الساكت عن الحق شيطان أخرس | بقلم د. رنا منصور
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يتعجّب المحلّلين الاقتصاديّين والسياسيّين كيف حصل الإنهيار الكامل في الاقتصاد اللبنانيّ وكيف تمكّن بعض السياسيّين الذين نهبوا الوطن من تهريب أموالهم إلى الخارج بسرعة فائقة؟ وكأنّ الوطن والشعب لا يستحقان العيش، لا سيما أنّهم اعتبروا أنّ أي بلد سيستقبلهم بهذه الأموال وسيمنحهم جنسيته، وبالتالي فإنّ كل الأوطان أوطانهم لأنّهم قد استطاعوا أن يجمعوا ثروات لا يحلمون بها طيلة حياتهم.
هذه الطبقة السياسيّة الفاسدة هي التي سبّبت الإنهيار الكامل والشامل للاقتصاد اللبنانيّ نتيجة الإلتزامات الباهظة الثمن والكلفة العالية جداً، ونتيجة تهريب الأموال إلى الخارج.
إنّ الشعب يرى ترف حياة هؤلاء الناهبين في الصور والفيديوهات مع عائلاتهم في كل أنحاء العالم وهم يسجّلون أولادهم في أغلى مدارس وجامعات العالم، الجميع يعرف تاريخهم لأنّهم كانوا لا يملكون فلساً واحداً في جيوبهم. إنّ الكرة الأرضيّة وحكّامها لا يصدقون ما تشهده الساحة اللبنانيّة من ارتكابات أوغاد سلطة الفساد والفشل حتى وصل الأمر إلى لقمة عيش الفقير ودوائه وأصبح المريض غير قادر على شراء الدواء، أي دواء كان، فتجده يصارع الموت، فيما يسأل الفاسدون عن أموال أولادهم في الخارج ويطمئنون عليهم في المدارس والجامعات الأجنبيّة والمواطن اللبنانيّ عاجز عن شراء علبة حليب لطفله.
أمّا اليوم فبقدر ما يستجدي لبنان تعاطف وتفهّم شعوب العالم تحمي دولته منظومة المافيا السياسيّة رغم غيظ وقرف واشمئزاز وضغط الخارج. لماذا لا يُحاسب الفاسدون؟ ولماذا لا تستعاد الأموال المهرّبة إلى الخارج؟ ولماذا يُهرول المسؤولون نحو البنك الدولي وهم يعرفون أنّ عشرة أسماء على الأقل من أصحاب الإلتزامات وناهبي الشعب بإمكانهم إثراء الخزينة العامة؟ لماذا يسكت المسؤولون عن هؤلاء المجرمين سواء أكانت صفتهم مقاول أو متعهّد أو ملتزم، في حين أنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ بالطبع، لم يعد يُخفى الأمر على أحد، فكلّ من سكت عن هؤلاء المنافقين والسارقين هو شريك لهم. هكذا تبدو الأمور، وإلّا لماذا لا يُلاحقونهم ويسألونهم عن مصير ثرواتهم في الوقت الذي يعرفون فيه أنّهم كانوا في السابق لا يملكون فلساً واحداً.
هؤلاء الساكتون عن الحق سيدفعون الثمن عاجلاً أم آجلاً، خصوصاً بعد ما أصبح لبنان في طليعة الدول الفاسدة من حيث الأرقام الماليّة والمؤشرات الاقتصاديّة وسط تسارع الإنهيار الكامل وإقفال المزيد من المصانع والمؤسسات. حتى اليوم فقد تم صرف أكثر من 160 ألف عامل من القطاع الصناعيّ وحوالى 5000 عامل من القطاع المصرفيّ. أمّا النمو الاقتصاديّ اللبنانيّ الذي كان يُسجّل أرقاماً قياسيّة في السابق وصلت إلى 9% وفقاً للمعايير الدوليّة فتدهور إلى ما دون الصفر وأصبح سلبياً بنسبة -12%، وكذلك ارتفع معدّل الدين العام إلى الناتج المحليّ بما نسبته 190%، وهو ثاني أعلى معدّل في العالم بعد فنزويلا. باختصار فقد نُهبت أموال الشعب في زمن هؤلاء السياسيّين الناهبين هم وزبائنيّتهم والمعروفين بالأسماء هم وعائلاتهم، في زمن هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا يهمّهم الشعب. كما فقدت العملة الوطنيّة أكثر من 95% من قيمتها واستمرت طباعة النقد وتمّ الهروب إلى الأمام من قِبل بعض المسؤولين في ظل الإرتفاع الجنونيّ في الأسعار، ممّا جعل أكثريّة المسؤولين يحرّكون الشارع بطابع مذهبيّ وطائفيّ، لكي يتمكّنوا من بيع ما تبقى من أملاك الدولة خصوصاً احتياطيّ الذهب، وهنا لا أُعمّم على الجميع.
إنّ 90% من الشعب اللبنانيّ أصبح مهدّداً بانعدام الأمن الغذائيّ وفقدان الدواء كليّاً، والله أعلم أي مُخطّط يُرسم للوطن بمساعدة بعض هؤلاء السارقين. لذلك يجب أن تُتّخذ إجراءات حاكمة من قِبل السلطات السياسيّة، وإلّا على البلد السلام لا سمح الله.
وأخيراً، أقول لهؤلاء المقاولين عودوا للوطن وأعيدوا ما ستوطتم عليه من أموال بواسطة إلتزاماتكم المزيّفة، وإلّا ستخسرون الوطن وتخسرون الشعب.