الانكماش الجليدي الصلب والكساد القادم ان مواطنا وزنه 100كيلوغرام يستطيع ان يحمل 10كيلوغرامات بكل تناغم وسهولة, ولكننا اذا افترضنا العكس اي ان المواطن نفسه وزنه 10كيلوغرامات ومجبور بالتالي بأن يحمل 100كيلوغرام اي عشرة أضعاف وزنه الحقيقي, فلا شك لنا اذا من انها مشكلة كبيرة ومأساة اجتماعية وواقعية ,تلك التي طرقت الابواب معكرة الاجواء السياسية والاقتصادية ومهددة بالتالي الاستقرار والتوازن والثبات.
تخيل نفسك وانت تعيش بمخصصات راتبك ذهنيا وليس واقعيا, فأنت الى الآن لم تعترف بالحقيقة المادية الواقعية لقيمة عملتك ونقدك والتي نقصت صفرا على اليمين بشكل صريح في سعر الصرف الاجباري والذي يحول كتلتك الورقية من مجرد ورق بين يديك او رقم على الشاشة الى طاقة انتاجية استفادية تنفق منها وتستهلك , حيث خسر المواطن الاجزاء التسعة من اصل العشرة التامة من قيمة قدرته الشرائية مستنزفة بذلك مرونته التحفيزية ,وهذا ليس سوى جزءا من مسلسل فقدان قيمة العملات, ووضعته بوضع محرج بالتالي باستحالة الاستمرارية بنفس المروحة للقدرة الاستهلاكية ومستوى العيش المعتاد وحرمته من قدرته على الادخار فهو بالكاد يؤمن حاجياته. لقد اضمحلت الأجزاء التسعة وتبخرت , وبقي جزءا وحيدا للمواطن من نسبة راتبه ومعاشه، وهو العملي الذي يعتاش منه غير انه ما زال ذهنيا وفكريا منغمسا بالمطلق بمرحلته السابقة لطريقة العيش, ولم يستطع أو انهلم يرد التصديق بالأحرى عن ما حل به , لانه بمجرد التفكير سوف يخلف له فجوة عميقة لانه هو الآن يرزح تحت عبء المحاربة للعيش بنفس المستوى ولكن بالنسبة الوحيدة المتبقية من راتبه اي الـ10 ,%لكن بات لزاما عليه الآن أن يعود الى رشده والبحث عن البدائل الجديدة والدخول في الاعتياد على نمط جديد من العيش يخفف عليه عبئه الحقيقي , فهو الى هذا الوقت تحت ضغط تأمين توازن الصرف لنموذج حياته الطبيعي ولكن بقدرة انتاجية فاقدة لـ90% من قيمتها الحقيقية .
ان الاستمرار المنهجي لارتفاع المديونية غير الشفافة وتلك المسماة ديون القطاع “اللا -مالي “بطريقة غير متوازنة,وبالتحديدعند الدول الكبرى المتصفة بالقدرة المالية الهائلة والمتميزة أيضا بقوة اقتصادية لا يمكن منافستها والمكناة بحكومات العالم الأول والدخل المرتفع ,سوف تزيد حالة الشك بالتعافي القريب . في حين ان الاقتصادت الناشئة للدول التي في طور النمو ليست بمنأى ابدا , فيبدو انها في دائرة اللاستقرار ومعرضة لخطورة هجينة من نوع مختلف ,اذ تمتاز هذه الفئة من الدول بخصوصية بأن معظم قروضها مقومة على أساس العملة الصعبة وبالتالي غير المحلية حكما, الأمر الذي يسبب حالة من الغلو السلبي واللاثبات القطاعي والذي بدوره يقودنا لاختلال في وضعية تطابق العملات وعدم توازنها التقني في الميزانيات العمومية , ومشجعة بالتالي لتعزيز منهجية المخاطرة السياسية للنقد والتي تنهش بثباته بالرغم من القواعد الآمرة والناظمة والتي لا توصي بذلك أبدا, وهذهمراوحة اضافية لبقاء الحالة اللايقينية والتكرار اللااستقراري الشامل .
