“اليساري الخائن” والمشروع الصهيوني! كتب اكرم ناظم بزّي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في نهاية شهرشباط/ فبراير عام 1967 وصل الى القاهرة الفيلسوف الفرنسي الكبير “جان بول سارتر” وزميلته المفكرة والأديبة “سيمون دي بوفوار” ومعهما ” كلود لانزامان “رئيس تحرير مجلة ” الأزمنة الحديثة ” أو “العصور الحديثة” وكانت تلك الزيارة التاريخية بدعوة من مؤسسة الأهرام، في زمن الأستاذ محمد حسنين هيكل، وكان لقاءاً تاريخياً بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وضيفيه الفرنسيين وبعد حوار بين عبد الناصر وسارتر حول الاشتراكية واليسار أجاب سارتر حول سؤال: “الإشتراكيون الفرنسيون ضيعوا كل اختياراتهم التاريخية وانتهوا بالتحالف مع اليمين ولذلك فإنهم خانوا قضيتهم”. (صلاح زكي أحمد – عن جريدة الأهرام).
في احدى المحطات اللبنانية وفي برنامج حواري بين “مشاركين” في “الثورة”، أحدهم يساري والآخر يميني، اليميني تحدث عن أهداف الثورة قائلاً: “حل الأزمة اللبنانية هو بانتهاء الاحتلال الإيراني للبنان” (يقصد المقاومة)، والآخر اليساري، سأله المحاور “أنت قادم من الجنوب، فقال نعم، وبعد مداخلة تحدث فيه عن “أنه قادم من خلفية سياسية كانت تنتمي الى الحركة الوطنية اللبنانية وإلى اليسار اللبناني “الأحمر” والذي يفترض بحسب المحاور أنه الأقرب الى “المقاومة”، قال له اليساري أيضاً: “يجب أن ننتهي من هذا الاحتلال الجاثم على صدورنا”! (أي المقاومة).
تبادر الى ذهني السؤال التالي: كيف لـ “يميني متطرف” و”يساري متطرف” أيضاً أن يلتقوا على هدف واحد وهو “الخلاص من حزب المقاومة” ضد العدو الصهيوني، قد يكون اليميني له ما له من غايات خبيثة تلتقي شاء أم أبى مع الأطماع الصهيونية، ولكن “اليساري الأحمر” لا أعرف كيف له أن يتناغم مع هذا اليميني في هذا الطرح “الخبيث”، وعلى أي قاعدة سياسية استند، وكيف نسي كل المطالب المعيشية والعمالية والاجتماعية والسياسية والثورية، ونسي أيضاً الإرث اليساري المقاوم وشهداء المقاومة الوطنية اللبنانية، والعداء للصهيونية والإمبريالية الأميركية، وبكل بساطة يريد أن يتخلص من “إحتلال الأراضي اللبنانية”!. ما معنى أن يلتقي هؤلاء على تحقيق مطلب صهيوني بامتياز؟!
عندما يلتقي مثل هذان “المناضلان” في صفوف “الثورة”، أزداد يقيناً بأن ما يجمعهما على طاولة واحدة وشعار واحد هو “الخيبات والفشل”، (طبعا إضافة الى المشغّل لهما)، وضياع رؤية هذا اليساري (ومثله كثر)، هو فشل محاولات اليسار اللبناني بتطوير تجربته خلال مرحلة الحركة الوطنية اللبنانية ودورالأحزاب الماركسية، وبالتالي عدم إيجاد صيغة توفيقية بين مجمعات اليسار تجعلهم ضمن رؤية وبوتقة واحدة يخوضون من خلالها النضال الحقيقي ورفع شعار العداء لإسرائيل وأن يكونوا مقاومين أساسيين وليسوا فقط رافدين للمقاومة وبالتالي رفع باقي المطالب المحقة على المستوى اللبناني والإقليمي.
لا أريد أن أحاكم اليسار هنا ولست أنا ممن يحاكم، إنما أتحدث عن بعض اليساريين الذين امتهنوا اليسار “كمهنة” فيما مضى والآن يحاولون أن يجدوا لهم مكان آخر مع إرثهم “اليساري الملغّم” ولكن مع اليمين “الصهيوني” (ومن الآخر وبلا مواربة).
يقول الصحافي الراحل ناهض حتر: شكّلت “المقاومة”، واقعيا، قوّة الردع اللازمة لبناء مشروع وطني اجتماعي تحرري في لبنان. وهو مشروع ليس ممكنا في ظل السيطرة الإسرائيلية. هذه ليست مفارقة، وإنما هو جدل الواقع التاريخي الذي يجعل المشروع اليساري اللبناني رهنا بوجود وقوة “المقاومة” كعامل رئيسي فعّال في ضمان السيادة اللبنانية. والسيادة شرط للتنمية والتقدم. هنا، يمكن لليسار أن يتقدم بمقاربة ابداعية: في خندق “المقاومة”، ولكن لتحويله نحو المشروع الوطني التنموي، أي في سياق تحالف نقدي أصبح اليوم ممكنا بالنظر إلى حاجة الحزب المقاوم، موضوعيا، إلى حلفاء محليين، حاجته إلى حلفاء إقليميين ودوليين”. (الأخبار).
من السخرية أن أرى يساري أو شيوعي قديم أو جديد يتماهى مع يميني متطرف وعلى مطلب يريد تحقيقه الكيان الصهيوني بعد أن عجز عن تحقيقه هو بنفسه، ومن السخرية أيضاً أن تراهم يتلطون تحت عباءة بكركي أو غيرها للمطالبة بالتدويل والحياد، ومن السخرية أيضاً أن يركبون “الثورة” ويرفعون شعاراتها، للوصول الى “السلاح” الذي حرر أرضهم التي يقطعون أوصالها وطرقاتها.
ولهذا ذكرت في المقدمة إجابة سارتر لعبد الناصر في المقدمة، واتفق معه، وأقول من أن: “بعض اليسار اللبناني ضيعوا كل اختياراتهم التاريخية وانتهوا بالتحالف مع اليمين ولذلك فإنهم خانوا قضيتهم”.