في شهر شباط الماضي خلال مشاركتهما في قمة المناخ في ميونيخ، حيث عبّر عن استعداد إيران لأن تنشئ في لبنان معملين لإنتاج الكهرباء بقوة ألف ميغاوات لكلّ معمل.
وقد أعاد الوزير الإيراني التأكيد على هذا العرض خلال زيارته إلى لبنان في اليومين الماضيين، وزاد عليه الاستعداد لتزويد المعملين بالغاز لتشغيلهما، إضافة إلى تأكيد العرض السابق بتزويد لبنان بما يحتاجه من محروقات بالليرة اللبنانية. كما طرح مساعدة لبنان بما يحتاجه من القمح لتغطية النقص الذي نشأ جراء الأزمة الأوكرانية…
هذه العروض السخية التي تفوق بأضعاف ما يمكن أن يحصل عليه لبنان من صندوق النقد الدولي، يتطلب البدء بتنفيذها قرارًا واحدًا من الحكومة اللبنانية بقبول المساعدات الإيرانية، ثم يبدأ اللبنانيون بتلمّس مفاعيل هذه المساعدات في حياتهم اليومية في غضون عشرين يومًا وهي الفترة التي تحتاجها بواخر القمح والمحروقات حتى تصل إلى المرافئ اللبنانية، أما إنتاج الكهرباء من المعملين الإيرانيين فيبدأ بعد أقلّ من سنة على اتخاذ القرار ببنائهما.
وما ينطبق على العروض الإيرانية ينطبق أيضًا على العرض الروسي ببناء مصفاة النفط التي من شأنها أن توفر للبنان بعد ستة أشهر كلّ ما يحتاجه من محروقات بما في ذلك الفيول لمعامل الكهرباء الموجودة حاليًا، فضلًا عما يمكن أن يحصل عليه لبنان من عائدات مالية مجزية جراء إعادة تصدير ما تنتجه هذه المصفاة. وللعلم فإنّ مدخول اليونان السنوي من مصافي النفط هو نحو عشرة مليارات دولار، وهو ما كان له الأثر الأكبر في انتشال اليونان من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي واجهتها قبل سنوات قليلة.
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال العروض الصينية المهمة جدًا في أكثر من قطاع لا سيما لإنشاء سكك الحديد من الجنوب إلى الشمال ومن بيروت إلى المصنع إضافة إلى إنجاز نفق حمّانا شتورة، وهو المشروع الذي يُحكى عنه منذ خمسين سنة وأكثر ولم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ رغم المعاناة والمشقات التي يتكبّدها الناس على الطريق الدولية في فصل العواصف والثلوج.
لذلك لم يعد اللبنانيون في وارد الاستماع إلى الكلام الذي يبقى كلامًا… هم يريدون أفعالًا وأعمالًا وإنجازات تحلّ الأزمات وتعالج المشاكل وتضع البلد على السكة الصحيحة التي توصل أبناءه وأجياله الطالعة إلى مستقبل زاهر ومشرق…