فروقات بين سلوك الالمان واللبنانيين خلال الجائحة: ملاحظات لطالب الماني في بيروت
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
مقدمة لناشر الموقع:
النص ادناه يمثل ملاحظات وفروقات حول تعامل كل من اللبنانيين والالمان خلال الجائحة سجلها ديفيد فينوس، طالب في جامعة هايلبرون الالمانية وأحد الملتحقين ببرنامج التبادل الطلابي الألماني في لبنان بين هايلبرون والجامعة اللبنانية الالمانية. لقد تسنّى لي خلال السنوات السبع الماضية الاشراف على ابحاث اكثر من اثني عشر طالبة وطالب المان ضمن برامج التبادل الجامعي، لكن اعتقد انه رغم الكفاءة الواضحة لمعظم هؤلاء فان دايفيد فينوس يتميز باهتماماته المجتمعية الانسانية على عكس معظم طلاب الادارة من هذا الجيل الذين ان اهتموا بالابحاث فهم ميّالون الى ابحاث الشركات والمستهلكين. لطالما اعتقدت ان هذا النوع الاخير من البحث هو اطارٌ زائل والبحث في سبيل المجتمع والانسان هو الباقي. بيار الخوري
في 27 من مارس الماضي بدأت رحلتي إلى لبنان قادما من فرانكفورت، حيث كان الاهتمام بموضوع فيروس كورونا في ألمانيا لايزال متواضعا، ولم يحظى بزخم إعلامي كبير في وسائل الإعلام المحلية، حيث كان ينظر إلى الأمر باعتباره قضية ثانوية تخص الصين وحدها. ولذلك لم تكن الدولة قد بدأت في تطبيق أي نوع من التدابير والإجراءات الاحترازية على الإطلاق ولا حتى في المطارات. واستغرقت رحلتي 4 ساعات ومنذ لحظة هبوطي في مطار بيروت، قام أحد الأطباء بفحص جميع الوافدين وقياس درجة حراراتهم قبل السماح لهم بدخول البلاد.
وخلال الأسبوع الاول لي في لبنان، بدأت في رصد كيفية تعامل الشعوب الأخرى-خارج الصين- مع الوباء الجديد. فكانت أول ملاحظة لي هي مقدار القلق لدى لشعب اللبناني مقارنة بنظيره الألماني. فعندما كنت أتحدث مع أصدقائي وعائلتي في ألمانيا، لم يكن أحد منهم يشعر بالقلق أبدا، وكانت الحكومة الألمانية تؤكد بأن الوضع العام مستقر وكل شئ تحت السيطرة وأن النظام الصحي الألماني على استعداد تام للتعامل مع الأزمة. على الجانب الآخر ، في لبنان ، لاحظت أن بعض الناس كانوا يرتدون أقنعة الوجه في الأماكن العامة وأن مدير الفندق قام بتنظيف بهو الفندق بأكمله باستخدام المطهرات كل ساعة على الأقل.
وبعد مرور أسبوع واحد، قمت بالانتقال إلى السكن الجامعي، حيث كانت الجامعة لم تغلق تماما، ولكن فيما عدا ذلك لم يكن لبنان ولا ألمانيا قد اتخذت بعض الإجراءات الاحترازية حتى ذلك التاريخ. ولكني لاحظت أن رد الفعل في لبنان كان أكثر سرعة، فقد أغلقت صالات الألعاب الرياضية والمطاعم في الأسبوع الأول من شهر مارس، وحتى محال بيع السلع الغذائية قد غيرت مواعيدها تماما. وقد لفت هذا الأمر نظري، ففي الوقت الذي بدأ فيه لبنان بتطبيق إجراءات الغلق، كان عدد المصابين في ألمانيا يفوق مصابي لبنان بـ 30 مرة.
وفي ألمانيا تم إغلاق معظم الجامعات والعديد من المرافق الأخرى كالمتاجر في السادس عشر من مارس. في ذلك الوقت كان لدى ألمانيا أكثر من 7000 حالة ، أي 70 مرة أكثر من لبنان. لقد كان أمرا مفاجئا في بادئ الأمر أن يكون رد فعل لبنان أسرع بكثير من رد فعل ألمانيا ، لكني أعتقد أن هناك أسبابًا متعددة لذلك.
