إقتصادالاحدث

الدكتور ميار الإدريسي يبحث فرص وتحديات التكتل الاقتصادي لغرب افريقيا | كتب عبد العزيز أغراز

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

أكد الدكتور خالد ميار الإدريسي، رئيس المركز المغربي للدراسات الدولية والمستقبلية، أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا “ايكواس“، تتوفر على مؤهلات مهمة، تخول لها أن تكون فاعلا اقتصاديا مهما في القارة الافريقية وكذلك على المستوى العالمي، كما بين التحديات التي تواجهها في الألفية الثالثة والتي تتسم بالتعقيد والتشابك وانتشار مظاهر العنف العابر للقوميات، وقدم مشاهد مستقبلية لتطور هذه المجموعة الاقتصادية، في ظل سيادة عدم اليقين التي تهيمن على الاقتصاد العالمي بكامله.

وأوضح الإدريسي في مقال نُشر مؤخرا بمجلة آراء الخليج التي يصدرها مركز الخليج للأبحاث،أهداف مجموعة “ايكواس” التي تتمثل في تعزيز التعاون والتكامل من أجل تأسيس اتحاد اقتصادي شامل في غرب افريقيا، وتحسين مستوى العيش والرفاهية لكل شعوب المجموعة الاقتصادية، ودعم الاستقرار الاقتصادي والعلاقات بين دول المجموعة، والمساهمة في تقدم وتنمية القارة الافريقية.

وأبرز أن مجموعة “ايكواس”، التي تأسست سنة 1975 في “لاغوس” بنيجيريا، تتمتع بمؤسسات مهمة ووكالات متخصصة، كالمفوضية، والبرلمان والمحكمة، إضافة إلى بنك الاستثمار والتنمية، ومنظمة الصحة لدول غرب افريقيا، ووكالة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب افريقيا (WANA)والوكالة الجهوية للزراعة والغذاء وغيرها من المؤسسات.

ووفق الاكاديمي الإدريسي، فإن دور هذه الهيئات يرتكز على تنسيق السياسات الاقتصادية وخلق فرص للتعاون الاقتصادي وترسيخ ثقافة الاعتماد المتبادل وفض النزاعات بشكل سلمي، وتحقيق انتقال ديموقراطي وبناء دولة القانون والحق ودعم مبادرات حفظ السلام والأمن الدوليين.

وذكر أن مجموعة “ايكواس” تمتد في منطقة جغرافية واسعة، إذ تقدر المساحة الإجمالية بحوالي 5,114,162 كيلومتر مربع؛ كما وصل عدد السكان إلى حوالي 399,458,100 نسمة، اغلبهم من الشباب، موضحا أن منطقة (ايكواس)تمتلك إمكانات طبيعية ضخمة، إذ تتوفر على احتياطات مهمة من البترول والغاز، إلى جانب المعادن كالألماس والذهب واليورانيوم والبلاتين والحديد، والبوكسيت، إضافة إلى معادن أخرى نادرة تستعمل في التكنولوجيا الدقيقة والصناعات العسكرية، كما تتوفر المجموعة على كميات وفيرة من الخشب والفحم ونظام بيئي متنوع مهدد بالتلوث والاستغلال الفاحش”.

ولفت إلى انه رغم توفر هذه الإمكانات المتعددة، من موارد طبيعية وأراضي شاسعة وموقع جغرافي متميز وكذلك فئة عريضة من الأطر التي حصلت على خبرات علمية وعملية في الجامعات الأوروبية والأمريكية، فإن منطقة “الايكواس” تواجه تحديات كبيرة تعيق مسارها التنموي.

ونبه إلى أن ثروات المجموعة تجذب القوى الدولية، والشركات العالمية المتعددة الجنسية، مثل شركة (Shell) والشركة البريطانية (BP)، وشركة (Total).

وأشار الإدريسي إلى الأزمات التي تعرفها منطقة “الايكواس” في العقود الأخيرة، موضحا أنهذا الوضع المضطرب نتج عن مشاكل داخلية،إضافة إلى تأثير خارجي كامن في التكالب العالمي حول المنطقة.

وتابع أن “منطقة (الايكواس) تعاني من فوارق اجتماعية حادة ومن الفقر والأمراض والفساد والحروب الأهلية والانفلات الأمني والصراع غير السلمي حول السلطة، والنزاعات التي لا تنتهي حول الحدود الموروثة عن الفترة الاستعمارية ، وكذلك من ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة والإرهاب العابر للحدود، وهكذا فإن المنطقة تواجه تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية ورهانات جيوسياسية ضخمة؛ مما يؤثر على سيادة هذه الدول ومستقبلها”.

وأضاف أن “الايكواس” تعاني ايضا من التجارة غير الشرعية، التي تشمل سلعا ومنتوجات لا حصر لها؛ كالأسلحة والمخدرات والبترول والسجائر والحيوانات والبشر وغير ذلك، وأوضح أن تجارة المخدرات مثل الكوكايين تتوفر على بنية بحرية وجوية وبرية للتخزين والمواصلات،عابرة لمختلف دول منطقة الغرب الافريقي، مشيرا إلى ما اسفرت عنه الحملات الامنية، من حجز لمئات الأطنان من هذه المخدرات في شواطئ دول “الرأس الأخضر” وساحل العاج وغانا وتوغو منذ 2019، كما ذكر أن بعض رجال الأعمال يزاوجون بين التجارة الشرعية وغير الشرعية.

ونبه إلى إشكالية الإرهاب الهجين المتحالف مع المنظمات الإجرامية، موضحا أن منظمات الجريمة المنظمة في الغرب الافريقي، لها أهداف “ربحية محضة”، بينما تمارس المنظمات الإرهابية “الارتزاق الحربي” وفي نفس الوقت تدعي الرغبة في إحياء “الدولة الإسلامية” ومواجهة الدول العلمانية و القوى الأجنبية في الغرب الافريقي.

وبين أن “كل دولة من دول المجموعة الاقتصادية للغرب الافريقي، تعاني من التسيب الأمني والانهاك بسبب مواجهة بوكوحرام (نيجيريا مثلا)، وكذلك تعرض بوركينافاسو والنيجر لضربات إرهابية، واستمرار الأزمات السياسية في مالي والتشاد، كما أن داعش تسعى للتوسع في منطقة الصحراء الكبرى”.

وأشار إلى خطر النزاع العرقي الذي افرزته عدة تحركات كنشاط جماعة “جبهة تحرير ماسينا”، التي تدعو إلى إحياء امبراطورية ماسينا، والمطالبة بتجميع العرق الفولاني، مما سيزج بمنطقة الغرب الافريقي بكاملها في دوامة تناحر عرقية لا نهاية لها، باعتبار أن العرق الفولاني له وجود في كافة دول المنطقة.

واستنتج أن المشاكل الأمنية والمواجهات مع المجرمين والجماعات الارهابية في الغرب الافريقي، ترهق ميزانياتدول مجموعة “الايكواس”، مما يؤدي إلى استنزاف المخصصات المالية لمجالات التنمية ودعم سبل التكامل الاقتصادي.

وتطرق الإدريسي إلى تحديات الأمن الصحي والغذائي وتداعيات ما بعد كورونا، موضحا أن دول “الايكواس”، واجهت عدة أمراض فتاكة كإيبولا، مضيفا أن وباء كورونا، قد ساهم بشكل فظيع في إحداث خلل كبير في النظام الصحي والاجتماعي والاقتصادي لبلدان المجموعة، وأشار إلى أن محاولات دول “الايكواس” التفاوض مع القوى الدولية على إمكانية الحصول على مساعدات مالية، لتجاوز الأزمة واحتواء آثارها الحالية والمستقبلية، يؤدي إلى ارتهان مستقبل المنطقة.

وفي محاولة منه لاستشراف مستقبل منطقة “الايكواس”، قدم الإدريسي تصورات لمشاهد مستقبلية (سيناريوهات)، قسمها إلى مشهد مستقبلي غير مرغوب فيه ومشهد مرغوب فيه، موضحا أن المشهد الاول”كارثي يكمن في الانحدار المستمر إلى الهاوية؛ بحيث تتفاقم الديون وتتكالب الشركات الكبرى على المقدرات الاقتصادية للمنطقة وتتوالى الصراعات الحدودية والنزاعات حول السلطة وانبعاث الطائفية العرقية والدينية، وبالتالي انهيار سيادة الدولة وعجزها عن ضمان الخدمات الأساسية من أمن واستقرار وأمن غذائي وصحي…”.

وتابع “في هذا المشهد تتمكن قوى عابرة للحدود، من منظمات إرهابية ومنظمات الجريمة المنظمة وميليشيات المرتزقة من السيطرة على المنطقة ونهبها وإنهاكها، وبالتالي تحول المنطقة بكاملها إلى بؤرة توثر كبيرة وإحداث “ثقب اسود” في غرب افريقيا، من شأنه ابتلاع القارة بكاملها وخلق فوضى عارمة”.

بعد ذلك أوضح الإدريسي المشهد المرغوب فيه، وقال انه يقوم على “تبني نهج تنموي اقتصادي جديد مع شراكة حقيقية مع بقية دول العالم، مبنية على العدل والمساواة وبراديغم جديد للعلاقات الدولية، قوامه الوعي بضرورة بناء مستقبل مشترك، وليس استعمار مستقبل الشعوب”.

وأضاف أن هذا النموذج “يعلي من قيم وأخلاق التدبير الراشد والتداول السلمي حول السلطة واعتماد النهج التشاركي في اتخاذ القرارات وترشيد النفقات وإعطاء الأولوية للإنسان ورعايته وخلق فرص الازدهار والنمو ومراعاة التنوع البيئي والحفاظ عليه وصيانة الأمن الفكري والروحي والانفتاح على التكنولوجيا وتجديد طرق التعليم وتشجيع روح المبادرة والابتكار”.

وفي الختام استخلص الدكتور الإدريسي أن التكتل الاقتصادي المبني علي منطق التعاون والتكامل وخلق التوازن في الاقتصاد العالمي ومواجهة أطماع مختلف الفاعلين في النظام الاقتصادي الدولي، جدير بتعميق النظر والرعاية والتطوير،مشددا على أن المجموعة الاقتصادية للغرب الافريقي مطالبة بالتمسك بهذا التكتل والدفاع علي مكتسباته وعدم الاستسلام أمام مختلف التحديات،لافتا إلى أنه ليس حتميا أن تظل هذه الدول في مستنقع التردي والعجز والفوضى، مضيفا أنه بإمكانها تحقيق نهضة شاملة، اذا كان هناك وعي حقيقي بضرورة البلوغ الي صورة مستقبلية واعدة.

عبد العزيز اغراز، إعلامي مغربي

عبد العزيز اغراز، من المغرب، حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة (الماجيستير) في "الاتصالات والشبكات المعلوماتية"، عضو مكتب تحرير الملف الاستراتيجي لشؤون الأنشطة التنموية في العالم العربي وكاتب في الشؤون العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى