أمين حطيط: الأرزة التي لا تموت | كتب د. ناجي صفا
عرفته عام ١٩٧٥، كنت في زيارة للرائد حسين عواد الذي قصف القصر الجمهوري ولاحق الرئيس من غرفة لأخرى وأجبره على مغادرة القصر الرئاسي .
يومها كان الرائد عواد شديد الإنشغال ، حوله عدد من الضباط والإعلاميين يتبادلون الحديث حول ما جرى .
لحظات ويصل أحمد الخطيب قائد جيش لبنان العربي الذي ينتمي إليه الرائد عواد .
هيصة وزعيق وأحاديث مختلفة حالت دون إمكانية إجرائي المقابلة واكتفيت بمجموعة ملاحظات كونتها من خلال التقاط بعض النقاشات الجانبية .
شاب يافع شديد الحركة لفتني فقررت التحدث معه ، انه الملازم أول أمين حطيط ، سألته عما يجري وما هو متوقع فقال يا صديقي ثمة اختلالات كثيرة سواء في بنية هذا النظام أو في المؤسسة العسكرية والإصلاح مكلف كما ترى ، أنا لا أحب الدم ولا القتال ولكن أحيانا يفرض عليك وانت لا تريده .
عدت الى الجريدة بملاحظاتي التي جمعتها وبرقم هاتف ضابط ديناميكي استشرفت أنه سيكون له مستقبلا زاهرا .
مرت الأيام كنت فيها أتقصى أخباره وتطورات وضعه الوظيفي إلى أن ان بدأ الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان عام ألفين .
يومذاك تولى العميد أمين حطيط عملية الترسيم والتأكد من انسحاب العدو من الأراضي اللبنانية ، ولأن أمين حطيط حريص على وطنه من جهة ، وعلى إنجاز مهمته على أكمل وجه من جهة أخرى قام بشراء جهاز جي بي اس G.P.S على نفقته الخاصة لكي يتأكد من دقة النقاط التي يتم تحديدها ، خاض معارك مع الإسرائيلي والأميركي على بضعة أمتار وبضعة سنتمترات أحيانا ولم يخضع للإبتزاز الأميركي الصهيوني فكان ان أعاد إلى لبنان سبعة عشر مليون مترا مرابعا .
تقاعد العميد حطيط ونشط في مجال البحث والتحليل الإستراتيجي ، فكان كثير الحضور في الندوات والمؤتمرات يقارع الحجة بالحجة ، وكانت فرصة لقائي به في هذه المنتديات فرصة جديدة لتجديد الصداقة وتعميقها .
هذا المارد الفكري والنضالي طوته بعض قطرات من الدم علقت في الدماغ فأردته ، ما أسوأ هذه الحياة واحقرها عندما تتحول قطرة من الدماء الى قاتل مبدع ومناضل اتسم بالروح الطيبة والإيجابية وبالمعرفة العميقة لبواطن الأمور .
انه الأرزة التي لن تموت ، وستبقى صامدة وشامخة شموخ الوطن .
رحمك الله يا صديقي ، لقد فقدتك كما فقدك الوطن والأصدقاء ، ولنا في تراثك الذي خلفته خير أنيس وخير ذكرى .
ناجي صفا