في المستقبل القريب، ستصبح ” التكنولوجيا الحيوية” شائعة، وسيكون هناك عدد أكبر من شركات “التكنولوجيا الحيوية”، بجانب عدد متزايد من الشركات الاستثمارية . في القرى الصغيرة أو حتى في المنازل ، سيمكنك إستخدام ” التكنولوجيا الحيوية “، كما هو الحال في روايات الخيال العلمي، ببساطة يمكن لمحولات القمامة المستندة الى التكنولوجيا الحيوية التخلص من النفايات بشكل آمن يحافظ على البيئة. لذا وبحلول العام 2020، من الواقعي القول إن التكنولوجيا الحيوية ستصبح جزءا من حياتنا، من الطب والعلاج الى المواد الكيميائية والوقود والمواد الصديقة للبيئة وغيرها الكثير .
يقف العالم على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة في تاريخ البشرية ، بعد أن بلغت ” الثورة الصناعية الثالثة” ، ذروتها . ووصف المشاركون في منتدى دافوس العالمي الذي إختار عنوان ” الثورة الصناعية الرابعة ” شعارا لدورته ال 46 في العام 2016 ، هذه الثورة بمثابة ” تسونامي ” التقدم التكنولوجي الذي سيغير الكثير من تفاصيل الحياة البشرية . وتدعم التكنولوجيا الحيوية ما يسمى ” بالإقتصاد الحيوي ” أو إستخدام البيولوجيا لتحفيز التقدم في الزراعة والانتاج الصناعي والطاقة النظيفة والصحة وحماية البيئة .
لقد شهدت البشرية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم أربع ثورات صناعية، بإعتبار أن كل ثورة صناعية إمتازت بإبتكار تقني أو علمي مذهل، فتفجرت الشرارة الاولى للثورة الصناعية في بريطانيا بإكتشاف الآلة البخارية والفحم في ستينيات القرن الثامن عشر، وحملت معها إزدهار صناعة النسيج والصلب وكيماويات الجيل الاول، وقدمت الثانية مع بدايات القرن التاسع عشر الكهرباء والفولاذ والاتصالات بعيدة المدى والعولمة وعصر التصنيع الى الدول الاوروبية وعلى رأسها فرنسا، أما الثالثة فقد بدأت في ستينات القرن العشرين، بقيادة الكومبيوتر والتي عرفت بالثورة الرقمية، وتميزت بولادة اول الحواسيب في العالم والهواتف النقالة ( الذكية ) والانترنت.
تغييرات جذرية
هذه الثورة لم يشهد التاريخ مثلها على الأطلاق سواء من حيث سرعتها، أو نطاقها، أو حتى تعقيداتها وتأثيراتها وهي تجمع بين الانظمة الرقمية (بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي) والانظمة الفيزيائية والبيولوجية، وستكون لهذه التكنولوجيا تداعيات كبيرة في وقت قصير. وبمثابة نقلة نوعية جديدة من شأنها أن تغير ليس فقط شكل الصناعات وطرق الإنتاج، ولكن أيضاً المنظور المعرفي للبشر تجاه الأشياء عموما ، وذلك بعد الثورة الزراعية التي حدثت منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام .
ويقود هذه الثورة عدد من المحركات الرئيسية أبرزها :
الذكاء الصناعي، الروبوتات، المركبات ذاتية القيادة، الطباعة الثلاثية الأبعاد، البيانات العملاقة، العملات الافتراضية، أنترنت الأشياء، تكنولوجيا النانو ، تخزين الطاقة، التكنولوجيا الحيوية، علوم المواد، الحوسبة الكمومية وغيرها.
فعلى سبيل المثال، سيبلغ حجم سوق انترنت الاشياء مليار دولار بحلول عام 2020، مع عدد أجهزة تصل إلى 50 ملياراً وفقا لتقديرات مؤسسة “جارتنر” البحثية العالمية، يقابلها مليار دولار فرصاً استثمارية توفرها إنترنت الأشياء بحلول العام ذاته، بحسب ما تفيد مؤسسة سيسكو – وهي شركة أمريكية عملاقة مختصّة بأنظمة وشبكات الكمبيوتر- حيث ستصبح البيانات والمحتوى عبر الإنترنت وقود ونفط المستقبل.
هذا الواقع، الذي فرضه التطور الهائل للتكنولوجيا في عصرنا الحالي، يطرح إشكالية كبيرة تتعلق بآثار وانعكاسات الثورة الصناعية الرابعة، وهذا ما يقودنا الى التطرق الى الإيجابيات، السلبيات والتحديات من باب التخطيط المسبق لهذه الأنواع من المشاكل والاستعداد لمعالجتها.
الإيجابيات
يشرح مؤسس ورئيس منتدى دافوس الاقتصادي العالمي البروفسور الالماني “كلاوس شواب” في مقال في الاجندة العالمية ” الثورة الصناعية الرابعة : ماذا تعني ؟ كيف نستجيب ؟. 14 كانون الثاني 2016 ” : ” تتطور الثورة الصناعية في شكل طفرات هائلة للنمو وليس بصورة خطية، ومن الفرص التي تتيحها، العمل على تحقيق معدلات نمو عالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، وتحسين رفع مستوى الرعاية الصحية، وإختصار الكثير من الوقت في عملية التطور، وانتشار المنجزات في مناطق متعددة، وخفض تكلفة الانتاج، وتأمين الخدمات وتسهيل وسائل النقل والاتصال بشكل أكثر كفاءة وأقل كلفة، وفتح أسواق جديدة، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتطبيق الروبوتات والذكاء الاصطناعي، والعمل على جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة ” .
السلبيات والتحديات
لكن الوجه الآخر لهذه الإيجابيات هو التحديات التي لا يمكن تجاهلها، والمتمثلة بالعديد من السلبيات من أبرزها :
– انتشار البطالة على نطاق واسع، حيث تؤكد تقديرات خبراء الاقتصاد أن ” الثورة الصناعية الرابعة ” من شأنها أن تقلص فرص العمل.
– اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة في العملية الانتاجية، وهيمنة الشركات الكبرى.
– عدم المساواة واتساع الفجو ة بين الاغنياء والفقراء.
بالنسبة لتقليص فرص العمل يحذر خبراء الاقتصاد- في تقرير بثته قناة سكاي نيوز في 12 نوفبر 2017 حمل عنوان “الثورة الصناعية الرابعة ” من تقليص فرص العمل الى 50 في المئة تمس الفئات المتوسطة والدنيا من الايدي العاملة، وأن الاستغناء عن نصف العمالة القائمة حاليا بالآلة والتقنية من شأنه أن يوفر 16 تريليون دولار كرواتب على مستوى العالم، وهذا يعني أنه بحلول عام 2020 ستختفي ما بين 5 ملايين الى 7 ملايين وظيفة تقليدية، وستظهر وظائف جديدة متعلقة بالكومبيوتر والبرمجيات.
وتفيد دراسة لشركة الابحاث “بي دبليو سي” صادرة في الربع الاول من العام 2017 أن نحو 40% من الوظائف في الولايات المتحدة قد تكون مهددة بأن تتولاها الروبوتات خلال الـ15 عاما المقبلة، فيما سيكون لدى الاقتصادات الأخرى المتقدمة وظائف أقل عرضة للخطر، حيث تقدر أن 30% من الوظائف في المملكة المتحدة تهددها الأتمتة الناجمة عن التطور التقني في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، مقارنة بنحو 35% في ألمانيا، و21% في اليابان .
وما يجب التوقف عنده أن هناك تفاوت ملحوظ في الإحصاءات بين دراسة وأخرى حول نسبة الوظائف القابلة للاختفاء:
– استخلصت دراسة أجريت في جامعة أكسفورد عام 2013، وشملـت 702 وظيفة مختلفة في أمريكا، أن الآلات ستستطيع القيام بنحو %47 منها في العقد أو العقدين المقبلين.
– في دراسة أخرى أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2015 ، وشملت 34 دولة معظمها من الدول الغنية، تبيّن أن هناك %14 من الوظائف في بلدان المنظمة معرضةٌ لخطرٍ كبير، و%32 معرضةٌ لخطرٍ أقل. وخلصت الدراسة إلى أن 210 ملايين وظيفة في 32 دولة معرضةٌ للخطر.
الاتمتة تهدد ثلثي الوظائف في الدول النامية
ويشرح تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والذي نشر على موقع ” مرصد المستقبل ” تحت عنوان ” الأمم المتحدة: الروبوتات ستحل محل ثلثي العمال في الدول النامية” في 16 نوفمبر 2016 أن “زيادة استخدام الروبوتات في الدول المتطورة يهدد الأفضلية التقليدية للدول النامية من حيث انخفاض كلفة العمالة.” ويستشهد التقرير بتقرير آخر من البنك الدولي يقول: “إن نسبة الوظائف التي يمكن أن تخضع لتغيير جذري بسبب الأتمتة هي في الواقع أعلى في الدول النامية مما هي في الدول الأكثر تقدماً. نظراً لإمكانية استخدام الروبوتات مما يقلل من دور العمالة البشرية منخفضة المهارة فيها. أي أن الأتمتة ستقضي على ما يقارب من “ثلثي مجمل الوظائف” في الدول النامية “.
وتصنف دراسة جامعة إكسفورد ( الآنفة الذكر ) الوظائف المهددة بالانقراض من 10 الى 1 : موظف البنك، بائع الصحف، موظف المكتبة، سائق التاكسي، السكرتارية، رجل البريد، شركات السياحة ، موظف الصندوق في المحلات التجارية، خدمة العملاء عبر الهاتف، طيار المقاتلات الحربية.
وفي خضم هذه المخاطر التي تهدد الكثير من الوظائف، يبرز سؤالا عريضا مفاده “هل نحن مستعدون؟ ” .
يؤكد البنك الآسيوي للتنمية في دراسة أجراها عام 2014 أن من أهم الاستراتيجيات في تشجيع الابتكار في التعليم هو تعميق مشاركة أصحاب العمل، والذي لا يمكن تحقيقه الا من خلال توسيع رقعة التعليم التقني والمهني بصفته القادر على تحقيق ذلك، من خلال مناهجه التي تُوازن بين العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية والإنسانية ومتطلبات سوق العمل.
ويوضح خبراء أن الوظائف التي ستخلقها التكنولوجيا ستكون “قصيرة الأمد”، مشيرين إلى أن “المشكلة تكمن في مدى قدرة العمال الحاليين على التعامل مع هذا النوع من الوظائف التي ستظهر مستقبلا .
وتشير الدراسات إلى أن 6 من أصل كل 10 أشخاص لا يملكون أي خبرة في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في وقت إرتفعت فيه حصة الوظائف المتطلبة للمهارات التقنية بـ25 في المئة خلال العشرين عاماً الماضية.
وفي هذا السياق ينصح شواب (رئيس منتدى دافوس)، الدول بأن تتكيف بشكل أفضل مع “الثورة الرابعة” وأن تكثف استثماراتها في التعليم والوظائف الآمنة مستقبلًا. وفي المنتدى ذاته تقول جينيفر دودنا Jennifer Doudna ( من جامعة كاليفورنيا، بريكلي ) ” نرى تقاربا مشوقا بين التحرير الجيني ومعرفة تسلسل الحمض النووي، الحكومات تلعب دورا مهما في تمكين الاستخدام الآمن والفعال للتكنولوجيا “، فيما يشدد جون كابات زين Jon Kabat – Zinn( من جامعة ماساشوستس الاميركية ) ” علينا ان نتحمل جميعا المسؤولية على كل مستويات المجتمع، عن التكيف مع هذه التحديات التكنولوجية والتي تعيد تشكيل معنى أن تكون جزءا لا يتجزأ من هذا العالم “.
الروابط:اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا