رسالة سلاح الجوّ الروسي في سوريا: نحن دائماً جاهزون
ما حقيقة الدور الذي تلعبه المقاتلات الروسية فوق الأراضي السورية؟ البعض يراه مهمة استراتيجية من أجل فرض الهيمنة وإثبات السيادة، وآخرون يعتبره بمثابة دورة تدريبية للقوات الروسية.. فأيهما أقرب إلى الصواب!
من المتفق عليه بين عدد من الخبراء؛ أن روسيا قد أحسنت استغلال فرصة الحرب داخل الأراضي السورية من حيث حرصها على تدريب طاقم القوات الجوية على تنفيذ العديد من المهام من جهة، وتحقيق التشغيل الأمثل للمقاتلات الجوية الروسية الحديثة من جهة أخرى، ولعل ذلك ينطوي على رسالة تحرص موسكو على بثها في وجه القوة الأمريكية العظمى، ألا وهي؛ أن القوات الروسية حاضرة دائما وأبدا وعلى قدر كبير من الجاهزية أيضا.
وفي تصريح له خلال أحد المؤتمرات العسكرية؛ أكد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو بأن غالبية الطيارين المقاتلين قد سافروا بالفعل إلى سوريا من أجل المشاركة في العمليات العسكرية هناك.
كما قالت صحيفة ريد ستار العسكرية الروسية” الأرقام واضحة وجلية وتتحدث عن نفسها”. فقد شارك نحو 98 بالمائة من أطقم النقل الجوية، و 90 بالمائة من الطواقم المسئولة عن تنفيذ العمليات التكتيكية والعسكرية، إلى جانب نحو 60% من الطيارين المتخصصين في اصطياد الأهداف بعيدة المدى، في العمليات العسكرية التي تتم داخل الأراضي السورية. وعلاوة على ذلك؛ فقد أكد ما يقرب من ثلثي أخصائي الدفاع الجوي ونحو 32% من الجنود على إتقانهم لفنون القتال الجوية واكتسابهم المزيد من الخبرات من خلال المشاركة في المهام المنوطة بهم في سوريا.
والجدير بالذكر أن مزاعم موسكو قد ركزت في بادئ الأمر على ضرورة تدخل القوات الروسية في الحرب الأهلية السورية وما تلعبه من دور محوري في دعم نظام بشار الأسد في مواجهة من وصفوهم بالمتمردين الإسلاميين. هذا في الوقت الذي قامت فيه كل من إيران وحزب الله بمساندة القوات التابعة للجيش العربي السوري من خلال خوض حرب برية. وقامت روسيا بشن العديد من الغارات الجوية المستمرة ضد المواقع التابعة للميليشيات الإسلامية قتل فيها أعداد لا حصر لها من المدنيين السوريين. والمتابع للأحداث الدامية هناك سيدرك جيدا بأن روسيا قد حظيت بفرصة رائعة لاختبار القدرات العسكرية الخاصة بمقاتلاتها الجوية من طرازي سوخوي 35 وسوخوي 57 إلى جانب عدد من الصواريخ والقنابل الذكية الأخرى.
وقد أفادت بعض التقارير المنشورة في هذا الشأن بأن الجيش السوري كان بحاجة فعلا إلى إجراء ذلك النوع من الاختبارات، فقد اعترف مسؤلون عسكريون في موسكو بوجود عدد من المشكلات في بعض المعدات العسكرية الروسية، مثل بعض أنواع القنابل الذكية التي أخطأت أهدافها في سوريا بسبب عدم إجراء الاختبارات الكافية لها في داخل الأراضي السورية.
ولعل الجيش الأمريكي قد نال نصيبه أيضا من مسألة الأسلحة التي أثبتت فشلها في ساحة المعركة رغم نجاحها داخل المختبرات، فقد تعلم مقاتلو الطائرات الأمريكية من طرازي إف 22 وإف 35 العديد من الدروس المستفادة خلال حرب فيتنام، حيث قدرت الخسائر الأمريكية آنذاك بأكثر من 3700 طائرة مقاتلة ونحو 5000 طائرة هيليكوبتر. وحقيقة الأمر فإن حرب فيتنام قد ألقت بظلالها سلبا على الجيش الأمريكي لعقود، مما حفز البنتاجون على المطالبة بالتصدي لتحديات الحرب الجوية الحديثة من خلال تطوير بعض أنواع الصواريخ المضادة للطائرات والقنابل الذكية وإدارة الحرب الالكترونية.
وبالنظر إلى العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الروسية في سوريا؛ فإن حجم الخسائر يبدو ضئيلا جدا، حيث لم يتجاوز عدد الطائرات الروسية المفقودة أكثر من 20 طائرة سواء على يد نيران العدو أو بفعل بعض الحوادث، بما في ذلك الإسقاط العرضي لطائرة المراقبة Il-20 على يد صاروخ تابع للمنظومة الدفاعية السورية.
وبصرف النظر عن أية خسائر في صفوف النظام الجوي الروسي، فقد تمكنت موسكو من استغلال رحى الحرب السوية في إكساب المقاتلين الروسيين الخبرة اللازمة والتي قاموا بدورهم بنقلها إلى أقرانهم في روسيا. فقد قامت القاذفات الروسية من طراز Tu-160 و Tu-95 بإطلاق صواريخ كروز على المواقع التابعة للمتمردين في سوريا. كما حظيت القوات البرية السورية ، جنبا إلى جنب مع إيران وحلفائها من حزب الله ، بدعم جوي وفير من طائرات سو Su-24 و Su-25 و Su-30 ، بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر Mi-24 و Mi-28 والتي تألقت جميعها في الأجواء السورية.
وكي تتمكن روسيا من تنفيذ برنامجها العسكري التدريبي في سوريا بنجاح؛ كان لزاما عليها القيام بمجموعة متنوعة من المهام، مثل نقل المعدات الميكانيكية وإمدادات الصيانة اللازمة برا وبحرا من روسيا إلى سوريا، وقدرة المراقبين الأرضيين على التخطيط وتنسيق المهام على مناطق النزاع متعددة الجنسيات والتي تسودها الفوضى، إلى جانب قيام المراقبين الجويين بتوفير الاتصال الآمن بين الطيارين أثناء الغارات الجوية.
ووفقا للمعايير الأمريكية ، التي تمارس الحرب الجوية الخارجية منذ الحرب العالمية الأولى ، فإن ما تقوم به روسيا حاليا على الأراضي السورية مهمة بائدة. لكن بالنسبة لروسيا ، فإنها تجربة جديدة ، ستجعل القوة الجوية الروسية أكثر كفاءة وثقة في المستقبل.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا