إلى متى سيبقى لبنان الدولة سليبَ الإرادة والسيادة | كتب العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
كان بإمكان المُعارضين البَحرينيين عقد مؤتمراتِهِم ومُتابعةِ أنشِطتِهِم السِّياسيَّةِ التحضيريَّة على نِظامِ الحُكم في مَملكَةِ البَحرين من دون إثارَةِ كُلِّ هذا الضَّجيج، لو سَعوا لإقامتِها في أيَّةِ دولةٍ عربيَّة غير خليجِيَّة، أو أوروبيَّةٍ توفرُ قوانينُها هامِشاً مَقبولا من الحُريَّةِ لمُمارسَةِ النَّشاطاتِ السِّياسِيَّة.
السُّؤال الذي يَطرحُ ذاته لما لا تُجرى مثلُ هذه النَّشاطات داخلَ إيران ذاتها، وهي المَتحمِّسُة بل المُحبِّذة لإقامتِها في لبنان والدَّاعمُ لها، باعتبارها تصبُّ في صالحِ تصديرِ ونشرِ إيديولوجيَّاتِ ثورتِها الاسلامِيَّةِ في البحرين.
إن القرار مُتَّخذٌ بالإعلان عن قِيامِ نشاطاتٍ للمُعارضَةِ البحرينيَّة في لبنان بالتَّحديد، والقرارُ أكبرُ مما حاولَ البعضُ تصويرُهُ على انه مُجرَّدَ قرارٍ بلدي تعاطُفي مع مُعارَضةٍ في دولةٍ شَقيقة، اتَّخذتهُ بلديَّةُ الغبيري، المَحسوبةُ على الحزب، لأن القرار ينطوي على أبعادٍ سِياسِيَّةٍ تُحاكي تَوجُّهاتٍ إقليميَّة.
القرارُ اتُّخذ أو بالأحرى مُتَّخذ عن سابقِ إصرارٍ وتَصميم، ومن أعلى المراجِعِ، ورُبما يأتي في إطار تَّوجيهات خارجيَّةٍ صادِرةٍ عن أعلى المَراجِعِ الثَّورَيَّةِ في إيران.
القرارُ مُتخذٌ لا لأهميَّةِ الانشِطَةِ المُشارِ إليها بالنِّسبةِ للمُعارَضةِ البحرينيَّة، ولكن نِكايَةً بدولِ الخليج العربي كما يُوحي واقعُ الحال.
هذا على المُستوى الإقليمي، ولكن ماذا خلفَ هذا القرارِ من إيحاءاتٍ ورَسائلَ على المُستوى اللبناني؟ هل يريدُ حزبُ الله أن يُعلنَ لمن يهمُّهُ الأمرانه مُمسِكٌ بسياسَةِ الخارجيَّةِ للدَّولةِ اللبنانيَّةِ، كما يمسكُ بقرار الحربِ والسِّلم فيها، وبالتالي يحاول أن يُثبتَ تحكُّمِهِ بمواقِفها الخارِجيَّةِ دوليَّا وإقليميَّا، أم أنه أرادَ من ذلك أن يَضربَ بحَجرٍ واحدٍ أكثرَ من عُصفور؟
وهل قرارُه هذا مَحسوبُ النتائج؟ أم أنه مُجردُ مُغامراتٍ غير مَدروسَةٍ؟
وإن كان يصعُبُ على المُحلِّلِ أن يَجدَ لها وََجها إيجابيَّاً واحِدا، اقلُّه بالنِّسبة للبنان عامَّة بما في ذلك بيئةِ حزبِ التي تُعاني ما يُعانيه الشَّعب اللبناني مَعيشيا وماليَّا.
والحقيقةُ أني كنت قد وجَّهت هذا السُّؤال أكثر من مَرَّة، وفي أكثر من مُناسبَةٍ، لأصدقاءٍ ومُحلِّلين سِياسيٍّين مُقرَّبٌين من الحِزبِ، إلا أن إجاباتهم لم تكن بشافِيَةٌ كافيَةٍ على الأقل بالنِّسبة لي، وكنت أرى فيها مُجرَّدُ تَغطيَةٍ أو تبريرٍ لشيء مَحسومٍ او غبر قابلٍ للنقاش.
التَّساؤلاتُ كثيرةٌ ومَشروعة، فهل تقصَّدَ الحزبُ مُعاجَلةَ وزيرِ الدَّاخليَّةِ بقَطعِ الطَّريقِ على مَساعيه الرامية إلى رأب الصَّدعِ الثنائي الابعاد (سياسي- كبتاغوني) اللذين تسببا في أزمة لبنانيَّة- سعوديَّة، أم هو بمثابةِ رِسالةٍ جوابيَّةٍ موجَّهةٍ أيضا لدَولةِ الرَّئيس نجيب ميقاتي ردا على التَّعييناتِ العَسكريَّةِ التي أُقرَّت مُؤخرا في مجلسِ الوزراءِ من دون التَّنسيق مُسبقا مع ما يُسمى بالثنائي الشِّيعي، وبغفلةٍ من وزرائه، والتي أرى أنها (التعيينات) لن تَبصُرَ النُّورَ قبل تعيين نائبِ مُديرِ عام أمن الدولة.
إن الإمعانَ في السَّير قُدُما في كل بما يُغضِبُ الدُّول الخليجيَّةِ الشَّقيقةِ ليس بقرارٍ عادي عابِر، إنما يبدو أنه قرارٌ مِفصلي استراتيجي يُعبِّرُ عن توجُّهٍ مُستقبلي يهدفُ إلى ضَربِ العلاقات اللبنانيَّة – السعوديَّة المتجذرة، كما ينطوي على إحراجٍ لدولةِ الرَّئيس نجيب ميقاتي، كونه يقضي على مَسعاهُ الرامي إلى التَّقريبِ ما بين لبنان الدَّولة ودولِ الخليج.
لقد عرَّى هذا القرار، مرَّة لكلِّ المَراتِ، توجُّهاتِ الحزبِ التي تُغلِّبُ مَصالحَ الثورَة الإيرانيَّةِ على مَصلحةِ لبنان، ولكن بالتَّوازي مع ذلك عَرَّى أيضا الطَّائفةَ السِّنيَّةِ في لبنان، وكشَفَ تخاذُلَها في دِفاعِها عن بُعدِها العَربي، كما عرَّى أيضا باقي المُكوِّناتِ اللبنانيَّةِ غير الدَّائرةِ في فلك قوى المُمانَعَة، وأظهرَ ضَعفَها، وأظهر أن كُلَّ مُحاولاتِ الحدِّ من جُموحِ حزبِ الله في الانخراط بالصِّراعِ الإقليمي قد باءَت بالفَشَل.
وها هو الحزبُ يًثبتُ المرَّةَ تِلو المرَّة أنَّه لا يُعيرُ أهميَّةً لتلك المحاولاتِ ولا حتى لأصواتِ شُركائه في الوَطنِ المُعترضَين على أدائهِ وتَوجُّهاتِه الخارجيَّة، إلى حد التَّجاهلِ وعدمِ الإكتراث مَرجعِيَّةٌ لبنانيَّةٌ واحدةٌ أربكت حزب الله بمواقِفِها التي تطلقها في مختلفِ المناسبات، هي بكركي بشخصِ بطريركها، والذي يبدو أنه قد اتَّخذ قرارا نهائيا لا رُجوعَ عنه، يقضي بالمُواجَهةِ للحدِّ مما يَعتبرُهُ تهوُّراتِ قاتلة لا قدرة للبنان على تحمل تبعاتها. وترى أيصا أن الحزب الإلهي (كما تسميه)، يدفعِ بلبنان إلى مواقِفَ لا تُشبهُه، ولا تتناسَبُ مع تاريخِِهِ ولا مع تنوُّعِهِ الحَضاري والثَّقافي والدِّيني.
نعم وَحدَها مواقِفُ البَطريرك الماروني بما يُمثِّلُ من ثِقلٍ مَسيحي مُؤثِّر لبنانيَّا ومَسموعٌ غربِيَّا، تُقلقُ مَضاجِعَ المَسؤولين في الحِزبِ.
في المقلبِ الآخرِ يقفُ سيِّدُ المُختارة حائرا، وكأنّه يلتقطُ أنفاسَهُ، مُستفيدا من مرحلةِ ما قبلَ الانتخاباتِ التي يرتاحُ لقانونِها الحالي كونه يراعى مَقاساتِهِ الانتخابيَّة، ويقف متأملا المشهد الداخلي، محللاً إياه وفقا لموازينِ القوى الدَّخليَّة. كل ذلك والطَّائفةُ السِّنيَّةُ في لبنان أقصَت ذاتها أم أقصيت عنوة عن الساحة السياسية، وبخاصَّة بعد أن رَفعَ أحد أقطابُها رايَةَ الإستِسلام، ودارً الإفتاءِ تبدو وكأنها تعيش في عصرٍ آخر، فدورها السياسي الرِّعائي للطائفةِ مُهمشٌ، وغيرُ مؤثر في كل ما تشهدُهُ السَّاحَةُ الوَطنِيَّةِ، وذلك مُنذُ أن غُيِّب المُفتي حَسن خالد، والشَّيخ صُبحي الصَّالح.
وبالعودَةِ إلى حيثيات انعَقادِ مُؤتَمرِ المُعارضَةِ البَحرينيَّة في إحدى جُزر لبنان الأمنيَّة، التي لم تستطع القوى الامنية أن تتفذ فيها قرار وزير الداخليَّ الذي قصى بمنع مثل هذه النَّشاطاتِ الاستِفزازيَّة، بل قوبل بالإعلانِ عن نيَّة القِيامِ بنَشاطاتٍ أُخرى مُستقبلا.
نرى في هذا الإصرارِ أكثر من مُجردِ رِسالة، كونه يُعبر عن توجُّه استرتيجيَّ يهدفُ إلى كسر هَيبةِ الدَّولةِ، ورُبما يشكلُ إيذانا بنذر ببدء عَمليَّةِ تحلُّلِ الكِيان اللبناني، او تغيير مَعالِمِه.
إن الإصرارَ على هذا الموقف، الذي يَندرجُ ضِمنَ توجُّهاتِ قَطعِ رَوابِطِ لبنان العَربيَّة، يرى البَعضُ فيه مُؤشِّراً لإحكامِ قبضَةِ الحزب على لبنان الدَّولة.
ما هي ردَّةُ فِعلٍ رئيس أعلى هيئة تنفيذيةٍ في لبنان أي دولةُ رئيس مجلس الوزراء على هذا القرار، وكيف سَيكونُ موقِفُهُ منه؟ يبدو أنه لن يكون إصرارا على التَّنفيذ ولا تلميحاً باستِقالةِ، ولكن ماذا لو استَمرَّ التَجاوزُ، الإمعانُ في تكرار مخالفةِ توجُّهاتِ الحُكومَةِ القاضيَةِ بالنأي بالنفسِ وإغفالُ قراراتها، أم كعادَتِهِ سيسعى بأسلوبه الدُّبلوماسي المعهود إلى استيعابِ الأمرِ ولو على حِسابِه؟ وماذا عن مواقِفِ القِوى السِّياسِيَّةِ الأُخرى هل سَتبقى مُتفرِّجةً أم ستكتفي بمجردِ إدانة؟ هذا ما سنتركُ الاجابةُ عليه للمُقبلِ من الأيام، والتي يبدو أنها ستكونُ حبلى بمُستجدَّات غير مُتوقَّعة.
وأراني مُضطرٌ، بدافِعِ انتمائي الوَطني، واقتِناعا مني بأهميَّةِ الحِفاظِ على صيغةِ التَّعايُشِ التي قامَ ونَشأ عليها هذا البلدُ المِسكين، كما حِرصاً مني على بيئةِ المُقاومَة، التي كنا نَحترمُ إنجازاتها ونجلُّ تَضحياتِها، أخلُصُ من حديثي بدعوةٍ مخلصةٍ للمَسؤولينَ في الحزب، دعوةٌ صادِقة، أحثُّهم فيها على ضَرورَةِ إعادَةِ التَّفكيرِ جدِّياً بخياراتِها، والعَملُ على لبننةِ توجُّهاتها، حِفاظا عليها وصَونا للوَطن.
اقولُ هذا مًتسائلا فيما لو صحَّت هذه التَّوجُّسات، إلى متى سيبقى لبنان سليب الإرادة والسِّيادة؟ وإلى متى ستبقى وحدتنا الوطنيَّةِ تتخبط ما بين ذهان فكري، وإيرانوفوبيا!!!!