نعم … لقد خالف سلامة!
نحن قوم نحارب الناجح حتى يفشل و من ثم نهّم هِمَمَنا لنتنمّرعلى فشله الذي كنّا نحضّر طلاسم لعناته. رسالة ابدأ منها لإيصال الف رسالة و رسالة.
اولاً، استحضر فقرة من احدى مقالاتي السابقة:
“لقد ذكرت مراراً و تكراراً ان الاجواء سلبية! و ان اشباح الملاحم الاقتصادية الباردة و الحامية تقلق سبات اقتصادات تربط على رقاب شعوب العالم و تعتصر اوصال مداخيلهم و تأتي على احلامهم حتى حدود الخزي و القهر حتى تبدلها بكوابيس مديونية حلزونية لا نهاية لها.”
ثانياً، أُكمل استطراداً، لطالما جرت العادات الاجتماعية اللبنانية ان يفضّل المواطن تلك المراجع الأجنبية حينما تَرزَحُهُ حاجات التباهي بكافة مجالات التعليم و الطب و التكنولوجيا و السياحة و المال و الموضة و الرياضة و غيرها. فهو اول من يهرع لنشر و تداول اي خبر من شأنه ان يرفع اسم لبنان في المحافل الدولية … من متسلق لاعلى قمم الكوكب، لاذكى طفل في مجال الحساب الفوري، لاول وزيرة داخلية “انثى” في العالم العربي، لافضل فيلم سينمائي في العالم، لاسرع سيارة في العالم، لاشهر مصمم ازياء، الخ…! و هنالك، لمعت العديد من الاسماء مؤخراً حيث كان ابرزها كارلوس سليم، كارلوس غصن، ماكسيم شعيا، ايلي صعب، امين معلوف، الرحابنة، امل علم الدين، نادين لبكي و غيرهم الكثير الكثير من العمالقة الذين تم تداول اخبار عديدة عن انجازاتهم العالمية بحرارة!
كذلك حصل مع رياض سلامة! فكانت انجازاته غالباً ما تُجيّرعالمياً قبل ان تصل اصداءها الحارّة الى مسامع متداولي اخبار انجازات مواطني بلد مسقط رأسهم لكي يقوموا بالتسابق لنشرها على صفحاتهم و الحديث عنها في مجالسهم و خلواتهم! علماً أنه لولا ان الجهات الأجنبية المذكورة هي من كانت تكرّم رياض سلامة على انجازاته لما كانت حفاوة المشهدية حارة الى درجة ذلك التسابق.
المهم في الطرح، و الحق يقال، ان التكريم من الخارج غالباً ما يكون موضوعياً، جازماً و علمياً اكثر منه من الداخل. و عليه، ما سبق و قُلِّدَ به سلامة لطالما كان مشرّفاً على كافة الصعد و المحافل لما هو مبني على أُسُسٍ غير فاسدة، ريعوية، مصالحية، تطفلية و غيرها!
بالعودة الى هيكلية الاقتصاد اللبناني، فمن المعلوم اولاً ان لمفهوم اي اقتصاد هناك معايير و مفاهيم و خطط انمائية و تنموية كما و نفقات ترعى عملية انتاجيته سواء ايجابي ناتجها كان ام سلبي. و عليه، لطالما كان الاقتصاد اللبناني مستنزفاً و موصوفاً بما يجاهر به سياسيوه و مواطنوه و اعلاميوه معلنينه فساداً و سرقةً و هدراً و بزخاً.
ان استنزاف الاقتصاد لا يكون فقط على حساب محدلة سوء الانفاق و سوء الجباية و اهمال المرافق العامة بل ايضاً يكون الاقتصاد مُستنزَفاً بمعضلة سوء الانتاج! فالجميع يعلم مدى درجة معاناة قطاعات الزراعة، و الصناعة، و الحرف، و التجارة و الرياضة و التصدير و غَلَبَة الاستيراد و كل ما يتعلق بما يمكن ان يُعَوِّم ميزان الاقتصاد الإيجابي.
المعلوم انه هناك في كل دولة مجالس تنفيذية (حكومات) من مسؤوليتها ادارة عملية تطور البلد و السهر على صحة اقتصاده و امنه و مجتمعه. فيتم تعيين تلك المجالس التنفيذية عبر تصويت الجمعيات العمومية لممثلي الشعب (النوّاب).
اليوم، بعد اكثر من خمسين سنة من الحروب، يقف الاقتصاد اللبناني ظمآناً، جائعاً، متشظّياً، مترنّحاً، متهالكاً امام ما آلت به الاحوال و من سوء ادارات توالت عليها مجالسه التنفيدية! ان ما يعاني منه الوطن اليوم هو نتيجة ما قامت به و ما كانت مسؤولة عنه جمعياته العمومية … و ذلك كله بشهادات اجنبية اتت مؤخراً لتنقذ ما تبقى من الوطن من جلّاديه و فاسديه داعية لوقف الفساد و الهدر و المحسوبيات! طالبة ترشيد الانفاق و الحرص على شفافية تقنية و عملية … شهادات من المصدر نفسه! تماماً كتلك التي لطالما قام رياض سلامة بحسن و عبقرية تنفيذها لينال ما ناله من نياشين و شهادات!
الّا ان البعض لا زال يصرّ على ان سلامة قد خالف! و هنا قد اشاركهم الرأي لأؤكد ان رياض سلامة قد خالف!
نعم! لقد خالف المركزي اللبناني! فقد كان يرعى اعلى درجات النزاهة المصرفية العالمية و اهم معايير السلامة و الشفافية و المصداقية و الملاءة المالية و النقدية. كما ان نجاح المركزي اللبناني بمسؤوليته عن استقرار و حماية القطاع المصرفي و هندسة السياسة والاستراتجية المالية للبلاد قد خالف اصول و قواعد من اراد دمار ما تبقى من لبنان!
نعم لقد خالف سلامة كافة المسلّمات و قواعد الاعراف الدولية المتعلقة بالتدخل من اجل الانقاذ الاقتصادي و المالي! فغالباً ما تتدخل الدولة من اجل انقاذ المصارف … إلا انه ابى إلا ان يتدخل هو و المصارف، دوماً، من اجل انقاذ اقتصاد و مالية الدولة التي حرص سياسيوها على تدميرها!
نعم لقد خالف سلامة! فبالرغم من سقوط و تدهور اقتصادات و عملات دول مجاورة و غير مجاورة قد لا يتجاوز حجم ناتجنا القومي حجم ناتج البيانات المالية لأحدى شركاتها المؤممة … لا زال المركزي قادراً على الحفاظ على سعر صرف عملته الاستثماري الذي يشكّل اكثر من ٩٠% من النقد المتداول في الاقتصاد. (لولا تجنب الاطالة لكنّا شرحنا كلفة و خطورة و جحافة تحرير سعر صرف العملة على الاقتصاد).
نعم لقد خالف سلامة! فهو من اثبت انه قادر على ادارة ازمات مالية و نقدية و تمويلية و اسكانية كما و اثبت قدرته على انعاش اقتصاد الدولة في ظروف فتاكة كانت لأودت بنعم كافة مواطنيه في بلد يعاني اقتصاده من فقدان مقوّمات الصمود و الانتاج و الاستمرارية و المنافسة و غلاء و فقدان اليد العاملة المحلية!
نعم لقد خالف سلامة! فقد اثبت المركزي اللبناني و بكل جدارة و ريادة قدرته على حماية و رعاية و انعاش و انقاذ مصارفه من كل التحديات التي كانت الظروف الاقليمية لتودي و تزهق استمرايتهم وبذلك لكي تتكمن هي بدورها ان تحمي زبائنها من دائنين و مدينين لكي يتمكن الاقتصاد المترنح و غير المنتج من الصمود في وجه اعتى عواصف التاريخ.
لطالما كان الجسم المصرفي اللبناني عصيّاً على الانهزام، على السقوط، على التدهور. لقد قام منذ البداية على اسس وقائية ذات محاور عدة تتجاذب و تتمحور معاييرها على قواعد و ابداعات الترقب و انتاج الترياق قبل ظهور الوباء.
لا زال القطاع المصرفي يحرص على السير قدماً نحو الاستقرار مهما كانت بروباغاندات و استراتيجيات القراصنة ظلماء و دهوية! لقد قام من تحت ركام الترنح العالمي ليروّض عواصفاً جامحة و يركب موجاتها الصاعدة الى العلياء و يستقرّ نجماً في السماء مرصعاً باحلام شعب ما هزمه كيد مصائب ولا نصب افخاخ و لا ضراسة حروب و لا نهب مراكز العملات الصعبة!
علينا الا نغضّ انظارنا عن الفرص المتاحة امامنا و التي يحلم بها كل دول الكوكب جمعاء من تخصيص و ضخ مليارات الدولارات في اقتصادنا كما و اهتمام البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و امناء خزانات الدول العظمة و كبار الدبلوماسيين و سياسيي و اقتصاديي و امنيي و مصارف و وكالات نفط العالم من كل حدب و صوب!
علينا الاهتمام بتنسيق العمل على التحضير للمرحلة القادمة التي يحرص جميع اقطاب الكون على بلوغها اسرع من اي وقت كان!
ان الشرور و الظلمات الحالكة كانت و لا زالت تتربص بقدر هذا البلد من كل حدب و صوب. و عين الحكمة و في عزّ حلكة الظلام تكمن في التحلّي بالصبر على البلاء و بالبصيرة و بالإيمان بما هو خير.
قد تكمن المشكلة بمكافحة الفساد المستشري في مكامن و أضلاع و احشاء الوطن! و هنا المسؤولية سياسية و شعبية حيث تُبَرهَن مقولة “كما تكونوا يولى عليكم”. و لذلك، علينا الاهتمام بمصيرنا الفكري و الثقافي و القومي، غير المتمول، كل حسب انتمائه، و بمكافحة الفساد و تطوير سياسات البلد الاقتصادية بفعالية، و نكرر بفعالية، و ليس بكيدية او سكوبات اعلامية ان كانوا فعلاً يهتمون لحسن و كرم العيش في الوطن.
اما الرسالة الاهم بعد الالف فهي للتأكيد على انه كلّما زادت التحديات زادت النياشين على صدور شعب ابى ان يستسلم يوماً لأي منها … لتكون رسالتي هنا رسالة صمود، استقرار، حكمة، عدل، انصاف و سلامة!
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا