ازمة لبنانالاحدث

“فورين أفيرز”: على الإدارة الأميركية استهداف حلفائها اللبنانيين من سياسيين ومصرفيين وإعلاميين فاسدين

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

تحت عنوان “مكيدة بونزي التي حطمت لبنان” نشر موقع مجلة “فورين أفيرز” مقالا لسام هيلر قال فيه إن علاقات الولايات المتحدة مع النخبة اللبنانية تعتبر امتحانا لأجندة الرئيس جو بايدن لمكافحة الفساد. وقال فيه إن الإقتصاد اللبناني يعاني خلال العامين ونصف الماضيين من انهيار مستمر، فقد خسرت العملة اللبنانية نسبة 90% من قيمتها أمام الدولار وانخفض الناتج القومي العام بنسبة 60% وأصبحت نسبة 80% من سكان لبنان تعيش تحت خط الفقر، إلى جانب مليون نصف لاجيء سوري فروا من الحرب في بلادهم، وفر مئات الألاف من اللبنانيين بحثا عن فرص في أماكن أخرى.

وتعتبر الأزمة التي ضربت لبنان وهي الأسوأ في تاريخه الحديث، نتاجا لما أسماه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش “شيئا يشبه مكيدة بونزي”، فعلى مدى السنوات الماضية استخدم المصرف المركزي أموال المودعين العاديين لتمويل نفقات الحكومات اللبنانية الفاسدة والمبذرة. وحصل المشاركون في العملية على عوائد مربحة حتى انهار كل شيء عام 2019. وربما لم تكن خطة الهرم غير قانونية إلا أنها تصل إلى درجة الفساد وعلى قاعدة عظيمة. وحققت النخبة اللبنانية أرباحا وأخرجت أرباحها التي حققتها بطريقة غير مشروعة للخارج وتركت الملايين من ابناء البلد الفقراء يحملون حقيبتها. ومشكلة لبنان ليست بالضرورة نتاجا للجشع والفساد بل طال أمدها عندما رفض المسؤولون عنها تغيير طرقهم أو تحمل جزء من الخسائر المالية الهائلة التي تعرض لها البلد.

وفي الوقت الذي عبر فيه المانحون الدوليون عن استعداد لمناقشة خطط إنقاذ يمكن أن تصحح مسار الاقتصاد، إلا أن قادة لبنان قاموا حتى أقل الإصلاحات الأساسية التي طالب بها المقرضون كشرط مقدم لحزمة الإنقاذ. فقد استفادت النخبة المالية والسياسية وبشكل جيد من النظام الحالي، وستخسر كثيرا من حل منظم للإفلاس الوطني في لبنان. وبحسب البنك الدولي، فلبنان اليوم يعيش وسط “كساد متعمد”، كساد “نظمته النخبة في البلد والتي استولت ولزمن طويل على البلد وانتفعت من ريعه الإقتصادي”.

وتمثل المعضلة اللبنانية تحد فريد لإدارة جوي بايدن التي تأمل بمنع انهيار تام له وجعلت من مكافحة الفساد واحدة من اولويات الأمن القومي. وبناء على أجندة بايدن لمكافحة الفساد العالمي دفع المسؤولون الأمريكيون قادة لبنان للحد من الفساد والقيام بالإصلاحات الضرورية لتسهيل حزمة الإنقاذ. إلا أن هناك قلة في لبنان من تتعامل مع كلمات واشنطن بجدية لأنها تسامحت مع الفساد واستخدمته إجراءات مكافحته كسلاح ضد أعدائها. وحتى الأن يواجه الخطاب الأمريكي بشأن الفساد الكثير من الإغفال والحذف القاتل. وظل المسؤولون الأمريكيون صامتين على خطط الفساد التي أدت للإفلاس الوطني والتي تورط فيها شركاء مهمين لأمريكا واتهموا بها. وعندما يتعلق الأمر بالفساد في لبنان فأمريكا تواجه أزمة مصداقية، مشكلة بحاجة للإصلاح لو أرادت إدارة بايدن أن تكون عامل إصلاح.

ويعتقد الكاتب أن نهج الإدارة من لبنان حيث تسير عملية محكافحة الفساد ومنع انهيار الدولة جنبا إلى جنبا، يعد أمرا حيويا في التزامها لمكافحة الفساد على مستوى العالم.

