نظم ملتقى “حوار وعطاء بلا حدود” وجمعية “ودائعنا حقنا” ورشة عمل متخصصة افتراضية بعنوان “المبادرة الفرنسية الانقاذية المتجددة وشروط تحقيق الاصلاح المالي المنشود”، ساهم في إدارتها وإعداد توصياتها الخبير الإقتصادي الدكتور حسن حمادة.
حمود
بداية، أوضح منسق الملتقى الدكتور طلال حمود أن “هذا الملتقى النخبوي تطلع دائما إلى تكوين لوبي وطني جامع عابر لكل أنواع الحدود والطوائف والمذاهب والزواريب والحسابات والمصالح الضيقة التي يحاول البعض ان يزرعها بين اللبنانيين، وذلك منذ انطلاقته من اربع سنوات حيث سعى الى تشكيل هكذا لوبي ضاغط في سبيل الإصلاح والتغيير الحقيقيين، وكان من أول نشاطاته المؤتمر المالي الاقتصادي الذي عقد عام 2018 اي حوالى السنة قبل انطلاق حراك 17 تشرين 2019 بمشاركة الوزيرين جورج قرم وشربل نحاس وعدد كبير من الخبراء الماليين والاقتصاديين، وكان محط اهتمام كبير بحيث دق الملتقى من خلاله ناقوس الخطر وحذر الطبقة الحاكمة من ان استمرارها في سياساتها المالية والإقتصادية الريعية القائمة على الإستدانة وطلب القروض والمكرمات والهبات من هنا وهناك، دون التفكير الجدي في وضع خطط إقتصادية حقيقية وبناءة لتحويل الإقتصاد اللبناني الى اقتصاد منتج”.
وقال: “بعد ذلك استكملنا نشاطاتنا ونظمنا ندوات عدة حول سبل مكافحة الفساد والإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وكنا بصدد إطلاق “المبادرة الشعبية الوطنية لمكافحة الفساد” لتكوين رافعة شعبية واسعة لدعم القضاء وتحفيزه على محاربة الفساد، ولكن انطلاق الحراك الشعبي قبل بضعة ايام حال دون ذلك. ومع انطلاقة الحراك وحدوث التطورات الإقتصادية والمالية الخطيرة التي ادت الى ارتفاع جنوني في اسعار الدولار، عقدت اللجنة الإقتصادية الحقوقية للملتقى عدة لقاءات وأصدرت توصيات إصلاحية، منها تأسيس جمعية “لحماية حقوق المودعين”. وبالفعل تأسست تحت اسم جمعية “ودائعنا حقنا” بداية العام 2020، ووضعت في سلم اولوياتها السعي بكل الوسائل القانونية والقضائية لحماية حقوق المودعين”.
أضاف: “حاولت الجمعية المنبثقة من الملتقى التواصل مع أكبر عدد ممكن من الجمعيات والروابط والكيانات الهادفة لحماية حقوق المودعين بهدف تأسيس اتحاد وطني جامع لكل المعنيين بالدفاع عن حقوق المودعين. وما زالت هذه المحاولات في اوجها من اجل تأسيس هكذا اتحاد. واليوم إذ ننظم هذا اللقاء ننتظر كثيرا ان تفيدنا مداخلات الخبراء المشاركين في إصدار توصيات هامة لكي يتم تعميمها ونشرها على اوسع نطاق، خصوصا ان الملتقى والجمعية في صدد تحويل هذه القضية الى قضية رأي عام، وسنحملها جميعا من يعنيهم امر حماية حقوق المودعين لتوزيعها على كل وسائل الاعلام ولإيصالها الى كل دوائر القرار في لبنان والخارج، خصوصا في أوروبا وفرنسا تحديدا التي تهتم حاليا بشكل كبير بالملف الإصلاحي السياسي والإقتصادي والمالي في لبنان”.
