حاكم فوق القانون أم فوق الخراب؟ | بقلم أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
دائمًا هناك جديد لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ودائمًا هناك جديد عنه وحوله، أحيانًا يسود الاعتقاد أنّ أيامه في منصبه باتت معدودة، ثمّ يتبدّد هذا الاعتقاد ليتبيّن أنّ الرجل باق حيث هو بدون أيّ تأثير لكلّ ما يسمّى ملاحقات قانونية وقضائية سواء داخل لبنان أو في الخارج.
خرج “الحاكم” على اللبنانيين في مقابلة تلفزيونية متفق عليها ومسجّلة من مكان ما، الأرجح في مكتبه في مصرف لبنان الذي لا يغادره منذ إصدار القاضية غادة عون مذكرة التوقيف بحقه، وسجن شقيقه الذي خرج لاحقًا بكفالة مالية جرى تخفيضها عدة مرات، وبمنع سفر وحجز على ممتلكاته في لبنان.
تحدّث “الحاكم” كثيرًا في المقابلة عن “براءته”، وقالت له المذيعة “صحيح” عشرات المرات، ولم تسأله أسئلة الناس المتضرّرين من سياساته النقدية الخاطئة على مدى ثلاثين سنة بالتكافل والتضامن مع المسؤولين عن السياسات المالية والاقتصادية في تلك الفترة نفسها.
لكن أكثر من ذلك حاول “الحاكم” أن يوحي للناس بأنه الرجل القوي الذي لا يأبه لكلّ ما يجري حوله، وأنه مستمرّ في عمله الذي يؤدّي فيه واجبه تجاه الناس وتجاه البلد… أيّ واجب هذا الذي ليس فيه إلا مخالفات قانونية، ولا يأتي إلا بالخراب والأزمات للبلد وللاقتصاد وللناس؟
استغلّ “الحاكم” إلى أبعد الحدود الواقع الراهن حيث الدولة كلها اليوم في مرحلة تصريف أعمال، ولا إمكانية بالتالي لاتخاذ أيّ إجراء بإقالته، رغم أنّ هذا الأمر لم يحصل قبل ذلك حين كانت الحكومة كاملة المواصفات، وذلك لأسباب يعرفها القاصي والداني حيث لم يعدّ سرًا أنّ هناك في الداخل والخارج مَن رسم خطوطًا حمراء حول “الحاكم” ومنع إقالته من منصبه ومحاسبته على ما كلّ ما ارتكبه بحقّ البلد والناس!
وها هو الآن يُراهن على الوقت، معتقدًا أنّ الملاحقات ضدّه ستتوقف بعد انتهاء عهد الرئيس العماد ميشال عون، ثم تأتي السنة الجديدة حيث تنتهي ولايته هو في الحاكمية، فيذهب إلى تقاعده المريح في مكان ما يختاره، أو ربما هو اختاره وأصبح جاهزًا لاستقباله مع من يشاء ويرغب من أصدقاء وصديقات!
ولكن ريثما تحين المواعيد لحصول السيناريو السالف الذكر، فإنّ “الحاكم” لا يضيّع الوقت، وها هي لمساته ظاهرة بوضوح على الانشقاق الحاصل في جمعية مصارف لبنان، حيث حاول البعض الخروج عن الطاعة فأتى الجواب من داخل الجمعية وبدأ بعض أصحاب المصارف المعروفين بقربهم من “الحاكم” وبكثرة مصالحهم معه، بدأوا بإظهار معارضتهم لما يقوم به رئيس الجمعية والمحيطين به، رغم أنّ جميع هؤلاء يلتقون على هدف واحد هو تمييع موضوع توزيع الخسائر والتنصّل من أيّ مسؤولية عنها وتحميلها كلها للدولة وللمودعين، وذلك في تكرار للسيناريو نفسه الذي حصل إبان حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب حين التفّ جماعة المصارف في لجنة المال والموازنة النيابية على خطة التعافي التي أعدّتها الحكومة السابقة وعادت إليها الحكومة الحالية في آخر جلساتها قبل الدخول في مرحلة تصريف الأعمال.
وإذا كان هناك نوايا صادقة في المرحلة المقبلة للبدء بمسار الحلول الاقتصادية والمالية فلا بدّ من العودة مجدّدًا إلى خطة حكومة الرئيس دياب لأنها خطة جدية وتوزّع الخسائر بطريقة عادلة نسبيًا، وتحفظ 98 في المئة من الودائع، وتلقى قبول صندوق النقد الدولي، والأهمّ من ذلك كله أنها تعيد عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد وتحرّك الإنتاج حيث لا يمكن التفكير بأيّ خطط إنقاذية من دون الإنتاج…