أسدل الستار مساء الجمعة 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، على فعاليات الملتقى العالمي للتصوف في نسخته السادسة عشر، من خلال تنظيم جلسته الختامية التي عرفت حضور شيخ الطريقة القادرية البودشيشية فضيلة الدكتور مولاي جمال الدين القادري وعدد من المسؤولين والعلماء والأكاديميين والضيوف من داخل المغرب وخارجه.
انطلق برنامج حفلة الاختتام بتلاوة عطرة لآيات بينات من الذكر الحكيم، بصوت المقرئ سعيد مسلم، أستاذ علم التجويد والمقامات الصوتية، والمشرف بمعية المقرئين الاستاذ يوسف كريم الله والاستاذ عز الدين بدري على المسابقة الوطنية في القرآن الكريم المنظمة على هامش الملتقى العالمي للتصوف، والذي وزّع الجوائز على المتوجين في هذه المسابقة صنف الفتيان والفتيات.
لتتلوها كلمة الدكتور ميشال طاو شان مفكر، رئيس ومؤسس “مجموعة التفكير حول القضايا الأممية”، باسم العلماء والباحثين المشاركين من خارج المغرب، الذي نوه بالجهود المبذولة من طرف كل المتدخلين والمساهمين في إنجاح فعاليات هذا الملتقى العالمي، متوجها بالشكر لشيخ الطريقة القادرية البودشيشية فضيلة الدكتور مولاي جمال الدين على حضوره ودعمه لهذا الملتقى، ومثمنًا مختلف الأعمال والفقرات التي تعكس مستوى التقدم الذي عرفه تنظيم هذه الدورة، وأكد أن القيم الروحية التي تدعو لها الطريقة القادرية البودشيشية ثابتة لا تتغير بفعل الزمان أو المكان، أو بتبدل الأحوال والظروف، وأضاف أن القيم الروحية تعمل على توجيه سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة، حيث يشمل ذلك علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقته بربه، وعلاقته بأسرته ومجتمعه وبالبيئة المحيطة به.
كما تناول الكلمة الدكتور خالد علوي من الأردن الشقيقة باسم العلماء والباحثين العرب، الذي أشاد بجهود الملتقى العالمي للتصوف في توحيد الخطاب الأخلاقي والتعريف بأثره البالغ في تمتين الروابط الروحية بين جميع المكونات الثقافية والاجتماعية، تحت لواء المحبة، التي تشكل غاية التربية الروحية والسلوك الصوفي، واستطرد موضحا أن علاج مشاكل العالم المؤلمة يكمن في رجوع الأمة إلى أصلها الديني الداعي إلى المحبة والتسامح والسلام.
من جانبه، هنأ الدكتور خالد ميار الإدريسي، مختص في العلاقات الدولية، اللجنة المنظمة نيابة عن العلماء والأكاديميين المغاربة على نجاح هذه التظاهرة، مشيرا الى أن الملتقى كان بحق نموذجا للملتقيات الوطنية والدولية، وأوضح ان التحولات في عالمنا المعاصر والمتأثرة بالعولمة تستدعي التفكير في الحاجة إلى قيم أخلاقية عالمية كونية، مؤكدا أن التعاون من أجل السلام أصبح مطلبا عالميا.
وتولى الدكتور عبد الوهاب الفيلالي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، تقديم التقرير التركيبي العام لأعمال الملتقى العالمي للتصوف، مشيرا إلى أنه عرف مشاركة واسعة لأكثر من مئة من العلماء والمفكرين والأساتذة المختصين، من المملكة المغربية ومن عدة دول إسلامية وغربية، وضم اثنا عشرة جلسة علمية أدارها وشارك فيها خبراء في تخصصات مختلفة، مذكرا بمحاورها وبموضوعاتها، مع تقديم مقترحات تروم المساهمة في إغناء النقاش الفكري حول القضايا ذات الصلة بالنهوض بثقافة المشترك القيمي الانساني وإبراز البعد الروحي للإسلام، مع تقديم عدد من التوصيات التي تبتغي تفعيل هذه الثقافة والتعريف بها، هذا التقرير الذي تمت قراءته الى جانب اللغة العربية باللغتين الفرنسية والانجليزية، والذي خلص إلى التوصيات التالية :
1- ضرورة إعطاء البعد القيمي والأخلاقي والتربوي المكانة اللائقة به في الفضاء التنموي والمجتمعي والتقعيد له وتطويره وجعله في صلب النموذج التنموي الرائد والطموح الذي أعطى انطلاقته أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وذلك من خلال استثمار الغنى الذي يشمله التصوف في هذا المجال وما يبنيه من قيم فاعلة مع ما يترتب عنها من نتائج ايجابية في تسيير الشأن الإنساني وتدبيرها لوقعها التخليقي الايجابي الناجح والناجع في مختلف مجالات الحياة .