أولا، لبنان أقل مساحة وسكانا من المانيا مما يجعل من السهل على الحكومة تطبيق الإجراءات وفرض التدابير الأمنية اللازمة مثل حظر التجوال. ثانيا، يجب الاعتراف بأن الشعب الألماني كان أقل قلق بشأن الوباء الجديد، ولعل ذلك يعزى إلى ثقته الكبرى في النظام الصحي بدولته. ثالثا، هناك بعض الاختلافات الثقافية التي تلعب دورا كبيرا في الطريقة التي تتعامل بها الحكومات مع الأزمات. ووفقا لنموذج هوفستيد للأبعاد الثقافية 1991، سجلت ألمانيا رقما أقل من لبنان فيما يتعلق بـ “مسافة السلطة”، ذلك البعد الذي يشير إلى أي مدى تقبل الأفراد الأقل فاعلية في المنظمات والمؤسسات داخل البلاد، أن يتم توزيع السلطة بصورة غير عادلة. ولذلك فإن الدرجة المنخفضة التي حصلت عليها ألمانيا تجعل من الصعب عليها تطبيق إجراءات صارمة تمس بالحقوق الفردية الأساسية للمواطنين، مالم يعترف الغالبية منهم بالحاجة فعلا إليها.
كان رد فعل السكان الألمان ، في بداية الأزمة ، هو الإقبال الشديد على شراء سلع معينة بكميات كبيرة وبخاصة ورق التواليت أو معقم اليدين أو الطعام المعلب أو الطعام الذي يدوم طويلاً مثل الأرز أو الشعرية. في بداية الوباء حتى قبل البدء في تطبيق أية إجراءات، بدا أن الخوف من نفاد ورق التواليت أو الطعام، كان ذلك القلق أكبر لدى السكان الألمان من الخوف تجاه الفيروس الفعلي نفسه. وقد وصل الأمر إلى نفاذ ورق التواليت في المتاجر. من الصعب جدًا تتبع كيف بدأ كل هذا السلوك الشرائي غير المعتاد ولكني شعرت أن السكان الألمان وقعوا في وضع مماثل لـ “معضلة السجينين”. ولكن بدلا من الذهاب إلى السجن، كان الأمر متعلقا فقط بالتزاحم على شراء ورق التواليت والطعام، وفقدان الثقة ورفض الفرد التعاون مع الآخر.
أما في لبنان، والتي كان يعتقد أن يتدافع الناس فيها بصورة أكبر على المحال التجارية لتخزين احتياجاتهم نظرا لاعتماد ذلك البلد على الاستيراد بصورة أساسية، إلا أن الوضع كان مغايرا تماما. ففي لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية، لازال المواطن مقيد بحد أقصى للسحب النقدي الأسبوعي مما يجعله يراجع نفسه كثيرا قبل الاندفاع نحو شراء سلع وأغراض إضافية. وعلى الأرجح فإن قيود الميزانية ومستوى الدخل ما بين البلدين، بالإضافة إلى الاختلافات الثقافية هو ما يفسر السلوك الشرائي في كل من لبنان وألمانيا.
وبالعودة مرة أخرى إلى نظرية الأبعاد الثقافية لـ هوفستيد، فقد سجلت ألمانيا رقما أكبر من لبنان في مؤشر “تجنب عدم اليقين” وهو المتعلق بنظرة المجتمع إلى المستقبل باعتباره شيئ غامض وغير مضمون على الإطلاق، ولعل هذا ما يفسر الإقبال الشديد من المواطنين الألمان على شراء وتخزين السلع الضرورية. كما أن الثقافة في ألمانيا أكثر فردية من لبنان، والمجتمعات الفردية تميل إلى صب اهتمامها فقط على أسرتها وعائلتها دون الاكتراث بشؤون الآخرين. أما في لبنان حيث الثقافة الجماعية القائمة على العلاقات الاجتماعية، يوجد ترابط ملحوظ بين أفراد المجتمع مما يؤدي إلى مزيد من الثقة والمؤازرة بين المواطنين. كما يوجد في لبنان نوع من المتاجر يذيع بين المواطنين عن قرب نفاذ سلعة ما كي يأخذوا حذرهم ويقوموا بتأمين احتياجاتهم، الأمر الذي يعتمد في الأساس على فكرة العلاقات والتقارب بين الناس. وهذا النموذج لا وجود له في ألمانيا.
