صَدَرَ خلال الأسبوع الماضي قراران يتعلّقان بالدولار الطلّابي. الأوَّل عن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الذي يُلزِمُ فيها المصارف دفع الدولار للطلّاب في الخارج من ودائعها مع البنوك المُراسِلة، والثاني عن الجامعة الأميركية في بيروت، وقد قضى بتسعير الدولار وفقاً لسعر المنصّة عند 3,900 ليرة لبنانية للدولار الأميركي بدلاً من السعر الرسمي البالغ 1,500 ليرة لكلِّ دولار.
السؤال المُهمّ هنا: هل سيُشَرِّع مجلسُ النواب دولاراً طلابياً داخل لبنان أسوةً بما فعله مع طلّابنا في الخارج؟ الأرجح لا!
الواقع أن قرارَ الجامعة الأميركية يستند الى ضعف مرونة الأقساط لدى مجموعة قليلة من جامعات النخبة كون القسط ليس العامل الأساس للإنتساب، بل علاقة السعر بالقيمة المَعرفيّة وتطوير شخصية الطالب وتمكينه احترافياً. من ناحيةٍ ثانية، يعرف مُتّخِذو القرار في الجامعة المذكورة أن جمهورَها الطلّابي هو (عموماً) من الفئة الاكثر يُسراً في لبنان والتي تستطيع سحب دولاراتها، ولو بالتقسيط، من البنوك على أساس سعر المنصّة، وهو السعر نفسه الذي طلبت الجامعة التسديد وفقاً له. كما يشمل طلاب الجامعة فئة غير صغيرة مِمَن يعمل أهلهم في الخارج، أو الطلاب الأجانب، وهم الأقل تأثّراً (او غير متأثّرين) بالأزمة الراهنة.
لن يَطرح تعديل الأقساط في الجامعة الأميركية مشكلة حقيقية عند عددٍ من جامعات النُخبة غير الحكومية، وهم الى الجامعة المذكورة، اللبنانية الأميركية والقديس يوسف والبلمند. فيما خلا هذه الجامعات سوف يطرح تعديل سعر احتساب القسط مشكلة حقيقية لكلٍّ من الجامعات والطلاب على السواء.
إن المشكلة مطروحة بشكل رئيس عند الجامعات غير الحكومية، التي تُحافظ على هامش أقساط أدنى مُقارنةً بجامعات الفئة الاولى، ولكن تُنفق على الأبحاث والتطوير كجزءٍ أساس من القسط. وهي استكملت متطلبات قانون التعليم العالي رقم 285، وتسعى إلى الحصول على اعتمادٍ دولي، وهذا بدوره يتطلب انفاقاً واسعاً لتعزيز نوعية وعديد الكادر الأكاديمي، ودعم البحث والمُختبرات.
تقود هذه الفئة ثلاث جامعات، ويُمكن ان تضم حتى ستّ جامعات ( مع ملاحظة فروقات واسعة ضمن الفئة)، تستقطبُ أعداداً كبيرة نسبياً من الطلاب، والذين يأتي معظمهم من الطبقة الوسطى بشرائحها المتوسطة والعليا، وهي الطبقة الرئيسة التي تأثّرت ودفعت ثمن الأزمة المالية التي ضربت البلاد. بعض الأهل أقفل أعماله، أو سُرِّحَ من وظائفه، أو انخفضت قيمة مداخيله بفعل التضخم، وفي الحالتين لدى هؤلاء صعوبة مؤكدة في تأمين توازن إنفاق الأُسرة.
الخيارات أمام طلاب هذه الفئة في حال إعادة تسعير الدولار عالية المرونة، وهناك خطرٌ حقيقي يتمثّل بمغادرة الطلاب الجُدد والمُنتسبين المُحتَملين إلى الخارج، لأن الدراسة في جامعات البلدان الأجنبية تخدم هدفاً مزدوجاً:
-التعلّم مع حقّ العمل لساعاتٍ مُعيَّنة تُساهم في تأمين القسط؛
-إستخدام التعلّم في الخارج كمَنفَذٍ للإستقرار في الدول الأجنبية، وهذا أخطر ما يُمكن أن يحصل.
في ما خلا ذلك ستتصارع الجامعات من الفئة الثالثة على استقطاب حصةٍ مُتناقِصة من سوق التعليم العالي والمُراهنة على إغراء تخفيضات القسط، وبالتأكيد لن تكون هذه الفئة قادرة على رفع تسعير القسط بأي شكلٍ من الأشكال.
ضمن هذه الفئة بدأ التساؤل منذ ما قبل انفجار الأزمة لدى الطلاب عن القيمة التشغيلية لشهادتهم. هذه التساؤلات ستكبر اليوم خصوصاً مع إقفال منافذ التوظيف في القطاع العام (هذا القطاع الذي شكّل دافعاً قوياً لتأسيس وتضخّم هذه الفئة من الجامعات) وانهيار قدرة القطاع الخاص على التوظيف.
الواضح أن الجامعات سوف تُعاني جراء انهيار النموذج الإقتصادي، ولكن يجب أن نجترح مُعادلة تؤول الى بقاء الأفضل حفظاً لأكثر من 150 عاماً من التراكمات المَعرفية في هذا القطاع، وهذا مُمكنٌ.
مُمكنٌ إذا ما استكمل تطوير قانون التعليم العالي عبر السماح للجامعات التي تستوفي شروط القانون 285 وتحظى باعتماد دولي في كلياتها ان تكون قادرةعلى استقطاب طلابٍ أجانب عن بُعد، حتى لو انتهت ظروف الجائحة التي استدعت التعليم الإلكتروني، وذلك عبر الإعتراف بجدوى الإمتحان الإلكتروني عن بُعد ومُعادلة الشهادة على هذه القاعدة.
هناك فُرَصٌ واسعة للجامعات اللبنانية المرموقة في العالم العربي وأفريقيا وفي مناطق أخرى من العالم حيث لا تتوفّر فيها نوعية واحترام و”برستيج” التعليم التي تُوفّرها جامعات النُخبة اللبنانية (الفئتان الأولى والثانية). يُمكن لتطوير قوانين التعليم العالي بهذه الطريقة أن تؤمّن موارد حاسمة لهذه الجامعات لاستكمال تقديم خدماتها بمعايير دولية التي جعلت أكثر من جامعة لبنانية ضمن قائمة أفضل جامعات العالم.
أما بالنسبة إلى الجامعة اللبنانية الرسمية فهناك حديثٌ آخر، لأن الظروف تضع على عاتقها مُجدَّداً حملاً وطنياً كبيراً دونه ضياع أجيال من الشباب اللبناني.
نشر المقال أولا في أسواق العرب رابط المقال :اضغط هنا