وتابع: “علينا مواصلة الضغط وبكل الوسائل المتاحة على الثلاثي الجهنمي الذي أوصلنا إلى هذه الحال، والمتمثل بالطبقة السياسية الحاكمة وأزلامها ومحاسبيها، حاكم مصرف لبنان الذي أخفى الأرقام والأسرار وناور وضلل الرأي العام بمعلومات وحسابات لم يكشف عنها أبدا، وجمعية المصارف اللبنانية التي أساءت الامانة وتلاعبت بأموال المودعين ونهبتها او اقرضتها للدولة او استعملتها في عملية شراء سندات الخزينة، نتيجة الطمع بالفوائد الكبيرة التي وصلت الى 43% أحيانا من اجل جمع المكاسب والأرباح الطائلة على حساب الطبقات الفقيرة من المجتمع اللبناني”.
ضاهر
بدوره، أشار مدير الحلقة العلمية العميد البروفسور فضل ضاهر الى “الاهمية الخاصة لهذا اللقاء على المستويات الاجرائية المتوجبة لإنجاح النسخة المتجددة من المبادرة الفرنسية المدعومة دوليا”، معتبرا أن “فشل التجربة الاولى لهذه المبادرة يعود الى انطلاقها من البناء على افتراض إمكانية حصول توافق سياسي داخلي كان ولا يزال من المؤكد عدم توفر شروط تحقيقه”.
ولفت الى ان” الإطار المرسوم لهذا اللقاء يستند منهجيا، الى المعايير العلمية لعلوم الهندرة – الاجتماعية، لا سيما التقديمات الحديثة للعلوم الجنائية والعقابية في ميادين العدالة الاجتماعية وحكم القانون عموما، وعلى صعيد الحوكمة والإدارة الرشيدة والنزاهة والإنصاف والشفافية والمساواة والمساءلة على وجه التحديد. واما لجهة حدود اللقاء الوقائعية، فقد اوجزها ببنود اهمها:
فك الارتباط بين تشكيل الحكومة المتعثر ومباشرة الخطوات العملية لإنقاذ الشعب اللبناني المتهالك والمدفوع الى الإنتحار ما لم تعمل المبادرة على إنقاذه في اسرع ما يمكن وقبل اي اعتبار آخر، وبالدليل المسند على توفر الآليات والوسائل الوطنية التي تتيح المباشرة الفورية بإنقاذ الشعب وبتدارك مخاطر تدمير الوطن، بخلاف ما يروج له حيتان المال وشركاؤهم المتنفعون من جماعة ال 2% المتحكمة برقاب العباد ومصالح البلاد، بدءا من الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني وصولا الى القانون 318/2001 الذي أنشأ هيئة التحقيق الخاصة لتكون الوحدة المالية المنوط بها التقصي والتحقق والتدقيق “من اجل ردع وكشف جميع اشكال غسل الاموال”، بما في ذلك رفع السرية المصرفية لتلبية “متطلبات تحديد هوية الزبون وحفظ السجلات” والإبلاغ عن المعاملات والتحويلات المشبوهة الى سلطات إنفاذ القانون، وذلك على نحو ما نصت عليه المادة السابعة من اتفاقية باليرمو الدولية لعام 2000، ولما اوجبته المعايير الحكمية لتوصيات مجموعة العمل المالي FATF.
وبناء على هذه المعلومات معززة بوقائع اجتماعات لجنة صياغة هذه الإتفاقية الدولية، مع الاخذ بالإعتبار القواعد المنهجية في رسم خارطة طريق موضوعية وواقعية تحقق النجاح للمبادرة الفرنسية المدعومة، فإن اول اقتراح يتلخص بالدعوة الى البناء على الحقائق التالية:
1- اهمية توفر التصميم الثابت والإرادة الحازمة لإنقاذ الشعب اللبناني كأولوية مطلقة، باعتباره الركن الأساس لديمومة الوطن بجميع مقوماته، وترجمة ذلك تتحقق من خلال المباشرة الفورية بالضغط لاستعادة قرابة 13 مليار دولار منهوبة من اموال المودعين حسني النية، الذين تنتفي عنهم أي مسؤولية قانونية عن تبديدها الذي حصل بسبب سوء إدارة المصارف لهذه الاموال، خلافا لما ألزمتهم به المادة 156 من قانون النقد والتسليف، والمادة 701 من قانون الموجبات والعقود، اللتان يغلب الظن ان ممثلي جمعية المصارف تعمدوا عدم ذكرهما اثناء اجتماعهم مع المراجع الفرنسية في باريس بمعرض محاولتهم التنصل من افعالهم التي قد تعرضهم للسجن والتغريم مع الإلزام بإعادة تكوين الودائع، بسبب توفر عناصر تجريم هذه الافعال، تعسفا وتنمرا، إساءة للأمانة، احتيالا، إضافة الى التوقف غير المبرر عن إعادة اموال المودعين ما يقدم الدلائل الوقائعيه والموضوعية للافلاس الإحتيالي.
