السرقات تتخطى الخطوط الحمر بغرابتها | بقلم د. مازن مجوّز
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
الجنون فنون، لكن السرقات فنون أيضًا، وهذا ما بدأ اللصوص اللبنانيون يثبتونه بتنوع أساليب السرقة التي تعاني منها الكثير من المناطق اللبنانية، سرقات غريبة تعكس تصرفات وسلوكيات تتعارض والمنطق العام أو العقل المجتمعي اللبناني، وصولًا إلى خرق القواعد الإجتماعية والأخلاقية ولا أحد من اللصوص أو من حكامنا الكرام يأبه!
ربما يجدر بنا أن نسال الحكام تحديدًا: ماذا فعلتم بالشعب اللبناني؟ كيف حولتموه من عاشق للحياة بكل ألوانها، إلى بائس يائس فقير وسارق، يتصدر شعوب العالم بالكآبة؟
لكن ما نفع السؤال إذا كنتم لا تسمعون ولا ترون ولا تشعرون ولا تهتمون البتة بالدرك الذي وصل إليه اللبناني اليوم؟ فيما أنتم مطمئنون على أموالكم وأرصدتكم في الخارج، وكذلك على مستقبل أولادكم وأحفادكم.
بالطبع مهما تحدثنا، فإن السرقات أيا كانت هي غير مبررة، غير أن دوافعها قائمة، وليبقى ما يحصل يفوق التوقّعات، ولا يخطر ببال، بفعل غرابته، ولعل أحدث تلك السرقات، السطو المسلح منذ ثلاثة أيام والذي نفذه مسلحون مجهولون يرتدون لباسا عسكريا، حيث سلبوا ٤٠ رأسًا من الغنم في منطقة الطيبة شرقي بعلبك، بعد أن عملوا على تكبيل صاحب الغنم المدعو عباس ع. ثم اعتدوا عليه بالضرب، قبل أن ينقلوا الأغنام الى جهة مجهولة.
ومن بعلبك إلى أبي سمراء في طرابلس التي استفاق أهاليها ذات يوم على سرقة بطاريات سياراتهم من أمام منازلهم، وفق جمعية اليازا، علمًا أن بطارية السيارة لا يقل سعرها اليوم عن 60 دولارًا أميركيًا.
ونبقى في منطقة الشمال، التي شهدت مناطق عدة فيها نشاطا في سرقة إطارات السيارات، ومعها ” الجنط” المتنوع الأسعار، حيث انتشرت صورة المركبات مرفوعة على أحجار من الباطون، سرقة بدأت تتحول إلى رائجة بعد رصد حالات مماثلة في صيدا.
المعاناة الشمالية، تنسحب على بلدة بينو العكارية، التي تبلغ مخفر قوى الأمن الداخلي فيها يومًا دعوة من السيد “إ.خ”، أكّد فيها أن مجهولين عمدوا إلى سرقة كميّة من الدجاج من مزرعته الخاصّة في بلدة رحبة وفروا إلى جهة مجهولة.
وتكاد محافظة عكّار تفرغ من الأسلاك الكهربائيّة من على عواميد الكهرباء، إذ تنضم كل يوم بلدة جديدة إلى لائحة البلدات الغارقة في الظلمة بفعل هذا النوع من السرقات.
ومن بينو إلى حي طبارة في بلدة بعاصير، حيث سرق مجهولون الشبكة النحاسية الهوائية التابعة لـ”كهرباء لبنان” الأمر الذي تسبب بانقطاع التيار الكهربائي المقنن أصلًا في عدة مناطق.
وفي بلدة كترمايا، فشلت محاولة سرقة شبكة الكهرباء في خلة اللوز، عندما تنبه للأمر أحد أبناء الحي، الأمر الذي دفع باللصوص إلى الهرب.
مسلسل السرقات الغريبة هذا يعكس واقع لبنان المزري، وهو كان قد شهد في الكثير من محطاته سرقة مئات أغطية الريغارات في العاصمة بيروت، ومضخات المياه لري المزروعات في مناطق بقاعية، والمؤسسات الرسمية ودور العبادة والمؤسسات السياحية والأثرية والمنازل في الهرمل.
ولا ننسى الفيديوهات التي تناقلتها وسائل التواصل الإجتماعي سابقًا لسرقة عبوات الحليب والحفاضات ومواد غذائية من المولات ومراكز التسوق.
خطر دائم وخوف وقلق مستمر يعانيه اللبناني كل ساعة، والموضوع ذو أبعاد اجتماعية واقتصادية وإلى حد ما نفسية، كما يقول الدكتور أحمد عويني الإختصاصي في علم النفس والتربية والإرشاد، ويؤكد أن اللصوص يعتمدون مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”، فاللبناني اليوم يعاني من وضع معدم، ولبنان يعيش وضعًا صعبًا جدًا واستثنائيًّا، فيما لا أفق للحلول، وطبعا الحاجة أم الإختراع ، وما نشهده هو انحلال للمعايير والقيم الأخلاقية، وحينها يصبح المحظور مباحًا.
ولا يستبعد – في حال استمر الوضع على ما هو عليه- أن نشهد سرقات أكثر غرابة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وبالتالي التفنن في أساليب السرقة وبطبيعة المسروقات، فاللبناني بدأ يسرق أشياء لم يفكر بسرقتها يومًا، مثل أشياء تباع معه بـ “الدولار الفريش” وتأتي له بمردود مادي كبير. ليسأل: “أولم يصبح البيض والألبان والأجبان من الكماليات بفعل أسعارها الخيالية؟ وهي لم تكن يوما كذلك”. ويجيب “إنه الفقر والعوز والجوع والبطالة، وقد رأينا تحذيرات الخبراء حيال مخاطر إختفاء الطبقة الوسطى في لبنان”.
تبقى الإشارة إلى أن جرأة اللصوص ودهاءهم تكون صادمة أحيانًا، إذ أن عمليات السرقة “الغريبة” تتم بهدوء وسرعة من دون أن يرى أحد السارق أو يسمع أي صوت غريب يؤشر على السرقة، ليختفي السارق والمسروقات معه من دون أن يترك أي أثر وراءه ،كما لو كانت خدعة للساحر “ديفيد كوبرفيلد”.