من حوّل لبنان إلى حُطام؟ الحكاية الكاملة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تقول نظرية النوافذ المحطمة إنه إن لم تصلح نافذة مكسورة، فستعتاد على وجودها. وفي المرة المقبلة حين تنكسر نافذة أخرى ستقول: إن تمكنتُ من التعايش مع نافذة مكسورة فسأتحمّل نافذتين! وينتهي بك المطاف بالعيش في حُطام! إن تركتَ الأوضاع تسوء، فلن تتجه إلا نحو الحضيض!”
تلك نافذة واحدة ماذا لو تحولت كل النوافذ حولنا الى حطام؟ ونحن ، تحديدا” نحن كنا الشاهد على كل هذا الحطام الذي هو حطام ذواتنا.
عندما يتساقط كل شئ من حولنا ونحن لا زلنا نتوقع الاسوأ على طريقة “بعد ما شفتوا شي” وهذه “الشفتو” تخرج المتكلم من صفة المجموع الى صفة المنفصل المراقب الذي يرى المستقبل كمن يشاهد مسلسلاً على التلفاز.
كيف تقدم حُطام النوافذ؟
- حين انقسمنا حول هوية الوطن وتصارعنا في اعادة تفصيل تلك الهوية على قياس الانانيات الطائفية تحطمت نافذة اولى
- حين دخلنا حربا” مديدة وخرجنا ونحن لم نسأل لماذا دخلنا وكيف خرجنا تحطمت نافذة ثانية
- حين سمعنا عن الفساد وسعينا لنكون جزءا” من مخرجاته تحطمت اول مربعات نافذة ثالثة
- حين انفقنا مالا” تسلطنا فيه على المال العام دون ان نسأل من اين اتى هذا المال وكيف سنعيده تحطم مربع اخر من هذه النافذة
- حين تنافسنا على نهش الاملاك العامة وتشويه البيئة ودمار الانهار واحرقنا الغابات تحطمت نافذة رابعة
- حين انفقنا الزيادة في الدخل على تشييد الفلل وتجديد السيارات والسفر والتبضع تحطمت نافذة خامسة
- وحين حجزت اموالنا واموال غيرنا في البنوك ولم نلتفت الا الى ننجو بما يمكن تحريره لانفسنا وشرعنا نتاجر في رزق غيرنا ببيع الشيكات المحسومة علّنا نعوض خساراتنا حطمنا نافذة سادسة
- حين انهارت عملتنا وبدانا نتاجر بالدولار علّنا نعوض الخسارة في دخلنا تحطمت نافذة ثامنة
- حين شرعنا في ثورة وعيننا على “ثوار الحي الثاني” كي لا يلتهموا بطريق الثورة طائفتنا حطمنا نافذة تاسعة
- حين صفقنا لعقوبات تستهدف بلدنا نكاية “باولاد الحي الثاني” حطمنا نافذة عاشرة
- حين فرحنا لان ” بيئتنا لن تجوع” حطمنا نافذة حادية عشرة
- حين تحمسنا لحجز وزارة باسم طائفتنا حطمنا نافذة ثانية عشرة.
- حين حصرنا الشيطنة بفلان والفساد بعلان والجريمة المنظمة بفليتان حطمنا نافذة ثالثة عشرة(رقم شؤم اليس كذلك؟)
- حين شاهدنا قضاة يعيشون كالاباطرة قصورا” وسيارات فارهة وخدم بالجملة ولم يعني ذلك لنا شيئا” حطمنا نافذة رابعة عشرة
- حين دفعنا الرشى بعشرات الاف الدولارات لدخول المؤسسة العسكرية حطمنا نافذة خامسة عشرة
الزعما المعترين
طبعا” كل يقرأ هذا النص لديه ما نزداد به من اسباب حُطام النوافذ، والعيش بين الركام والاعتياد على حياة الركام ومستقبل الحطام والتمجد بماض منسوج من سرديات هزيلة لا يثبت هزالتها سوى هزالة ما نحن فيه.
حين قال زياد الرحباني ” الزعما معترين والشعب عم يضحك عالزعما” لم يقصد الدفاع عن زعماء يمقتهم بل اراد التشديد على خبث الثقافة السياسية لدى الجمهور (او الجمهرات المنفردة) من اللبنانيين. كان ذلك قبل 41 عاما” انتقلت خلالها كل شعوب الارض الى امكنة اخرى في التاريخ الا هذا الشعب الابي.
على سيرة الحُطام والتكسير، يقول الفيلسوف جبران في الاجنحة المتكسرة ” أنّ الإخلاص يجعل جميع الأعمال حسنة وشريفة” لنلاحظ ان جُلّ اعمالنا غير حسنة وتفتقد للشرف. المشكلة اننا شعب غير مخلص لوطنه وهذا يكفي لتكسير كل شئ.
نشر ايضاً في مجلة اسواق العرب اللندنية.
إقرأ أيضًا:
عناصر التسوية في لبنان نَضُجتْ، ماذا تخبئ المرحلة المقبلة؟
تحليل: واقع لبنان ومصيره المجهول
بعد اختلاط الفاسد بالزاهد والفاسق بالناسك: لبنان امام كارثتين او انقلاب مهمة
الإستِقطابُ والولاءات يَقودُان الأحكامَ المُسبَقة في لبنان