لقد ألف العالم أكثر فأكثر كل هذه الضغوط الاقتصادية بالتحدي وبفعل نموذج ” الكباش التوازني” لاستقرار سعر صرف العملات بثبات مهترئ من جهة , وللاعتياد ولفترة طويلة على مستويات التضخم المستقرة بتسويات والمنخفضة أحيانا باتفاقيات , الامر الذي ادى بالفعل الى تكريث وتصديق لحقائق وهمية وليست بالواقعية ومن أبرزها طبعا ثبات التضخم ومن انه لن يرتفع او ينخفض مجددا . هذا بالرغم من الارتفاع الكبير والمقلق بمستويات البطالة والازدياد المضطرب في اعداد التاركين لوظائفهم والمتسربين من عملهم بفعل الأزمة , وذلك متعلق حكما بالعلاقة الجدلية بين البطالة والتضخم .حيث ان التضخم المفاجئ لا يخدم الا الدولة وأروقتها المظلمة في تخلصها من خسائرها وتنصلها من المسؤولية وتحميل الأعباء للمواطن خاصة في دينها العام ,بتذويب المبالغ وتقليص الديون العمومية.
الا ان هذا النهج سوف يكرث لحالة ارتفاع نسبية للفوائد الاسمية ذات الأجل الطويل , والتي سوف تزيد بحق الأثقال والمتاعب والأعباء اللوجيستية على المواطن والشعب وكله طبعا لخدمة الدين , الواقع الذي يؤدي الى التوتير في الساحات العامة وفي علاقات العمل وجعلها أكثر عرضة للنزاعات والاحتمال هو ذاته بالنسبة للسياسة ,الأمر الذي سوف يخلق فوضى وأزمة تتسبب وتوصل نهاية الأمر الى اضطرابات اضافية للعملة الى حد التفلت . سوف تختلجنا حالة من فقدان الشهية لجهة التعاون مع المؤسسات العامة بالاضافة لحالة من فقدان الثقة وخصوصا لناحية المصارف والبنوك المركزية والتي تنذر لنا بأن نهاية هذه اللعبة سوف يكون الركود الكبير وليس الحاد فقط انه” الانكماش الجليدي الصلب”.
ستكون انطلاقة المسيرة لهذا التصور عبر صدمة اقتصادية عالمية حادة , تحدث اختلال اضافيا نافرا في ميزان توازن القوى لمعيار العلاقات الدولية ونحن حاليا باحدى هذه المراحل كحرب تجارية شرسة والغلو في حماية الصناعات الوطنية او حتى بالتعكير في صفاء التمويل العام وسبل الدعم الخاص للمؤسسات الكبيرة, والجدير ذكره هنا ان كل مناطق العالم الاقتصادية واسواقها المالية وطرق عملاتها مهددة فليس هنالك من منطقة معفاة ولو جزئيا, فمناطق الدولار تعاني ومنطقة اليورو في ورطة شاملة والأمر نفسه بالنسبة للمنطقة الاسيوية والذي يخضع المركزي الحاكم فيها لقيود وهو طريق موسوم سوف ينتهي بالركود لا محالة, الركود العميق مع الانفلاش الاضافي لعبء الدين .
تكمن الصعوبة هنا في تزايد حالات الضياع العالمي والرضوخ أكثر لوضعية عدم اليقين وبالاضافة لضعف التشخيص الصحيح والذي يسا عدنا على الوصول للتوصيات الراجحة التي تمكننا في بلوغ الحلول الكيفية للاستجابة لهذه الأزمة ,بالترافق مع ارتفاع أسعار الفوائد وبالتوافق لآليات غير تقليدية في الشراء للأصول وهي طبعا غير كافية ومجدية .
سيولد لنا هذا الامر وتلك الفرضية احتمالية كبيرة لانخفاض أسعار الفوائد حتى بانها من الممكن ان تلامس السلبية لبعض الأوقات المتوسطة الحين, مع اقراض البنوك بمعدل سعري لأسعار الفائدة بشكل منقوص عما يبته ويدققه المركزي الحاكم على ودائعه وشرائه لمجمموعة كبيرة من الأصول بما فيها العملات الأجنبية وهي حالة اضافية من الريبة والشك .طبعا هنالك ولوج اضافي لسوء المشاكل التقنية والسياسية والاجتماعية بالمحور الاقتصادي العددي ,لذلك يفرض لنا الحال تعاونا تشابكيا وثيقا من الحكومات باتباع الاساليب القيادية غير التقليدية التي تجاري وتوازي نموذج الحوكمة الابتكارية والذي يقوم بالدرجة الأولى على ردم الفجوة بين السلطة والمجتمع والشعب, وترميم ما تبقى من الثقة والعمل على تدعيمها بخطط تغييرية شاملة للنمطية الاقتصادية الراهنة, وفي حال تباطؤ الحكومات في اتخاذ اي خطوات علاجية فالكساد الأعظم هو القادم بافلاس شامل ومتلاحق , بمديونية مستشرسة وأعباء تراتبية اضافية وفقا لتواتر المراحل.