وتقودني هذه الاختلافات الثقافية إلى استنتاج مفاده أنه حتى لو لم تكن هناك قيود على الميزانية ، فمن المحتمل ألا نشهد عمليات شراء بالجملة في لبنان مماثلة لتلك التي كانت في ألمانيا. والجدير بالذكر أن الثقافة الأكثر فردية في ألمانيا لا تعني أن الناس لا يساعدون بعضهم البعض على الإطلاق، ولكن المشروعات الخدمية والتكافل الاجتماعي يتم تشغليها وإدارتها في معظم الاحوال من خلال القنوات الرسمية وليس بواسطة الجهود الفردية.
ومن الفروقات الجوهرية بين البلدين، ما يتعلق بدرجة التفاعل البشري بين المواطنين، ففي ألمانيا البلد الصارم حيث الالتزام التام بالقواعد، يحرص المواطنون على التطبيق الحرفي لقواعد التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة لدرجة تجعلهم يشعرون بالانزعاج إذا ما اقترب شخص ما من الآخر. يصطف الناس أمام السوبر ماركت محافظين على مسافة 1.5 بين كل شخص ومن يليه. اما في لبنان فلم الحظ فرقا فيما يتعلق بالمسافة الاجتماعية قبل الوباء وبعده إلا فيما يتعلق بشراء الدواء من الصيدلية مثلا، حيث يحادثك الصيدلي من خلف نافذة صغيرة. أعني أن لا شئ تغير في لبنان تقريبا فيما يتعلق بالتفاعل بين البشر، الأمر المغاير للحال في ألمانيا تماما. فالمواطن الألماني حريص بطبعه على إبقاء مسافة بينه وبين غيره وبخاصة مع الغرباء، فما بالك بالوضع الراهن من حيث انتشار الوباء.
وبالإضافة إلى الاختلافات الثقافية سالفة الذكر، هناك ما يتعلق بمدى توفر أقنعة الوجه، ففي ألمانيا هناك نقص شديد في تلك الأقنعة منذ بداية الأزمة وذلك رغم اتجاه عدد من الشركات والمصانع نحو تصنيع كميات من الأقنعة الواقية وتسليمها إلى مرافق الرعاية الصحية. ولكن في الأخير لا تزال الأقنعة لا تكفي الجميع. أما في لبنان، حيث يبدو ملحوظا عدم وجود نقص في كميات الأقنعة، يلتزم جميع المواطنين بالخروج مرتدين أقنعتهم الشخصية وربما يتيح لهم ذلك ممارسة حياتهم الاجتماعية المعتادة والتواصل مع بعضهم البعض.
ومن الملاحظات الهامة أيضا، هو أنه فيما يبدو هناك قبول نسبي للإجراءات المشددة كحظر التجوال مثلا في لبنان بالمقارنة بألمانيا، ورغم أن لبنان قام بتطبيق إجراءات الغلق أولا إلى جانب انخفاض أعداد المصابين بها بالمقارنة بألمانيا، إلا أن الأخيرة أعلنت عن تخفيف قيود الغلق مبكرا عن لبنان. ويعزى قبول الناس في لبنان لإجراءات الغلق إلى خوفهم الشديد من المرض، أما في المانيا فقد كان المواطنون أكثر قلقا بشأن العواقب الاقتصادية. والآن في لبنان يمكنني ملاحظة للاسف زيادة في درجة عدم الالتزام الواضح من قبل المواطنين بإجراءات حظر التجوال. فهناك من يمشون في الشوارع او يقودون دراجاتهم بعد السابعة مساء، وغير مرتدين لأقنعتهم الواقية. وكأن شيئا لم يكن.
وبوجه عام، أود أن أقول إن هذه مجرد ملاحظاتي الشخصية وهي بالتأكيد لا تظهر الصورة الكاملة ، لا لألمانيا ولا لبنان. لكن أعتقد أنه يمكنني القول إن هناك الكثير من الاختلافات في كيفية تعامل البلدين مع هذه الأزمة. يمكن تفسير معظمها في ضوء الاختلافات التنظيمية والثقافية.
وأخيرًا ، ينبغي التأكيد على أن تلك الدراسة لا تهدف إلى المقارنة بين البلدين من حيث أفضلية أحدهم في التعامل مع الأزمة. فالوقت وحده كفيل بإخبارنا بذلك.
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
بدأت ب.. لم يحظ…..
النص يحتوي على أخطاء املائية ونحوية كثيرة نرجو توخي الحذر للحصول على جودة في الصفحة