“أطفال الشوارع” بلا مأوى وبراءة سُلِبت بالقوة نتيجة قسوة الحياة كتبت فريهان رؤوف
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تعاني معظم المجتمعات من ظاهرة “أطفال الشوارع“، حيث يعيش أطفال الشوارع حياة صعبة بعد أن دفعتهم ظروف حياتهم الأسرية والاقتصادية والأمنية للجوء إلى الشارع، وتشكل هذه الظاهرة خطرًا على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص إذ ينتج عن وجود الأطفال في الشارع من دون مأوى مخاطر جسيمة كالتسول والدخول في عالم المخدرات أو الانجرار نحو أعمال العنف، الاستغلال والاغتصاب، وفي العالم العربي يزداد الوضع سوءًا نظرًا لما تمر به بعض دول المنطقة من حروب وأزمات.
وصنفت اليونيسيف أطفال الشوارع إلى ثلاث فئات: قاطنون في الشارع ممن لا أسر لهم، وعاملون يقضون معظم أوقاتهم في البيع المتجول والتسول، ومن يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع.
تعتبر الطفولة حق مُكتَسب ضمنته القوانين والمعاهدات وندّد بها العالم، لكن ماذا يمكننا القول عن وضع أطفال الشوارع والمخيمات الذين يمضون طفولة بائسة وحزينة. أصبحت حياة “أطفال الشوراع” أشبه بالكهف المظلم والسفينة من دون أشرعة تواجهها الرياح والعواصف ويغرقون ويغرقون ولا يجدون يدًا واحدة تساعدهم ولا صوتًا يُجيب نداءهم المتكرر. ربما دمعة طفل واحد قادرة أن تروي الكثير عن قسوة حياتهم وظروفهم في عالم لا يسمع صراخهم، مثلًا أن تمضي فتاة صغيرة حياتها في الشارع بثياب ممزّقة وغبار الطريق يكسو وجهها وهي تبيع المناديل، تتوسّل المارة للشراء منها كي تجد ما يسدّ جوعها نهاية اليوم. طفل آخر يعمل كماسح للأحذية وعيناه تذرف دمًا على الأرض.
يحدثونكم أطفال الشوارع عن الذئاب المفترسة التي تصطاد فرائسها، عن كل أنواع الاضطهاد والظلم. يكتبون قصتهم كل يوم من معترك حياتهم بين النيران والأشواك والدمار والرعب والخوف. تركوا مقاعد الدراسة بحثًا عن العمل ، طفل يعمل هل يمكن أن نتخيل حتى جهدًا لا يملكه لينجز ويتحمّل، لكنهم يكابدون بقوة لا تتحملها أعمارهم الصغيرة. أطفال في الشارع هنا و هناك مكانهم الشارع و ليس المنازل لا يعرفون حتى الغطاء و الدفء في الشتاء ، و لا القليل من البرد في الصيف.
ماذا تعلموا؟؟؟؟ لم يتعلموا شيئًا في المدرسة لأنهم لا يجدون من يكفلهم من أجل التعلم فعلّمهم الشارع ما لا يتوقعه عقل.
لا حسيب ولا رقيب ولا مَن يعلمهم الصواب من الخطأ والحرام من الحلال، إنهم بالمختصر “أطفال الشوارع” الجيل الذي ترعرع في الشارع و كبر في الشارع و لم يجد الرحمة ، فكيف سيُرحَم هل سيُرحَم من لم يرحمه من الذئاب المفترسة، من لم يقل في وجهه كلمة طيبة ، من لم يربّت على كتفيه و يمسح دموعه التي لا تكف.
لماذا نلقي اللوم على “أطفال الشوارع” وهم لم يعرفوا يومًا معنى الحب والاحتواء ولا حتى الأمان ، ربما حلمهم لم يعد لعبة أو حتى ملابس جديدة، فلنسأل طفلة صغيرة ما هو حلمك؟؟؟ ستطلب القليل من الأمان لا تريد دمية ولا فستانًا، هي صغيرة جدًا لكنها تتعرّض كل يوم للتحرّش والإعتداء والاغتصاب ، إلى ماذا سيحوّل الشارع تلك الفتاة المسكينة التي ليس لها سند ولا قريب هي وحيدة في الشارع بسبب الفقر وفقدان الأهل.
إنه الشارع حكاية لا تنتهي مع كل محطة تأتي المآسي و الشجون، مع كل محطة نجد التجارة بأرواح الآدميين ، مع كل محطة صراع دموي ، مع كل محطة الظلم والاستعباد والعبد والضحية ونجد السفاحين ومصاصي الدماء ، إنه الشارع ، أين الفقر والجوع والمذلّة ، أين الأطفال الضعفاء الذين يصارعون مع كل سقم وألم الذين لا يجدون أبسط مقومات الحياة، إنهم في عالم أخرس يضطهدهم كل يوم و لا يرحم ضعفهم و قلة حيلتهم.
أطفالنا تتسلّط عليهم كل أنواع الظلم والإعتداء النفسي و المادي ، البنات يحملن بأطفال من دون زواج بعد أن تعرّضن للاغتصاب ،صغار جدًا ينمن في الشارع ومنهن من ماتت في الشارع، الأولاد تستغلهم العصابات وتحولهم إلى مجرمين و قطّاع طرق، بالمقابل لا نجد قوانين للحد من هذه المجازر، ويتحدّثون عن الإنسانية!!!!
ماذا يمكن أن يعرف طفل صغير قاصر عن أبسط مقومات الحياة ليكون مكانه في الشارع محاطًا بذئاب لا ترحم. أين هي المنظمات و القوانين ودعاة حقوق الطفل ثم نحلم بتحقيق الديمقراطية في دولنا و نحن لم نتعلم بعد أن نحتوى الفئة الضعيفة وهي الأطفال، تستميلهم تربية القطط و الكلاب أكثر من المخلوقات البشرية الضعيفة ، فيكفل كلبًا ولا يرحم طفلًا ضعيفًا ، بل يزدريه لأن على وجهه توجد غبار وثيابه متّسخة ، عوضًا أن يمسح الغبار عن وجهه ويغطيه حتى بمعطفه ، لكن عن أية عقول سنتكلم؟؟؟؟
يعيش أطفال الشوارع الذل والقهر والهوان يبكون الحجر و لا يبكون البشر. قصة يكتبونها من واقع مر وأليم يعزفونها على أوتار الشجى والأحزان ، مَن في سنّهم يلعبون ويلتحقون بالمدراس ويجدون الرعاية والإهتمام والمحبة ، لكن أطفال الشوارع محرومون من كل شيء متعطشون لكلمة طيبة أكثر حتى من الماء.
من يزدري شكلهم المتّسخ كان من المفترض أن يزدري نفسه لأنهم لم يختاروا شيئًا وجدوا أنفسهم في الشارع وسط قصصه الذي لا تنتهي كل يوم رواية عجيبة ، لكنه الشارع يسرد ويحكي ما لا يتوقّعه المنطق من دنيا العجائب ويسلّط سيفه الحاد الذي لا يرحم في وجه الأطفال ، إنه الشارع الذي لا يرحم الضعفاء و يصطاد ضحاياه بكل خبث و مكر.