في ظل ما يواجهه لبنان من اضطرابات اقتصادية وسياسية حادة، فإن الحكومة اللبنانية غير مستعدة حاليا لوقوع أي طوارئ صحية، وبخاصة بعد انتشار وباء الكورونا في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط، حيث سجلت إيران أكبر معدلات في الوفيات بسبب العدوى القاتلة، وأوقفت المملكة السعودية برامج العُمرة خلال تلك الفترة الحرجة من العام حيث تم حظر دخول الأجانب إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة. وهاهي لبنان تعلن عن إصابة 3 حالات من العائدين مؤخرا من إيران، ولعل الظروف الحالية في الدولة اللبنانية تبدو غير مواتية على الإطلاق لمواجهة المخاطر والتهديدات الصحية، فالدولة على وشك الإفلاس والاحتجاجات الشعبية مندلعة منذ أشهر لمناهضة الحكومة.
ويواجه لبنان حاليا أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و 1990 ، حيث يتعين على الحكومة سداد الدين القادم المستحق في التاسع من مارس الجاري والذي يبلغ قيمته 1.2 مليار دولار وفي حال عدم التزام الحكومة بسداد ديونها ، فإن ذلك يعد ضربة جديدة في قلب الاقتصاد اللبناني.
وتحد تلك الأزمات المالية الواضحة من قدرة البلاد على التصدي لفيروس كورونا ، وذلك من حيث توظيف ما يكفي من العاملين المدربين في المجال الصحي لإجراء الفحوصات اللازمة في المطار وتجهيز المستشفيات بمعدات متخصصة مثل أجهزة التنفس التي تزود بها مناطق الحجر الصحي. وحقيقة الأمر أن الوضع الحالي للبلاد لا يسمح بتوفير رؤوس الأموال والموارد البشرية اللازمة للتعامل مع هذا الوباء الشرس.
وبحسب ما أعلنته منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن الأزمة المالية في لبنان ونقص العملة الأجنبية الذي حال دون تمكن الدولة من استيراد الادوية والمعدات الطبية اللازمة لتحسين الوضع الصحي قد أثر سلبا على الحقوق الصحية للمواطنين والأطباء على حد سواء، وقد كانت المطالبة بالرعاية الصحية من أهم المطالب الشعبية التي خرج من أجلها المتظاهرون في اكتوبر الماضي.
وتعكس الإجراءات المتبعة في لبنان للوقاية من تفشي الفيروس مدى قصور الأداء الحكومي في البلاد، فقد حظرت الدولة استيراد بعض السلع الدوائية كأقنعة الوجه تجنبا للعدوى، ورغم أنه يتم فحص الأشخاص القادمين من البلدان الأخرى عبر المطارات وإرشادهم إلى ضرورة الالتزام بالحجر الصحي داخل منازلهم، إلا أنه لا يوجد نظام فاعل لمتابعتهم ومراقبتهم لاحقا بعد مغادرتهم أرض المطار، وذلك على عكس ما تتبعه بعض البلدان الاخرى مثل كوريا الشمالية والتي قامت بإطلاق خاص بمراقبة المصابين المحتملين وتتبع حركاتهم داخل الدولة.
وقد أكدت مصادر بوزارة الصحة اللبنانية بأن الموارد المحدودة في البلاد لن تكفي لتطبيق نظام الحجر الصحي الشامل في حال تزايد أعداد المصابين أو من يتم إخضاعهم للفحص، مما يجعل المخاوف تتزايد يوما بعد يوم خلال الفترة القادمة من احتمال اتساع نطاق تفشي المرض.
وما يبرز الجانب الأخطر من الأزمة هو حالة الاضطراب السياسي الذي تشهدها البلاد منذ اندلاع احتجاجات أكتوبر الماضي واستقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، حيث أن الحكومة الحالية برئاسة حسن دياب -والتي تشكلت في يناير الماضي بعد ثلاثة أشهر من الجمود السياسي- مدعومة بصورة تامة من حزب الله المدعوم في الأساس من إيران.
وقد تزامنت الاضطرابات السياسية مع انتشار فيروس كورونا. وبينما ركزت قيادة لبنان على إعادة الهيكلة السياسية والاقتصادية في البلاد ، فقد تم التغافل عن وضع خطة لمواجهة الطوارئ والتعامل مع الأزمة الصحية الوشيكة. حيث ينبغي أن تتضمن تلك الخطة إجراءات للحجر الصحي الشامل ومراقبة الأشخاص العائدين من البلدان التي تفشى فيها المرض . ورغم مناشدة الحكومة اللبنانية لمنظمة الصحة العالمية بضرورة توفير وبناء مرافق إضافية للحجر الصحي، إلا أن التصدي لذلك الوباء الخطير يحتاج حقيقة إلى المزيد من الجهود والتنسيق الرسمي، فلم يعد أي بلد يملك رفاهية الوقت للتعلم والتدرب على سبل المكافحة والإجراءات الوقائية، فالخطر عاجل ووشيك جدا.
إن تفشي فيروس كورونا يشكل خطورة جمة على جميع الفئات السكانية على لبنان، ذلك البلد الذي يستضيف على أراضيه أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري إلى جانب الجنسيات الأخرى مثل الفلسطنيين والعراقيين والسودانيين وغيرهم، حيث يعيش معظمهم في مخيمات ذات ظروف إنسانية غير ملائمة مما يجعلها تربة خصبة لتفشي الامراض.
وما يزيد الأمر خطورة هو أن تأزم الوضع الاقتصادي في لبنان يهدد بوضع أكثر من نصف السكان هناك تحت خط الفقر، وكلما قلت فرصة الحصول على الرعاية الصحية كلما انخفضت نسبة الإبلاغ عن الفيروس من قبل السكان، مما يضيف تحديا جديدا للوباء الوشيك.
وقد حظرت الحكومة اللبنانية دخول غير المقيمين من القادمين من بلدان تعاني من تفشي فيروس كورونا ، بما في ذلك الصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران. إلا أن ثمة تساؤلات حول إمكانية تطبيق تلك الإجراءات الصارمة فعليا وبخاصة في ظل الصلة القوية التي تربط الحكومة الحالية بإيران. حيث تبقى القيود المفروضة على الرحلات الجوية والسفر مسألى سياسية.
ورغم عظم الخطر الوبائي الوشيك في لبنان، إلا أن هناك من يراه أخف وطأة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي على مقربة من أن تعصف بالبلاد بالكامل. ورغم أن فئة كبيرة من الشعب اللبناني يمتثلون للأوامر الصحية الصادرة عن وزارة الصحة إلا أن الخطر لازال قائما والمستقبل غامض وبخاصة في ظل الرؤية الضبابية الحالية للمشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.
رابط المقال اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا