السِمةُ المُشتَركة لانهيارِ الدولة هي فاعليةُ الدولةِ المَعنية، سواء كانت حديديّة أو ناعمة، متآمرة أو عاجزة فقط، في تدمير القُدرات التنظيمية والتجديدية للمجتمع من خلال القمعِ او الإهمال.
تلك هي السِمة الأولى من خمسِ سِمات حدّدتها دراسة، صدرت عن جامعة “جونز هوبكِنز” الأميركية في العام 1995 تحت عنوان: “تفكّك واستعادة السلطة الشرعية”، حول أسبابِ تفكّكِ الدُول وطُرُقِ استعادةِ السلطة، والتي استندت إلى تجاربِ بعضِ الدول الأفريقية بعد الاستقلال إمتداداً حتى التسعينات الفائتة.
ويتّسم انهيار الدولة بفقدانِ السيطرة على الفضاءَين السياسي والاقتصادي حيث يتوسّع الأوّل خارج الحدود القانونية لمُمارسة السلطة، فيما يتراجع الثاني باستمرارٍ بحسب السِمة الثانية.
وتُشيرُ السِمةُ الثالثة إلى أنّه رُغمَ أن انهيار الدولة ليس حتمياً فهو أيضاً ليس ظاهرة قصيرة الأمد، بل هو عملية انكسارية طويلة الأجل.
ولأنه لا قعرَ نهائياً للانهيار لا توجد عتباتٌ أو نقاطٌ مُحدَّدة للانهيار. يترافق ذلك مع ضآلة فُرَص الحصول على سياسات رشيدة مناسبة.
وتختم السِمة الخامسة بفقدان تركيز انتباه الحكومات على خطورة المشكلة إلى أن يفوت الأوان، ويصعب عندها تنفيذ تدابير وقائية.
هناك إشاراتٌ خمسٌ أيضاً لانهيارِ الدول تتبع وتُوافق السِمات الخمس المذكورة أعلاه، أوّلها انتقال القوّة إلى بدائل الدولة المركزية عندما تتقاتل قوى السلطة ضمن السلطة، وتصبح قوى الأمر الواقع المحلية جاهزة للإستيلاء على وظائف السلطة المركزية (أمراء الحرب في أفريقيا).
يتبع ذلك إشارة فقدان الحكومة المركزية لقاعدة سلطتها، حيث لا تعود تهتم باحتياجات قواعدها الإجتماعية، التي تعرض بدورها عنها.
تُركِّزُ الدولة بدلاً من ذلك على دائرتها المُقَرَّبة، والتي تؤدي مصالحها إلى تحويل المُخصّصات بعيداً من مصادر الدعم الإجتماعية الأوسع.
الإشارة الثالثة تتمثّل بتجنّب الخيارات الضرورية، ولكن الصعبة، مُحاباةً للمُقرَّبين. ونتيجة لذلك، فإن مثل هذه الإجراءات تزداد إلحاحاً وتزداد صعوبة، وتواجه الدولة بأزمة حكم.
عند هذه اللحظة تُمارس الحكومات السياسات الدفاعية فقط، مع التركيز على الإجراءات الإجرائية بدلاً من التدابير الموضوعية. أجندات سياسية كثيرة وبرامج غائبة. (الاشارة الرابعة).
أما الإشارة الأخيرة فهي تُشكّل علامة الخطر النهائي قبل التحلّل عندما يفقد المركز السيطرة على وكلائه الحكوميين، الذين يبدأون العمل لحسابهم الخاص للنجاة بأنفسهم ومصالحهم وعائلاتهم.
لا يُمثّل الإنهيار اللبناني إستثناءً رُغمَ اختلافِ طبيعة التكوين الجيوسياسي والاجتماعي – الاقتصادي عن دول أفريقيا. إن مراجعة السِماتِ الخمس والإشارات الخمس يتوافق إلى حدِّ التطابق مع مسارِ الإنهيار اللبناني.
بل إن حجم القوى المُتدخِّلة في الصراع اللبناني ربما يفرض انهياراً مُدوّياً لم تشهده دول أفريقيا، خصوصاً في ظل اللعب على المكشوف في استتباع القوى الداخلية للمراكز الخارجية ضمن شبكة شديدة التعقيد.
وحده الرهان على وعي الفئات الأكثر نضجاً والأقل استتباعاً لمشاريع إمارات الحرب قد يُميّزنا عن مصير القبائل والمجموعات الأثنية الإفريقية في أواخر القرن الماضي.
إنهيارُ الدول هو شكلٌ من أشكالِ إدارة السلطة، والحفاظ على مجموعة المصالح ضمنها، حتى حين تبدو هذه القوى على عداءٍ شديد.