ويرى الكاتب أن مشكلة لبنان نابعة من نظام المحاحصصة الطائفية التي يتم فيها تقسيم التمثيل السياسي على 18 طائفة معترف بها كل واحدة لها قاعدتها السياسية وإقطاعيتها الأبوية. وسمح هذا النظام للنخبة كي تستولي على مؤسسات الدولة وسهلت من استغلال النخبة لمصادر البلاد وتحويلها للأغراض الخاصة وتقوية سيطرتها على مناطقها الطائفية. وعليه فالفساد في لبنان لا يتعلق بالرعاية السياسية والتعاقد العام العفن. فقد ظل الإقتصاد اللبناني غير المنتج معتمدا على المساعدات الإقليمية من أجل القيام بوظيفته. وعندما تباطأ هذا التدفق نتيجة لتعمق الخلل السياسي والنزاع، بما فيها الحرب في سوريا، لجأ البنك المركزي عام 2016 إلى ما أسماه “الهندسة المالية” لدعم العجز الحكومي والحفاظ وإن بطريقة مصطنعة على قيمة عالية لليرة اللبنانية. وباختصار دفع البنك المركزي للبنوك التجارية أسعار فائدة باهظة عن الإيداعات بالدولار.

وبدورها قامت تلك البنوك بمنح عوائد سخية من اجل جذب مودعين جدد. واستفاد كل واحد اشترك في الخطة رغم تعرض النظام المالي للبلاد إلى مخاطر منظمة. ويضيف أن الهندسة المالية ليست تحركا محفوفا بالمخاطر لدعم الحكومة اللبنانية والعملة، بل هو آخر نسخة من تعهد عمره عقود بين الحكومة والنخب المالية والتي تستخدم فيه المصادر العامة لتغذية النظام البنكي الضخم. والنخب السياسية في لبنان متورطة وبعمق مع النخب المالية. وأوضح مثال هو سعد الحريري نجل رئيس الوزراء الأسبق ورجل الأعمال رفيق الحريري، وتولى السلطة ما بين 2009 – 2011 ومن 2016- 2020 وهو مساهم رئيسي في أكبر بنوك البلد. وربما لم يكن من غير القانوني استفادة المسؤولين اللبنانيين من سياسات المصرف المركزي المدمرة، ولكنها بالتأكيد شكل من الفساد.

وكل هذا انهار مع الإحتجاجات التي ضربت البلاد عام 2019 حيث ردت البنوك بإغلاق أبوابها وحرمت المودعين من الوصول لحساباتهم. وأدت هذه المحاولة الوقائية على ما يبدو لمنع التسابق المصرفي إلى أزمة ثقة ببنوك البلاد مما ترك البنوك الخاصة والبنك المركزي والدولة معسرة فجأة. وتقدر خسائر القطاع المالي بعشرات المليارات من الدولارات الامريكية. وفاقم وصول فيروس كورونا عام 2020 من حالة البؤس في لبنان، إضافة إلى انفجار مرفأ بيروت في نفس العام وقتل فيه أكثر من 200 شخص وخسائر بالمليارات. وربط المانحون الدوليون أي خطة انقاذ ضخمة باتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي والذي يشترط خطة ضبط مالي وإصلاح، إلا أن قادة لبنان وحلفائهم في القطاع المالي لم يتعانون، بل وقاوموا أي حل لمشكلة الإفلاس الوطني يضر بالمساهمين والمودعين الكبار. ولم يوافقوا بعد على الإجراءات الأساسية بما فيها خطة لإعادة هيكلة الدين اللبناني وتوحيد سعر الصرف المتعدد في البلاد، وهو ما طلبه صندوق النقد الدولي كشرط لخطة إنقاذ. وفي الوقت الحالي سمحت البنوك للنخب بنقل اموالها للخارج فيما قيدت على المودعين العاديين الوصول إلى حساباتهم، مما يعني ان الخسائر الإقتصادية وقعت على من لا يستطيعون تحملها.

ومنذ الكشف عن خطة بايدن لمكافحة الفساد العام الماضي، اكد المسؤولون الأمريكيون على أهمية معالجة المشكلة في لبنان. وحث المسؤولون في وزارة الخزانة قادة لبنان والبنوك على التعامل بجدية مع جهود تحسين الشفافية والمحاسبة. وفرضت الحكومة الأمريكية عام 2021 على رجلي أعمال بصلات سياسية وعضو في البرلمان بتهمة الإثراء غير المشروع وتقويض حكم القانون. وفي كانون الأول/ديسمبر قدمت السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا جائزة مكافحة الفساد لصحافي لبناني استقصائي، واستخدمت المناسبة للتأكيد على التزام أمريكا بمكافحة الفساد. ولم تكن الجهود الأمريكية مقنعة نظرا للإنطباع داخل لبنان عن قرب الولايات المتحدة من النخب السياسية في البلاد. وعمل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة مع الولايات المتحدة لمواجهة تمويل حزب الله. ويواجه سلامة تهم الإثراء غير المشروع بالإضافة لمسؤوليته عن الهندسة المالية والأزمة الناجمة عنها. لكنه ظل وحتى وقت قريب بعيدا عن المساءلة نظرا لعلاقاته القريبة مع الولايات المتحدة. وفي أيار/مايو 2020 دافعت شيا عنه في مقابلة تلفزيونية وأنها “عملت عنه بشكل قريب على مدى السنين” و “يتمتع بثقة عظيمة من المجتمع المالي الدولي”.

