كيف لنا أن نَنهَضَ بشبه مزرعةٍ إلى مَصافِ الدولِ الراقِيَة | كتب العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
كيف لأمَّةٍ أن تنهَضَ وحَميرُها تَجرُّ جِمالِها، وذئابُها تَرعى خِرافَها، وأرانبُها تَقودُ أسودُها، وجُهلاؤها يَنصحون مُثقَّفيها، وحُمقاؤها يرشِدونَ عُقلاءَها.
كيف لها أن تنهضَ وشعوبُها تقيمُ النُّصبَ والتَّماثيلَ لزُعمائها وهم أحياء، وتهدِمُها بعد مماتهم.
كيف لها أن تنهض وقادتها منفصمون عن محيطهم وهواجس شعوب بلدانهم.
كيف لها أن تنهض، وكُلُّ دولةٍ على ألد الخصومة مع أشقائها وجيرانها.
وكيف لوطن أن ينهض ومواطنوه يَشعرون انهم غُرباءُ لاجئين على أرضه.
وكيف له أن ينهض والمواطنة في عبودية وتمييزٌ عُنصريٌّ.
وكيف له أن ينهض والانتماءُ فيه يقتصر على مُجرَّد بطاقةِ هويَّة.
وكيف له أن ينهض، والولاءُ فيه إما لمحاورَ خارِجيَّةٍ وإما داخليَّةٍ عُنصريَّةٍ اثنيةٍ أو طائفيَّةٍ أو مذهبيَّة.
كيف له أن ينهض، والتديُّن فيه تعنصرٌ وتزمتٌ وطقوسٌ شكليَّةٌ أكثرُ منها روحيَّة.
كيف له أن ينهض، ونسبة أبنائه المُقيمين فيه لا تزيدُ عن ربعِ المُغتربين شبه المنفيين منه.
كيف له أن ينهض، وعددُ اللاجئين فيه، او المجنسين يفوقُ عددِ اللبنانيين من أبوين لبنانيين.
كيف له أن ينهض، والمرأة اللبنانية محرومةٌ من حقِّها في توريثِ جنسيَّتِها لأبنائها، والزوجةُ الأجنبيَّةُ بمُستطاعِها تقديمُ الجنسيَّةِ اللبنانيَّةِ لأولادِها لمُجرَّدِ عقد قِران بلبناني ولو صوريَّا.
وكيف لدولةٍ أن تنهضَ ودُستورها أشبه بصك يستغلُّ لتبرير كل الممارسات التعطيلية، وشل المؤسَّسات وخرق القانون، وتعطيلِ سَيرِ العَدالة.
وكيف لها أن تنهَص، والسُّلطة التَّشربعيَّةُ تفرضُ ذاتها كشريك مُضاربٍ للسلطة التنفيذية.
وكيف لها أن تنهض، والقضاءُ مُعطلٌ بسبب التَّدخُّلاتِ السِّياسِيَّة.
كيف لها أن تنهض، ومُعظمُ المتبوئين لمناصب رسمية أما مُقاولين او مُلتزمين او مُساهمين او أصحاب شركاتٍ أنشئت حصرا للتعامُلِ مع الدولة أو تسييرِ القِطاعاتِ الحَيويَّة.
كيف لها أن تنهَض، ويُؤتَمنُ فيها النصَّابون على المالِ العام.
كيف لها أن تنهَض، ويُمنحُ فيها مُقرصنوا الاملاكِ العامَّةِ إجازاتٌ رسميَّةٌ تُشرِّعُ قرصَنتهُم للأملاكِ العامَّة.
كيف لها أن تنهض، والمُحاكماتً الاعلاميَّةُ تتفوقُ أحكامُها سطوةً على قراراتِ المراجِعِ القضائيَّة، فتبرِّيء من تَشاء وتدينُ من تَشاء، وتشهِّرُ من تشاء، وتبيِّضُ صفحاتِ كِبارِ المُجرِمين.
وكيف لها أن تنهض، ويُرفضُ فيها الفائزن بمعدل ١٥/٢٠، ويُقبلُ فيها الراسبون بمُعدلٍ يقلُّ عن ٥/٢٠ .
كيف لدولةٍ أن تنهضَ وتفشلَ فيها المؤسَّساتُ الرَّسميَّةِ لتُباعَ مُقتنياتُها وخَدماتُها وتجهيزاتُها بأبخسِ الأثمانِ لنافذين في السُّلطَة.
كيف لها أن تنهضُ، وتداولُ السُّلطةِ والمناصِبِ يَحكمُهُ التَّوارثُ السِّياسي.
كيف لها أن تنهضَ ويُطلبُ من المُعدَمين التبرُّعُ عِوضا عن اختلاساتِ الأثرياء ناهبي المال العام.
كيف لها أن تنهض وحُكَّامُها يتآمرون على شَعبِها.
وكيف لها أن تنهضُ وقادةُ ميليشياتِها يعينون رؤساءها ووزراءها وموظفيها، ويحددون مراكِزَهم.
وكيف لها أن تنهضَ ومُفتِّشوها، يُبرِّرون انتهاكاتِ كبارِ المُرتكبين فيها.
كيف لها ان تنهضَ ومراقبوا الضَّرائب، يعملون كمُدققين ماليين لدى الشَّرِكاتِ الخاصَّة.
وكيف لها أن تنهض وبعضٌ من المُراقبين الجُمرُكيين، يتولى تَخليصَ البَضائعِ المُستورَدَةِ او المُصدَّرة.
وكيف لها أن تنهض، والمياهُ العُموميَّةُ تُمنعُ عن المواطنين لدَفعِهِم للتزودِ بالمياهِ عبر الصَّهاريجِ الخاصَّة.
وكيف لها أن تنهض، ويقررُ المسؤولينَ وقفَ العَملِ بمعاملِ انتاج الكهرباء، ليُستعاضُ عنها بشبكةٍ مُضارِبَةٍ من المُولِّداتِ الخاصَّة.
وكيف لها أن تنهضَ والمسؤولون يرون في تخطي الازمَةِ الاقتصاديةِ المُستحكمةِ بوقفِ الانتاجِ واستِجداء الهِبات والمساعدات من الخارج.
كيف لها أن تنهض من أزمتها الاقتصادية، وقد شُلَّ العملُ في جميعِ إداراتِ الدولة والمؤسَّساتِ الرَّسميَّةِ والخاصة.
وكيف لها أن تنهض، ويُقرِّرُ مسؤولوها استبدالَ رواتبِ موظَّفيها بمُساعداتٍ شَهريَّةٍ إءلاليَّة لا تُسمنُ ولا تُغني عن جوع.
كيف لها أن تنهض، وعُقولُ شعبِها مُلوَّثةٌ بسمومِ المذهبيَّةِ والطائفيَّة.
كيف لها أن تنهضَ وشَعبُها تتحكمُ بسلوكياتِهِ العاداتُ العشائريَّةُ والقبليَّة.
كيف لها أن تنهض، وهي تدفعُ بشبابها إلى الهِجرَة، وكيفَ لها أن تنهضَ وجيشُها ممنوعٌ عليه التَّفرُّغُ لمَهامِه الدِّفاعِيَّة.
كيف لها أن تنهض، وأجهزتُها الامنيَّةُ عاجزةٌ عن تأمين الاستِشفاء لضبَّاطِها وعناصِرها حتى وإن أصيبوا خلال تأديتهم لواجباتهم الوظيفيَّة.
كيف لها أن تنهض، ووزراؤها معينون بالتَّوافُقِ والمُحاصصةً ما بين قادة الميلبشيات، الذين يتقاسمون في ما بينهم مناصبَ السُّلطتين التَّشريعيَّةِ والتَّنفيذيَّة.
كيف لها أن تنهض ونوابُها أشبهُ بروموت كونترول، يُصوتون على القوانينِ وَفقَ أجنداتِ وإملاءاتِ الزَّعيمِ لا قناعاتِهِم الوَطنيَّة.
كيف لها أن تنهض، وأحزابُها كنايَةٌ عن كانتوناتٍ مَذهبيَّةٍ ذاتِ مُمارَساتٍ ميليشياويَّة.
كيف لها أن تنهضَ ويتولى فيها خِصيانُ البَلاطِ لدى الزُّعماءِ تَسميَةَ القادَةِ العسكريين والأمنيين وكِبارِ المًوظَّفين في الدَّولة.
وأخيرا السؤالُ الذي يطرحُ ذاته، كيف لنا نحن اللبنانيين أن ننهضَ بأشلاء دولتنا إلى مصاف الدُّولِ الراقية، ونحن نعيش في كِيانٍ مُسمَّى دَولةٍ وما هو بدَولة، بل شِبه مزرعَةٍ تُدارُ وفقَ مُقاسَمَةٍ رِضائيَّةٍ تَحاصُصِيَّة؟؟؟
اتركُكم مع هذا السؤال، للتفكير بحلول واقِعِيَّة، على امل ان أوفِّق بإجاباتُ واقِعيَّةٍ في مَقالاتٍ لاحِقَة.