الكهرباء: من وعود اللوكس إلى اللوكس | كتب د. مازن مجوّز
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
“سنشترك بـ 1 أمبير فقط، لأننا غير قادرين على دفع تكلفة الـ 2 أمبير بعد أن وصلت إلى 40 دولار فريش، وسنكتفي بإضاءة لمبتين خلال شهر رمضان المبارك، وتكون هذه المرة الأولىلبنان التي لن نشاهد فيها المسلسلات الرمضانية، لأن تغذية كهرباء الدولة شبه معدومة هنا”، تشكو سعدى ح. (72 عامًا، ربة منزل) المعاناة “الكهربائية” التي يتخبّط بها سكان بلدة العين في البقاع الشمالي، مؤكدة أن الدولة لا تريد للفقراء أن يعيشوا بل تتمنى لهم الموت، لأنهم باتوا عبئًا عليها بعد تراجع الطبقة الوسطى واندثارها…
يقاطعها جارها نبيل م. (55 عامًا، حداد سيارات) “لقد نزعت خط الإشتراك الشهر الماضي، لأنني لم أعد قادرًا على دفع الفاتورة، وعدت إلى العيش على الشمعة، ومن المؤسف أن واحدنا مستعد لدفع ثمن البيضة الواحد 4 آلاف ليرة، وللإذلال في الصيدلية من أجل الدواء، وغير مستعد لإشعال ثورة حقيقية تأكل الأخضر واليابس”.
مصائب اللبنانيين باتت لا تعد ولا تحصى، حتى أنّ الكثير منهم على صفحات التواصل الاجتماعي انشغلوا بحلول لبنان في المرتبة الثانية عالمياً والأولى عربياً بين الدول الأكثر تعاسة على مستوى العالم، وفق التقرير السنوي العاشر للسعادة العالمية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في الثلث الأخير من الشهر الحالي.
ويعلق الأكاديمي والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية مروان قطب بأن المواطن في معظم المناطق اللبنانية لم يعد قادرًا على تحمل عبء الاشتراك في الموتور، ومن المتوقع أن تصل فاتورة الـ 5 أمبير في نهاية هذا الشهر إلى مستويات قياسية، وإذا كانت تكلفتها قبل الأزمة الأوكرانية تجاوزت مليونين ونصف، فكيف ستكون الأوضاع مع ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي أسعار البنزين، والمازوت الذي تجاوز سعر التنكة منه الـ 500 ألف في بعض المناطق؟
ويرجح قطب في حال استمرار الأزمة أن ينعكس ذلك سلبًا على معيشة الكثير من المواطنين، وبالتالي سترتفع نسبة الناس ممن هم تحت خط الفقر المدقع، متوقعًا على مستوى البدائل في القرى والبلدات في الجبل والبقاع والجنوب والشمال أن نشهد العودة إلى قنديل الزيت واللوكس والشمع.
هذا الواقع المرير ليس جديدًا على لبنان، فاللبنانيون تعرّفوا على قنديل الزيت عام 1975، عند نشوب الحرب الأهلية وانقطاع الكهرباء، ثم على اللوكس الأكثر إنارة، وفي العام 1993 تعرفوا على الوعود الكاذبة بإنارة كل لبنان بـ 450 مليون دولار، ووفق المعايير العالية فإن صرف مليار دولار يمنحك القدرة على توليد ألف ميغاواط، لكن لبنان أنفق نحو 50 مليار دولار بين سلف، وفوائد وخسائر ومساهمات من دون يلمح اللبنانيون الكهرباء لأكثر من ساعتين يوميًّا، وها هم يبحثون عن اللوكس أو ما شابه مثلما يبحثون عن الدولة.
الوصول إلى هذا الدرك من التعاسة كان مادة دسمة لنشطاء مواقع التواصل بعد أيام قليلة على صدور التقرير، فمنهم من استغرب كيف سمح لبنان لأفغانستان باحتلال المرتبة الأولى، ومنهم من وصفه ببلد البؤس بعد أن كان سويسرا الشرق، ومنهم من رأى أن مشاهد الازدهار الاقتصادي والسياحي والمصرفي والمهرجانات الفنية لن تتكرر ولو في الأحلام، كل ذلك بفعل الأزمة التي عصفت ببلد الأرز وطالت معظم المجالات الحيوية فيه، وصنفها البنك الدولي من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وكأن كل تلك المصائب لا تكفي لتحل علينا تداعيات الحرب الأوكرانية بأوجهها المختلفة ليكتمل مشهد التعاسة والمعاناة…
أما بالنسبة لحلول الطاقة المتجددة، فيرى قطب أن الطاقة الشمسية مثلًا من الممكن أن تكون حلًّا للطبقة الوسطى المتلاشية أو الثرية، لكن لا يمكن أن تشكل حلًّا للطبقة الفقيرة، فمثلًا تتراوح تكلفة الـ 5 أمبير على الطاقة الشمسية من 1500 إلى 2000 دولار، وهذا الأمر ليس بمتناول الكثير من اللبنانيين حاليًّا ما يحول دون حصولهم عليها.
ووفق قطب فإن الأزمة الأوكرانية أدّت إلى ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية المستوردة من روسيا وأوكرانيا، وبالتالي حصل تضخم عالمي مستجد ليس فقط في أوروبا وروسيا وإنما في العالم بأسره، رابطًا الارتفاع الخيالي المتوقع في أسعار فواتير الاشتراك بالمولدات بارتفاع أسعار النفط عالميًّا.