وجاءت المقابلة وسط أنباء عن معارضة سلامة واللوبي المصرفي وعدد من حلفائهم في البرلمان خطة الحكومة للتعافي المالي والتي كان من المفترض أن تكون أساسا للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وليست في صالح القطاع المالي. وفاز سلامة وحلفاؤه حيث انهارت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي واستمرت أزمة لبنان المالي لعامين آخرين. والمشكلة ليست في غض أمريكا الطرف عن الفساد في الماضي، بل ولتسييسها جهود مكافحة الفساد بطريقة أضعفت مصداقيتها.

ففي عام 2020 استخدمت إدارة دونالد ترامب قانون ماغنستكي لفرض عقوبات على الزعيم الماروني البارز جبران باسيل، بتهمة الفساد ظاهريا ولكن لعلاقاته مع حزب الله. واعترف ديفيد شينكر الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ما بين 2019 -2021 بهذا “قمنا بفرض سلسلة من العقوبات ضد حزب الله وحلفاء حزب الله” و “بما في ذلك، والأهم، غير شيعة، وبلغت ذروتها في تصنيف ماغنستكي العالمي لجبران باسيل بتهمة الفساد”. و لو نظرنا لمن استهدفوا فربما فهمت عقوبات بايدن في تشرين الأول/أكتوبر بنفس الطريقة أنها تستهدف حلفاء حزب الله. ومن هنا فلو أرادت الولايات المتحدة النظر لقلقها حول الفساد بجدية، فعليها التخلص من سمعة تسامحها مع فساد النخب السياسية واستخدامها مكافحة الفساد والعقوبات كأداة للحد من تأثير حزب الله.

وعليها، والحالة هذه التأكيد لمحاوريها في لبنان على أهمية الإصلاح والتعاون مع دول مثل فرنسا. كما ويجب عليها أن تدفع قادة لبنان للموافقة على شروط صندوق النقد الدولي، بما فيها إعادة هيكلة القطاع المالي وتقوية البنوك الفاشلة وتدقيق حسابات المصرف المركزي، وهي إجراءات عطلوها. وعليها التاكيد أيضا أن أي خطة تعافي يجب ان تحمي المودعين الصغار وتقدم الدعم الإجتماعي لمن هم عرضة للمخاطر الإقتصادية في البلاد. وتحتاج الولايات المتحدة لأكثر من الكلام وشجب الفساد، بل عليها فك ارتباطها مع النخب السياسية والمالية وبخاصة سلامة المسؤول عن الإنهيار المالي. وهذا أمر مهم لأن القتال السياسي المحلي متواصل حل من يجب لومه عن الأزمة ومن يجب تدفيعه الثمن.

وينفي البنك المركزي والبنوك التجارية أي مسؤولية عن الأزمة الحالية.

وفي داخل النقاش الداخلي، فقد حاولت النخب التي تقف أمام الإصلاح تقوية صلاتها مع الولايات المتحدة، ولهذا السبب صورت النخب تفاعلها ولقاءاتها مع المسؤولين الأمريكيين على أنها رضى من واشنطن عنهم.

ويجب ألا تظهر الولايات المتحدة بمظهر من يقف مع جانب في الأزمة.

وعوضا عن ذلك عليها أن تظهر جديتها بمكافحة الفساد وفك ارتباطها بالنخب المسؤولة بفرض عقوبات على رموز مسؤولة عن الأزمة ومن كل الطوائف. وهناك بعض الآثار لاتخاذ مواقف متشددة وضرر على العلاقات الطويلة مع الساسة اللبنانيين والنخب المالية، إلا أن هذه الرموز لا خيار أمامها إلا التعاون مع أولويات أمريكا في مكافحة تمويل الإرهاب واستبعاد حزب الله من شبكات البنوك الدولية. وعلى أية حال فعلى الولايات المتحدة التركيز على إنقاذ لبنان من الإنهيار بدلا من الحفاظ على علاقتها مع النخب الذين تسببوا في أزمته. وهذا يعني الدفع بإصلاحات مؤلمة حتى لو أثرت على الساسة الذين لهم علاقات قوية مع واشنطن.

ويظل لبنان بمثابة امتحان لأجندة بايدن لمكافحة الفساد، وما ستفعله هناك لن يؤثر على البلد بل سيظهر لكل الأنظمة الفاسدة حول العالم جدية إدارته. وعلى إدارة بايدن التأكيد للنخب المالية والسياسية في لبنان أنها لن تتسامح مع أي فساد مثل الذي دمر اقتصاد البلاد. والفشل في هذا الإمتحان يعني أن اجندة بايدن هي مجرد كلام.

مصدر المقال : اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى