المحامي كريم ضاهر: الأولوية لإعادة إنتظام المؤسسات، إنتخاب رئيس، “حكومة مُهمّة” ورزمة من الإصلاحات الأساسية لمكافحة الفساد
ملتقى حوار وعطاء بلا حدود يستشرف الآفاق السياسية والإقتصادية في لبنان على مشارف الـ 2023!؟
د. طلال حمود:
كعادته في مواكبة آخر التطوارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمعيشية في لبنان، وكما اخذنا على عاتقنا في العام الماضي في “ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ” و”جمعية ودائعنا حقنا” عبر اعتمادنا على قاعدة الحوارات الإستشرافية مع سياسيين، مُفكّرين، خبراء إقتصاديين، مُثقفين، إعلاميين وكتًاب لبنانيين لامعين يستشرفون بتحليلاتهم ورؤاهم تطوّرات وآفاق الأوضاع المحلّية مع اقتراب انتهاء السنة الميلادية وحلول السنة الجديدة، قمت هذه السنة ايضًا وضمن ذات السياق وبإسم الملتقى والجمعية بالتواصل مع عدد كبير من الخبراء المُتخصّصين في مختلف المجالات في محاولة لإستطلاع إرائهم وتقييمهم لمسار الأوضاع السياسية والإقتصادية في لبنان على مشارف العام 2023.
وإذ اشكر بإسم أُسرة الملتقى الأصدقاء الذين قدّموا في السنة الماضية رؤاهم وتحليلاتهم التي أظهرت بمعظمها دقّة في التحليل والقراءة الإستشرافية للعام 2022، فإن مراوحة الواقع اللبناني على حاله، ودخول لبنان منذ ثلاث سنوات تحديدًا في تعقيدات وأزمات خطيرة ومُستجدّة عليه قد تُهدّد كيان هذا الوطن، واهمّها الفراغ الرئاسي في ظل وجود حكومة تصريف اعمال يُقاطع جلساتها شريحة وازنة من اللبنانيين، وفي ظل إستمرار الإنزلاق السريع نحو القعر على كل المستويات الإقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والصحية، فإن كل ذلك دفعنا ايضًا هذه السنة الى إجراء اوسع مروحة من المشاورات في محاولة لإستشراف آفاق العام القادم ومعرفة مآلات الأمور على كل المستويات. إن كل هذه التطورات إستدعت إذًا ان نقوم بواجبنا الوطني الذي آليناه على انفسنا منذ تاريخ إطلاق هذا الملتقى منذ خمسة سنوات، ومن اجل قراءة مُماثلة لآفاق العام 2023 سياسيًا وإقتصاديًا وعلى مستوى الإصلاحات الجذرية المطلوبة في كل المجالات، وخاصة تلك المُتعلقة بملف مكافحة الفساد، إسترجاع الأموال المنهوبة والمُهرّبة والمُحوّلة، إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتطهيره وإعادة إطلاق عجلة الإقتصاد.
وقد توجّهت للأصدقاء الذين تواصلت معهم بمجموعة من الأسئلة المُرتبطة بتحليلاتهم وتصوّراتهم وتقديراتهم لما ستؤول إليه الأوضاع اللبنانية في العام 2023 وهي الأسئلة التالية:
١. ما المخارج التي يُمكن أن تؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وبما لا يجعل أمد الفراغ الرئاسي طويلًا ؟ وهل يُمكن لبننة الإنتخابات الرئاسية ؟ وهل ثمة شخصية معينة تتقدم على غيرها في السباق الرئاسي؟
٢. في حال تمّ التوافق على إنتخاب رئيس للجمهورية هل يعني هذا الأمر وقوف لبنان على عتبة الإنقاذ والخروج من مُعضلاته كافة؟ وما مستقبل العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر؟ وهل يمكن ان يذهب التيار إلى التوافق مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب والبطريركية على مرشح رئاسي واحد؟
٣. ما الوسائل والخطط التي لم تعتمدها القوى السياسية صاحبة القرار لمعالجة الأوضاع الإقتصادية والمالية عمدًا او تقصيرًا او تآمُرًا ؟ وما هي هذه الوسائل ؟ وما الذي يمنع اعتمادها واللجوء إليها ؟
٤.هل المطلوب حتمًا الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي أم أن التعديلات الدستورية والمؤتمرات الحوارية (الداخلية او الخارجية) تفي بالغرض؟
٥.ما التقديرات المرتبطة بالعام ٢.٢٣ ؟ وهل يُمكن أن يشهد بدايات حلّ ام أن ازمات لبنان الإقتصادية والسياسية نحو مزيد من التعقيدات والإنهيارات.
على ان نقوم بنشر هذه المداخلات تباعًا على شكل اجزاء مُتتالية ننشر في كل جزء منها اجوبة السياسيين والخبراء الذين استطلعنا آرائهم فور الإنتهاء من إعدادها وصياغتها.
وفي هذا الجزء الأول من هذا الملف، نقف عند رأي رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر. وهو عضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) وعضو لجنة ” FACTI” في الأمم المتحدة، والذي قارب الموضوع اكثر من ناحية الحاجة الى الإصلاحات التشريعية والى تطوير قوانين مكافحة الفساد واعتماد الشفافية والحوكمة الرشيدة في إدارة كل شؤون هذا الوطن، خاصة وان الاستاذ ضاهر يُعتبر احد اهم خبراء الشؤون المالية والضرائبية في لبنان، وهو له باع طويل في لبنان والعالم في مجالات مُتعددة منها على سبيل المثال لا الحصر تعزيز الشفافية والتنمية المُستدامة، محاولات السعي لإسترداد الأموال المنهوبة والمهرّبة والمحوّلة، إما بسبب الفساد، أو من خلال عمليات تتعلّق بالتهرب الضريبي أو الإحتيال.
المحامي كريم ضاهر
إفتتح كلامه بالثناء على جهود الملتقى في مختلف المجالات، قائلًا إن اوّل الغيث يكون بالخروج من الجمود المُدمّر والإنتهاء من المراوحة التي نعيشها. ويتمّ هذا الأمر من خلال إعادة إحياء وانتظام المؤسسات وبالأولوية انتخاب رئيس للجمهورية، تكون سماته الاساسية؛ النزاهة، الشفافية، الكفاءة والوطنية بمعنى ان يكون رجل دولة يخدم ولا يُخدم، رئيسًا يسهر على حماية الدستور وتطبيقه ضمن الصلاحيات التي يتمتًع بها والتي اعطاه اياها الدستور لا سيما ضمان وحدة الوطن وسيادته ونطامه الإقتصادي الحرّ والديمقراطي واحترام الحرّيات العامة والعدالة والمساواة بين المواطنين وايضًا المُقيمين والملكية الفردية، كما وفصل السلطات وتأمين العيش المُشترك والإنماء المُتوازن.
بعدها، نستطيع تشكيل حكومة خارجة عن المُحاصصات والاصطفافات. ومن الافضل ان تكون “حكومة مُهمِة” مع صلاحيات تشريعية استثنائية ضمن فترة زمنية مُحدّدة بالحقلين الإقتصادي/المالي والاجتماعي. والتاريخ يشهد انه بعد الازمات الكبيرة التي عصفت بلبنان في سنة ١٩٥٨، وبداية الحرب الأهلية في العام ١٩٧6، وعند الإجتياح الاسرائيلي في العام ١٩٨2، جاءت “حكومات مُهمِّة مع صلاحيات إستثنائية سمحت بإستصدار تشريعات مُهمة جدًا لا زلنا نستفيد منها ونحتكم بها لتاريخ اليوم.
اذًا عندما يكون هناك حكومة مُتضامنة مُنكبّة على العمل كالحكومة التي نتحدّث عنها، يُفترض المُباشرة بتنفيذ التشريعات والتدابير التي يتمّ الإتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي للحصول على دعمه وغطائه. وهي لا تقتصر على القانونين اللذين طُرحا بمجلس النواب مُؤخرًا اي الكابيتال كونترول وإعادة التوازن للنظام المالي وإعادة تنظيم المصارف. بل يجب ان تشمل قوانين وتدابير اخرى كتوحيد سعر الصرف والتدقيق بحسابات المصارف وغيرها من الأمور الخاصّة بالمصارف، والتي يجب ان تُستكمل بإطار عادل خارج اطار المصلحة، وبالتأكيد البداية بتحديد المسؤوليات وعدم التمييز بين الودائع على أساس مجحف بل التمييز بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع لتخفيض الفجوة وضمانة الحقوق.
أما بالنسبة لموضوع الودائع وأموال المُودعين التي هي في غاية الاهمية اليوم، لا بد من التمييز بين الودائع المشروعة وغير المشروعة وتحديد قيمة الفجوة المالية ومواجهة المُودعين بالحقيقة ومُصارحتهم وإشراكهم بالتدابير التي ستُتخذ لإيجاد حلول لكيفية إعادة تسديد ما هو مُستحقّ لهم، او اقلّه ضمانة هذه الحقوق والتعويض عليهم الى حين ايجاد القدرة والإمكانية بعد اطلاق العجلة الإقتصادية وتحفيز النمو، وبعد إسترداد الاموال غير المشروعة المنتأتية من اعمال الفساد وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وغيرها.
من هذا المنطلق المفروض أن ننكبّ دون تأخير على مُعالجة الاوضاع المُتردّية على كافة الصعد المالية والاجتماعية والمؤسساتية.
أولًا، المفروض توحيد سعر الصرف، وضع خطة التوازن للمالية العامة موضع التنفيذ، تطبيق كافة القوانين المرعيّة الاجراء لا سيما منها المصرفية، مسح شامل للوضع الاقتصادي والإجتماعي والمعيشي وفقًا للواقع على الارض. ثم إعداد خطة عملية تُحاكي الظروف الفعلية والحقيقية للبلد وخصوصيته. ومعالجة اوضاع ومشاكل الطبقة الوسطى التي اصبحت منكوبة، والتي تستطيع اعادة اطلاق العجلة الإقتصادية. وبالموازاة يجب تأمين شبكة حماية اجتماعية تفتقدها الطبقة الفقيرة لتدارك أي برنامج تعافي وإصلاحات يتمّ تطبيقه.
اما بالنسبة لموضوع المالية العامة، المفروض ضبط النفقات غير المُجدية وتأمين ايرادات ذكية وان لا يُتّخذ اي تدبير على الصعيد الضريبي كما حصل مؤخرًا، او فرض اي رسم دون دراسة جدوى إقتصادية ومحاكاة تُحدّد مسبقًا النتائج المُترتبة. وعلى ضوئها نستطيع ان نُحدّد ما هي التدابير التي سنعمل بها وما هي الإيرادات الذكية التي لا تؤثّر سلبًا على الإقتصاد والمجتمع.
ومن الافكار التي تُطرح حاليًا: الضريبة التضامنية على الثروة، الضريبة المُوحّدة على الدخل، رسوم اضافية على الشقق والاراضي الشاغرة، تفعيل تحصيل المتأخرات ورفع لنسبة الضريبة المترتبة على النشاطات المضرّة للبيئة والصحة وتخصيصها للمشاريع والنفقات الإجتماعية والصحية الضرورية، كما وتفعيل تبادل المعلومات لتأمين دفع الضريبة على رؤوس الاموال الموجودة بالخارج، مُكافحة التهرّب الضريبي… ومن أهم عناصره تعميم الرقم الضريبي والمكننة، لأن ذلك يِؤمّن إيرادات للدولة قبل فرض ضرائب جديدة، بالتزامن مع ترشيد الإنفاق. إضافة لذلك يكون على الحكومة الجديدة العمل على اصلاح الهيكلية الشاملة للمؤسسات الادارية القائمة واصلاح القطاع العام والتخلًص من التوظيف غير المُجدي وملء الشواغر الموجودة وتحسين الاداء بإعادة تأهيل وتدريب مُستمرّ لموظفي القطاع العام الإدارين منهم، لكي يستطيعوا القيام بواجباتهم، وتفعيل دور الاجهزة الرقابية التي هي حاجة ضرورية لإنتظام عمل المؤسسات الادارية وإعادة عجلة الإقتصاد لجذب الحركة الإستثمارية والإغترابية، لانهم عامل مُهمّ وفاعل لتوازن ميزان المدفوعات والحساب الجاري وتأمين العملة الصعبة لتسديد ما هو مُترتّب على الدولة اللبنانية من ديون وخاصة الديون المُترتّبة للمودعين.
لذلك علينا العمل على إستقرار تشريعي وأمان قضائي من حيث سرعة صدور الاحكام، التي يجب ان تكون حيادية وعادلة بالنسبة للمُدّعين، وتفعيل التعاون البنّاء للإدارة الضريبية والمُستثمرين وإعتماد سياسة ضريبية إنتاجية تُساعد في حلحلة الاوضاع، وتأمين مُتوازن عن طريق إقرار قانون اللامركزية الادارية والمالية المُوسّعة التي تؤمن الحدّ من الهدر والتفاوت بين المناطق.
ونؤكد على أنه اذا أمكن إعادة احياء وزارة التصميم العام فمن شأن ذلك المساعدة على مواكبة وتحقيق ما تقدم.
ومن حيث عملية اطلاق العجلة الاقتصادية، من المُمكن تحسين البنى التحتية وتأمين الخدمات البديهية لتخفيض سعر الكلفة لتحسين البنى التحتية وتأمين كلفة مُخفّضة للإنتاج وفتح اسواق جديدة، لا سيما في بلاد الإغتراب.
هذا، ومن المهم أيضًا في السياق عينه إنشاء وحدات ومراكز دراسات ومُختبرات اكاديمية وعلمية للمساعدة والمحافظة على الطاقات الشبابية اللبنانية.
كما يجب وضع قوانين مكافحة الإحتكار والمُنافسة موضع التنفيذ والإنتقال الى الحكومة الإلكترونية والتحوّل الرقمي والحدّ من البيروقراطية ومُكافحة الفساد بكافة أوجهه. ومن هذا المُنطلق نُطبّق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بأهدافها الثلاثة: الشفافية، المُحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
واكمل ضاهر، أمام هذه التدابير الصعبة والتي يمكن ان نعمل عليها وبها، خاصة ان الشعب اللبناني شعب صامد وتعوّد على الصبر والصمود، نتأمل خيرًا لإنقاذ لبنان. لكننا نؤكّد ان اول الغيث هو إجراء محاسبة ذاتية على الصعيد الفردي وعلى صعيد المجموعات لأن البلد اهم من اي مصلحة خاصّة، ويمكننا بشجاعة وعزم وارادة وتجرّد ان نعمل ونسير بالإصلاحات التي ذكرتها والتي هي افضل من حالة المراوحة والموت السريري الذي نعيشه.
ملاحظة: كل الشكر للسيدتين سمر حيدر واميرة سُكّر على مساهمتهما الفعّالة في هذا النشاط وفي صياغة وتنقيح النصوص.