2- ضرورة إدراج القيم الروحية و الأخلاقية التي يزخر بها التصوف ضمن البرامج التعليمية والتربوية من أجل تربية الأجيال على القيم النبيلة الداعية إلى التعايش والتسامح والتفاعل الحضاري.
3- ضرورة إنشاء مؤسسات ومراكز بحث ذات ارتباط وثيق بالمضمون القيمي الانساني من أجل بناء فضاء التعايش الحضاري بين الأمم.
4-إنشاء جامعة دولية متخصصة في التصوف والقيم الكونية والتواصل الحضاري.
5-إنشاء مركز لقياس مستوى الكراهية لدى المجتمعات يضم مجموعات وفرق بحث إقليمية تعنى بالتنسيق في بحث ودراسة أسباب النزاعات الإقليمية والدولية من أجل تقليص فجوة الاختلاف القائمة بين الشعوب وسائر المكونات الحضارية وتفعيل المشترك الإنساني
6- تنظيم قافلة (أو قوافل) للملتقى تجوب كبريات المدن المغربية، وكذا الانفتاح بهذه القافلة خارج أرض الوطن بما فيها عواصم الدول الإفريقية وباقي عواصم دول العالم في باقي القارات، من أجل نشر رسالة التصوف الكونية، وتعريف الناس بهذه الرحمة التي يبحثون عنها من أجل تفعيل هذا المشترك الإنساني.
بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور مولاي منير القادري، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، الذي دعا الى ضرورة التقعيد للبعد الأخلاقي، وإلى بناء الانسان على القيم والأسس الأخلاقية، وإلى الرجوع إلى القيم الروحية والأخلاقية للإسلام، مستشهدا بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية، موردا في نفس السياق أقوال بعض المفكرين الغربيين.
كما دعا الى الانخراط الإيجابي في المشروع التنموي الجديد من خلال الاستثمار في الإنسان، وتربيته على القيم الأخلاقية وعلى قيم المواطنة الصادقة، لأنه أهم استثمار ، وأن نجاح أي مشروع اقتصادي يعتمد عليه.
وقد تم تكريم بعض الأطر الصحية والإدارية التابعة لوزارة الصحة بالجهة الشرقية، من طرف إدارة الملتقى على المجهودات الجبارة التي تبذلها بهدف محاربة وباء كوفيد 19 والتخفيف من تداعيته، وتكريم مولاي معاذ القادري بودشيش رئيس مؤسسة الجمال للسماع والمديح والفن العريق تقديرا لما قدمه من جهود متميزة في التأصيل والرقي بفن السماع والمديح.
وتخللت هذه الجلسة الختامية وصلات من السماع والمديح الصوفي لمسمعين من داخل المغرب وخارجه، وعرض شريط حول “قيمة المحبة” وآخر حول مختلف الأنشطة الملتقى لهذه السنة، كما تم الإعلان عن الفائزين بمسابقات الملتقى الأدبية والشعرية الموازية الخاصة بالشباب.
وفي ختام هذه الجلسة، تم رفع برقية شكر وولاء إلى السدة العالية بالله ،أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تلاها مدير الملتقى العالمي للتصوف الدكتور منير القادري بودشيش، ليتم بعد ذلك رفع الدعاء الصالح للبلاد ولملكها ولسائر المسلمين والبشرية جمعاء.
يشار الى أن هذه الدورة امتدت على مدى خمسة أيام من 18 الى22 من شهر تشرين الأول أكتوبر الجاري تحت شعار “التصوف والقيم الإنسانية: من المحلية إلى الكونية”.