غالباً ما يقوم البعض بتوجيه أصابع الاتهام الى الدول المنتجة والمصدرة للنفط عند الحديث عن الانبعاثات الكربونية والتلوث البيئي. في حين يرى البعض الآخر بأن الدول الصناعية تتسم بأنها الأعلى في انبعاثات الكربون سنويًا باعتبارها الدول الأكثر استهلاكًا للنفط. ولكن البيانات تشير بأن الصين تتصدر انبعاثات الكربون عالميًا تليها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تبلغ إجمالي الانبعاثات للدولتين نحو 10.5 و5.8 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما نسبته 30.4% و14% على الترتيب في عام 2022 من الإجمالي العالمي.
وعلى الرغم من تصدر الولايات المتحدة الأمريكية استهلاك النفط عالميًا إلا أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بعد الصين، حيث تبلغ نسبة انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة نحو 25% لكل برميل نفط يتم استهلاكه، بينما تبلغ نسبة انبعاثات الكربون في الصين نحو 73.8% لكل برميل نفط. ويرجع ذلك إلى تبني الولايات المتحدة الأمريكية لسياسات الحد من انبعاثات الكربون (Clean Air Act) والتي حفزت الابتكارات في مجال كفاءة استخدام الوقود والحد من الملوثات.
أما ما يتصل بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فتبلغ نسبة الانبعاثات الكربونية إلى إجمالي الانبعاثات العالمية في المملكة العربية السعودية نحو 1.78%، والإمارات العربية المتحدة نحو 0.85%، وقطر نحو 0.32%، والكويت نحو 0.28% من إجمالي حجم الانبعاثات الكربونية العالمية.
وفي حين تبلغ نسبة انبعاثات الكربون لكل برميل نفط يتم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 25% في عام 2022، تقل نسبة الانبعاثات بكثير في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تبلغ نسبة انبعاثات الكربون لكل برميل نفط يتم إنتاجه في عام 2022 نحو 7.3% في الإمارات، و6.3% في قطر، و5% في السعودية، و3.2% في الكويت.
ومن الجدير ذكره بأن الأنشطة البشرية -من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة- قد تسببت في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث ارتفعت متوسط درجة الحرارة العالمية بنحو (°C 1.1) خلال الفترة (2011-2020)، مقارنة بالفترة (1850-1900)، ويعزى ذلك إلى الاستخدام غير المستدام لمصادر الطاقة، والتوسع في استخدام الأراضي أو تغيير طريقة استخدامها، وتغير نمط الحياة، مع تغير أنماط الاستهلاك والإنتاج عبر الدول والمناطق والمجتمعات والأفراد، الأمر الذي انعكس بشكل واسع على الأمن الغذائي والمائي، وصحة الإنسان، وعلى اقتصادات الدول. وتعد الدول ذات الاقتصادات الهشة أقل مساهمة في التغيرات المناخية، لكنها تتأثر بشكل كبير بانعكاساته. ولا زالت المساهمات الإقليمية في انبعاثات الغازات الدفيئة متباينة على نطاق واسع بحسب الدخل أو مراحل التنمية، حيث تقل تلك الانبعاثات في الدول النامية، إذ يفتقر نسبة كبيرة من السكان في تلك الدول إلى إمكانية النفاذ إلى خدمات الطاقة الحديثة. وكذلك، شهدت انبعاثات الغازات الدفيئة ارتفاعًا منذ عام 2010 في مختلف القطاعات.
|
وإذا كان التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة وصفر انبعاثات كربونية، لكنه لا يعني بالضرورة أن هذا الهدف قابل للتحقق على المدى المنظور رغم وجود جهود دولية تُبذل في هذا الاتجاه. والسبب في ذلك هو صعوبة التطبيق، نظراً للعديد من التحديات التي ترافق تحقيقه، ولعدم قدرة الدول -لا سيما الصناعية منها- الاستغناء عن الوقود الاحفوري لتحقيق النمو الاقتصادي المبني بشكل كبير على الطاقة الاحفورية. إضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الكثير من السلع الاستهلاكية يعتمد بشكل كامل على النفط والمشتقات البترولية.
فالنمو الاقتصادي العالمي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنتاج النفط، وأن الدول الصناعية هي بحاجة له أكثر بكثير من الدول النامية، وهي المسؤول الأكبر عن التلوث البيئي العالمي، وأن المحركات والآلات الإنتاجية في العالم الصناعي كانت لتتوقف لو لم يكن هناك وقود احفوري ولا سيما النفط ومشتقاته، وبالتالي فليس من الجائز أن يُوجه الاتهام الى الدول المنتجة والمصدرة للنفط وتحميلها مسؤولية التلوث البيئي العالمي.
يصح القول بأن الدول الصناعية تعد المستهلك الرئيسي للطاقة في العالم، حيث تستخدم كميات هائلة من الطاقة لتشغيل صناعاتها، ووسائل النقل، والبنية التحتية المدنية. ويرتبط استهلاك تلك الدول ارتباطًا وثيقًا بالانبعاثات الكربونية العالية، مما يجعلها من بين أكبر المساهمين في التغيرات المناخية العالمية. لذلك، يتعين أن تتحمل الدول الصناعية المسئولية في قيادة الجهود العالمية لمواجهة واحتواء التغيرات المناخية، من خلال تطوير تقنيات جديدة، وتمويل البحوث في مجال الطاقة النظيفة، وتعزيز سياسات كفاءة استخدام الطاقة للحد من الانبعاثات الكربونية.
هذا، وقد جاءت الدورة التاسعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)، الذي عقد في باكو، أذربيجان، في الفترة من 11 إلى 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، لتؤكد على ضرورة تسريع العمل من أجل معالجة أزمة المناخ، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، وتأثير الظواهر الجوية المتطرفة على الناس في جميع أنحاء العالم. فقد شهدت فترة الأشهر التسعة من عام 2024 ارتفاعاً في المتوسط العالمي لدرجة حرارة الهواء السطحي بلغ 1.54 درجة مئوية أعلى من المتوسط في حقبة ما قبل الثورة الصناعية، وقد تعزَّز هذا الارتفاع بفعل ظاهرة النينيو التي تؤدي هي الأخرى إلى الاحترار.