2- وجوب التشدد في اشتراط تفعيل وتمكين منظومتنا الوطنية لتحقيق العدالة الجنائية ولضمان “اتصافها بالإنصاف والمسؤولية والأخلاقية والكفاءة، تعزيزا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأمن الانسان”، سواء من خلال تصويب آليات المساءلة والمحاسبة ام من خلال استخدام نهج العدالة التصالحية، الذي اقرت الأمم المتحدة مبادئه الهادفة الى الحد من جرائم التحصل على أموال و/او ممتلكات غير مشروعة من خلال المساعدة على إبراء الضحايا والجناة والمجتمعات، على نحو ما اظهرته تجارب الدول الفضلى في هذا السياق، ومنها فرنسا.
ان نجاح المبادرة الفرنسية بهذا الشأن سوف يضع حدا لمظاهر توهين الشعور الوطني وانعدام الثقة داخل لبنان وخارجه، ويمنع التمادي بجرائم النيل من مكانة الدولة المالية انحدارا بها الى الدرك الذي اوصلتنا اليه مجموعة ال 2% من المتنفذين الفاسدين”.
وأكد ضاهر أن إصراره على “إمكانية استعادة ال 13 مليارا، بسهولة وبأقل من شهر واحد، يستند الى سببين:
أ- توفر الادلة القانونية والوقائعية الدامغة لاعتبارها، مع متحصلاتها المحتملة، اموالا غير مشروعة ناتجة عن جرائم موصوفة منصوص عليها بالمادة الاولى من القانون 44/2015.
ب- توفر وسائل كشف طبيعة وقيمة هذه الاموال المنهوبة والمهدورة والمهربة بفترة اسبوع على ابعد تقدير، فيما لو التزمت هيئة التحقيق الخاصة بمعايير توصيات مجموعة العمل المالي Fatf الملزمة، بواسطة وحدات امانتها العامة الأربعة بالغة التطوير وكاملة التجهيز، وهي وحدة المدققين والمحققين، ووحدة المعلوماتية والامان، ووحدة التحقق من الإجراءات، والوحدة الإدارية لجمع المعلومات المالية”.
وذكر بمقترحه حول “حتمية تصحيح تشكيل هيئة التحقيق الخاصة لما شابه من التفاف غير بريء على التزامات لبنان الدولية، من خلال الدعوة إلى تبني اقتراح قانون معجل مكرر يحقق اسباب ضمان وتعزيز إستقلالية الهيئة لكي تقوم بمهامها الملحوظة بالبند ثانيا من المادة السادسة من القانون 44/2015، في ضوء ما منحها اياه هذا القانون من صلاحيات إستثنائية واسعة”.
وأوصى بـ”آليات التعاون الدولي للمساعدة التقنية، بأن تحرص المبادرة الفرنسية على تقديم الدعم التقني والفني الى كل من الهيئات الرقابية والقضائية، لا سيما النيابة العامة التمييزية وديوان المحاسبة ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، لتمكينها من تحسين ادائها والنهوض بمسؤولياتها من اجل استعادة الاموال المهدورة على مدى عشرات السنين، إن بصورة رشى او سمسرات او استحواذ بصرف النفوذ، من الثابت حصولها في جميع القطاعات والوزارات والإدارات على نحو ما تؤكده مئات الإخبارات التي يقتضى اصولا تقديمها الى هيئة التحقيق الخاصة بموجب طلبات المساعدة للتقصي والتحقق والتدقيق تمهيدا لإعطائها المجرى القانوني في ضوء التزود الحكمي بمعلومات مدققي الهيئة الذين لا يعتد تجاههم بالسرية المصرفية لكشف جميع فئات الجرائم ال21 المحددة بالقانون 44، وذلك بناء لتوصيف سلطات إنفاذ القانون ذات الصلاحية، دون ان يكون للهيئة صلاحية إبداء الرأي او التشكيك بهذا التوصيف الذي تخضع إجراءات الإعتراض عليه او الطعن به لأصول محددة بالقوانين النافذة”.
نور الدين
واعتبر الخبير في القانون العام الدكتور تمام نور الدين أن “المبادرة الفرنسية بدأت عمليا قبل نيسان عام 2020، اي قبل انفجار المرفأ، وفي 29 نيسان تواصل الفرنسيون عبر إحدى قنواتهم مع رئيس الحكومة حسان دياب ومستشاره خضر طالب لإعطاء دياب هامش مهم في الظهور على الإعلام الفرنسي للتحدث عن حاجات لبنان، إلا انه رفض وقتها وفهم انه لا يريد مساعدة فرنسية. عند انفجار المرفأ قرر الرئيس الفرنسي أخذ المبادرة والمجيء الى لبنان بمعزل عن موقف السلطة وإطلاق مبادرته التي تتضمن نفضة شاملة -ورشة إصلاح كبيرة- وإعادة هيكلة الإدارة العامة”.
ولفت الى أن “المعلومات المالية عن كل المسؤولين والوزارات والإدارات والهيئات موجودة في فرنسا ولكن لا يمكن استخدامها خارج السياق القانوني”، مؤكدا أن “المبادرة الفرنسية تتضمن مرحلة انتقالية لضمان نجاحها، ومع ذلك فقد نجح ما سماه الفرنسيون “تحالف الفساد والرعب” في إجهاضها وفهم أن المشكلة هي مشكلة إقليمية”.
وشدد على أن “القضاء والأمن أولوية فرنسية لمكافحة الفساد المستشري، ويجب إبقاؤها بشكل مماثل في لبنان في سبيل تحقيق اي نجاح”.
وسأل: “لماذا لا يتحرك القضاء والامن اللبنانيان رغم كل الإخبارات عن الفساد والمفسدين؟”.
وأكد “أهمية أن يكون الملف القانوني كاملا من كل النواحي، وأن يأخذ بالاعتبار مسألة مرور الوقت التي لا تتجاوز الست سنوات في قضايا غسيل الاموال”.
صالح
أما النقيب السابق لخبراء المحاسبة في لبنان أمين صالح فرأى أن “مشروع موازنة الدوله للعام 2021 لا يعدو كونه جداول رقمية لا ترقى الا بالشكل الى موازنة دولة، إذ يعاني لبنان من أوضاع اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية تهدد كيانه ووجوده وتتطلب موازنة استثنائية للانقاذ الاقتصادي والمالي والنقدي والاجتماعي وتعالج اسباب إفلاس الدولة وانهيار نظامها المالي والنقدي والمصرفي وما يترتب على ذلك من انكماش اقتصادي وارتفاع الاسعار وتضخم نقدي وانهيار في سعر صرف الليرة وتراجع القدرة الشرائية وزيادة معدلات الفقر والبطالة وانهيار شبكة الأمان الإجتماعي، كل هذه عوامل تتطلب ان يكون الهدف الأول للموازنة معالجة الدين العام وفوائده”.
وقال: “كان يفترض أيضا ان تتضمن الموازنة الاحكام القانونية التي تجيز استرداد الاموال العامة المسروقة والمهدورة خاصة فوائد الدين العام التي دفعتها الحكومات خلافا للدستور والقانون وزيادة فوق معدلات الفوائد في الاسواق العالمية. كما كان يقتضي تضمينها نصا قانونيا يجيز توزيع الخسائر المالية الملحقة بالدولة وبمصرفها المركزي على جميع من استفاد من مكاسب ومغانم السلطة بدون وجه حق، ولا سيما منهم رجال السياسة وكبار الرأسماليين الذين لا يشكلون اكثر من %2 من كبار المودعين في المصارف التجارية، بالاضافة إلى محاسبة وملاحقة كل من تسبب في إفلاس الدولة والبنك المركزي امام القضاء”.
أضاف: “لقد خالف مشروع موازنة 2021 الدستور والقانون إذ تجاوز المهل الدستورية المنصوص عليها في المادة 83 من الدستور اللبناني، كما خالف المادة 87 من الدستور لانه لم يرفق به قطع حساب موازنة الدولة والحكومة الآن تصرف النفقات العمومية على اساس القاعدة الاثنتي عشرية خلافا لأحكام المادة 86 من الدستور. كذلك خالف مبدأ الثانوية إذ أنه يضم احكاما قانونية وتعديلات للقانون الضرائبي وقوانين الادارة العامة يتجاوز العمل بها مدة سنة، وبذلك تكون هذه الاحكام مخالفة للدستور. كما خالف مشروع الموازنة مبدأ الشمولية لانه لا يشمل نفقات الدعم بل كلفة الدعم ملقاة على عاتق المصرف المركزي خلافا لمبدأ الفصل بين السياسة المالية والنقدية. ولذلك ايضا فإن مشروع الموازنة عبارة عن جداول بالنفقات الجارية الإستهلاكية التي تجاوزت 89% من إجمالي الموازنة، بينما لم يتجاوز الإنفاق الإستثماري 3.7%، في الوقت الذي يقتضي ألا يقل هذا الانفاق عن ربع الموازنة في الحال الحاضرة”.
وتابع: “نرى أيضا أن هذا المشروع لا يزال يتبنى كل السياسات السابقة التي اوصلت البلاد الى الإفلاس فهو يستمر بدفع فوائد الدين العام، اذ خصص لهذا البند 3131 مليار ليرة اي ما يعادل 16% من اجمالي الموازنة، ويستمر بدعم مؤسسة كهرباء لبنان بحوالي 7.6% من الموازنة. ويستمر أيضا بتمويل الهيئات التي لا تتوخى الربح وعطاءات خاصة يستفيد منها نواب ووزراء وقادة سياسيون بحوالى 363 مليار ليرة. كما يلحظ نفقات مختلفة غير مصنفة، بما لا يقل عن 658 مليار ليرة، ويستمر بدعم فوائد القروض ب 90 مليار ليرة وهي قروض استثمارية يستفيد منها الأغنياء والقادة السياسيون”.
وأشار صالح الى ان “هذه الموازنة هي للرواتب والأجور ومخصصات السلطات العامة ومعاشات تقاعد ومنافع اجتماعية للموظفين بلغت حوالي 53% من إجمالي الموازنة العامة. وان ارتفاع نسبة الرواتب في الموازنة لا يعود إلى زيادة الرواتب والعطاءات للموظفين بل الى تضخم القطاع العام بأعداد المتعاقدين والمستشارين والموظفين على أساس الفاتورة وبالساعة الذين أدخلتهم القوى السياسية بدون مسوغ شرعي الى الإدارات والمؤسسات العامة، في حين يعمد مشروع الموازنة الى قضم الحقوق المكتسبة للموظفين لجهة معاشات التقاعد والتعويضات العائلية وخفض درجة الإستشفاء وتأخير الحد الادنى لسنوات الخدمة التي تجيز طلب التقاعد ولجهة إلغاء المعاش التقاعدي وحصره بتعويض نهاية الخدمة، في حين كان يقتضي تحقيق النظام الموحد للعطاءات في القطاع العام واعتماد نظام موحد للحماية الاجتماعية”.
ولفت الى أن “معدي الموازنة يعمدون باستمرار الى وضع نصوص قانونية تمس الحقوق المكتسبة للعاملين في القطاع العام لتحقيق هدفين: الأول تلبية شروط صندوق النقد الدولي، والثاني إثارة قلق العاملين في القطاع العام ودفعهم الى الاحتجاج بغاية جذب الأنظار عن مرامي السلطة في فرض ضرائب جديدة او زيادة ضرائب قائمة او منح إمتيازات ضريبية تحت عناوين حوافز ضريبية لتشجيع الاستثمار”.
وذكر أن “مشروع الموازنة تضمن أيضا، اعفاءات ضريبية بمثابة امتيازات ضريبية لكبار الرأسماليين لا سيما شاغلي الأملاك العمومية البحرية وإعفاء من غرامات مالية من شأنها التشجيع على مخالفات القوانين الضريبية. وما سمي ضريبة التضامن الوطني هو ذر للرماد في العيون، فهو في الحقيقة إبراء ذمة كبار المودعين الذين استفادوا من القسم الاكبر من فوائد الدين العام بدون وجه حق والذين هربوا أموالهم الى الخارج وعرضوا مكانة الدولة المالية للخطر”.
ودعا “الحكومة المستقيلة وقد اجاز لها الدستور ذلك، الى الاجتماع فورا وإعداد موازنة للانقاذ الوطني تحقق الأهداف التي يطرحها الشعب اللبناني كسبيل وحيد للخروج من نفق الإنهيار المظلم”.
وإذ رأى في “هذا المشروع موازنة لسلطة فاشلة”، أهاب بالمسؤولين “المبادرة بسرعة الى إعداد موازنة انقاذ حقيقي قبل ان تصبح الدولة فاشلة”.
المر
من جهته، سأل الخبير الإقتصادي البرفسور بشير المر “في خضم النقاش حول آلية وفعالية التدقيق الجنائي: لماذا التدقيق الجنائي؟”. وقال: “تشير الوقائع الميدانية والأرقام الرسمية إلى اقترافات فاضحة تؤكد ضرورة تحقيق جزائي، فالتلهي بوضع الترتيبات لتدقيق جنائي أضحى عامل إضاعة وقت يضاعف من مخاطر عدم إمكانية إسترجاع الأموال، وإن تم بعد سنوات الكشف عنها. إن تطور مسار الأمور والوقائع يفيد بأن المطلوب ليس تدقيقا جنائيا بل تحقيق جزائي ووظيفي ومساءلة سياسية ورفع الضغوط الخارجية”.
أضاف: “الأزمة الراهنة ليست بالأساس مالية ولا نقدية، بل أزمة سيولة مصرفية ناجمة عن فساد مصرفي وسياسي تاريخي وعن حظر مالي ونقدي خارجي آني. وقد بدأ ذلك مع التلاعب بأسعار العملات بداية التسعينات من 500 ليرة للدولار نهاية الحرب إلى 3200 ليرة نهاية 1992، واستكمل مع الفوائد الخيالية بالليرة 43% التي أدت إلى تراكم الدين العام بفعل خدمة الدين، وإلى تراكم سندات الخزينة في موجودات المصارف ومصرف لبنان. وحتى عندما فاقت أرقامها الدين العام نفسه قام مصرف لبنان بهندسات مالية وعمليات قروض واقتراض جرمية مع المصارف، لتغطية ما قامت به المصارف من عمليات توزيع أرباح من الودائع مقابل حسابات دفترية ووهمية فاضحة، لم ينجح بها في تفادي أزمة سيولة اضطرت معها المصارف لتقديم عروضات فوائد مفرطة بالليرة والدولار”.
وتابع: “ولما جاء القرار الدولي بالحظر التام على حركة الأموال والقطع في لبنان، استدعى من المصارف قرارا جماعيا لافتا بوضع اليد على الودائع، والقيام بممارسات معلنة، بدءا بالتقشف التام في تسليم الودائع، إلى فرض شرط تأمين السيولة النقدية لإتمام التحويلات الخارجية، إلى تقييد حركة التعامل المباشر بالشيكات المصرفية، فما كان من المركزي إلا أن واكب خطواتها الجرمية هذه بهندسة نقدية تزيل مفاعيل الهندسات المالية السابقة، بإصداره تعاميم ملغومة أطاحت بالإستقرار النقدي والمالي، وأدت إلى اعتماد مثلث أسعار قطع “رسمي – منصة – سوق سوداء”، حقق هيركات فعلي على الودائع وخفض قيمتها الدفترية وقيمة الحسابات الوهمية في ميزانيات المصارف، وبرعايته الفاضحة لإعادة هيكلة ميزانياتها على حساب مخزون القطع والقدرة الشرائية للعملة الوطنية. وقد رافق كل هذه الإرتكابات غياب رسمي وسياسي تام عن المعالجة، لا بل ثبات في سياسات الهدر والمحاصصة، وصمت المجلس النيابي عن أي مساءلة ومماطلته في التشريع، وغياب تام للقضاء المالي والهيئات الرقابية عن أي تحقيق أو محاسبة أو مكافحة لمنصات التلاعب بالعملات ولممارسات المصارف وللاحتكارات ولاستغلال الدعم”.
وأردف: “يتأكد اليوم أن التدقيق الجنائي ما هو إلا وسيلة إضافية لإضاعة الوقت وإعطاء براءة ذمة للاقترافات المصرفية، بدأت بالمماطلة أشهر طوال في ترتيبات تحضيرية سادها الجدل العقيم حول بديهيات في النصوص القانونية. فضلا عن ذلك إن نتائج التدقيق الجنائي باتت متوقعة مسبقا، حيث أنه وطبقا لطبيعته التقنية لن يلحظ توزيع أرباح جرمي، بل مجرد مخالفات لقانون النقد والتسليف غراماتها متواضعة، ولن يظهر اقتطاعا جرميا للودائع بل إيداعات وسحوبات طوعية. إذ أنه سوف يسجل حركة أموال سابقة طبيعية، بأسعار قطع رسمية، بفوائد السوق المالية المحلية، وحيث لن يطال عمليات القطع من خارج الميزانية، وسوف يعتبر “عمليات السواب” عمليات مصرفية طبيعية. فالإقترافات الفاضحة من الوقائع والأرقام باتت كافية لا بل ملزمة للمباشرة بتحقيق جزائي مالي ووظيفي، يقتضي التالي:
– رفع الغطاء السياسي والمذهبي والخارجي عن المتورطين.
– محاكمة المسؤولين عن الإقترافات المصرفية واسترجاع المال المنهوب.
– تحرك الأجهزة الأمنية والرقابية والقضاء المالي والجزائي لتقصي عمليات بيع وشراء وتزويد القطع في السوق السوداء، تعقب عمليات تبادل الشيكات بين الأفراد والصيارفة والمصارف، كشف المنصات الوهمية لإعلان أسعار القطع في السوق السوداء، قبول الدعاوى بوجه المصارف لرفضها تحرير الودائع بعملاتها، والإدعاء على مساهمي المصارف عن توزيع أرباح غير محققة من الودائع.
– إجراء مساءلة سياسية للكتل النيابية عن تقاعصها في التشريع المالي والجزائي، خاصة لجهة تحديث قانون النقد والتسليف وقانون العقوبات مع مفعول رجعي، وفي أداء واجبها في الرقابة والمحاسبة المالية.
– محاسبة الإهمال الوظيفي لدى الأجهزة والهيئات الرقابية لتماديها في التغاضي عن أداء مهامها الموجبة”.
وختم: “كما يقتضي الأمر توسيع إطار الإتصالات الدبلوماسية والإستفادة من المبادرات الخارجية، ليس للحصول على مساعدات مالية موعودة، بل لمساندة سياسية وإجرائية لرفع القيود والضغوط الجيوسياسية الخارجية عن حركة العملات والأموال، الكشف عن الأموال المنهوبة المحولة إلى الخارج والضغط على المصارف لاسترجاع الودائع الموزعة أرباحا على مساهميها”.