” مربع حيتان المال، الفساد، مضبطة الاتهام الدولية وآليات التعافي والانقاذ” | كلمة العميد البروفسور فضل ضاهر في اللقاء النخبوي العلمي
بتاريخ ١٠/١/٢٠٢٣
اسعد الله مساءكم جميعاً بكل خير،
يشرفني وجودي بينكم تلبية لدعوتكم الكريمة، ولا يفوتني انتهازها سانحةً لأتقدم منكم ومن عيالكم ومحبيكم بأطيب التمنيات بدوام الصحة والسلامة والأمان، مع اخلص الدعاء بخلاص الوطن وإنسانه من المآسي ومن الاوضاع الكارثية التي يكابدها كل مواطن حر شريف، كما وانه يهمني، بداية، التوجه بالاعتذار من الاصدقاء الذين سبق ان تفاعلوا، سواء بالتقديم ام بالنشر واعادة النشر، مع معظم مقارباتي السابقة منذ ٤/١٠/٢٠١٩ ولغاية تاريخه، التي تجاوزت الخمسين دراسة ومقالة، والتي سوف يتخلل هذا اللقاء تكرارٌ لبعضها على الرغم من تعمدي اعادة تبويب مضامينها لتسهيل مناقشتها اولا، ولمزيد ملاءمتها مع آخر المستجدات حول عنوان اللقاء ثانياً.
واني لآمل ان نتمكن معاً من تسليط الضوء على الحقائق المغيّبة عن سابق تصور وتصميم من قبل مربّع حيتان المال، وذلك لأغراض تفعيل مساهمتنا في بعث آلية تعاون وتنسيق لرسم خارطة طريق الإنقاذ الحقيقي والفعلي بآلياته الوطنية المتوفرة، خلافا لكل التوهمات الدونكيشوتية الضّالة والمضلّلة.
اولاً: في المصطلحات والتعريفات المرجعية ذات الحجية والاسباب المسقطة للأكاذيب المضللة، والمثبتة من جهة ثانية للحقائق المسندة والدامغة التي سنعرضها.
أ_ في التعريفات القانونية الملزمة والمسندة الخاصة ذات الطبيعة التقريرية الواقعية والمشهودة ( مربع حيتان المال/الاموال المنهوبة والمهدورة والمهربة/الحماية القانونية لاموال المودعين/شمّاعة السرية المصرفية /قوننة الافلات من العقاب/هيئة التحقيق الخاصة/ الشرعية والمشروعية)
ب_ المصطلحات العامة، الملزمة كذلك، والمجسدة في قوانيننا بمقتضى الفقرة ب من مقدمة الدستور( الموظف العمومي/ غسل الاموال وتمويل الارهاب/ الاموال غير المشروعة والممتلكات المتحصلةمنها/الوحدات المركزية المالية للتقصي والتحقق والتدقيق / عرقلة سير العدالة/ آليات التعاون الدولي(التحقيق المشترك،تسليم المطلوبين، حجز وضبط العائدات الجرمية، عدم جواز تذرع الدولة متلقية طلب التعاون بالسرية المصرفية…الخ)
ثانياً: مضبطة الاتهام الدولية: منطلقاتها المرجعية_ عناصرها ومقتضيات المتابعة الناجعة والفاعلة.
أ_ في الشكل: المنطلقات والتصميم . تقرير المقرر الأممي الخاص السيد دي شوتر.
ب: مقتضيات المتابعة الناجعة والفاعلة ذات الأولوية المطلقة
اخذا بالاعتبار لما شهدته الاسابيع المنصرمة من تسابق ملحوظ لاستحضار خبر نشر تقرير المراقب الأممي البلجيكي السيد اوليفييه دي شوتر حول الفقر المدقع وحقوق الانسان في لبنان،ونظرا الى اهمية ما تضمنه هذا التقرير من مضبطة اتهام دولية لنهج متكرر ومنتظم من قبل مجموعة منظمة في اضطهاد ٩٨ بالمئة من الشعب اللبناني مع العلم المسبق بالنتائج .فانه لا بد لنا في هذا اللقاء من التوسع في مناقشة اسباب ووسائل استثمار هذه المضبطة الاتهامية الدولية بالغة الاهمية،مبديا الملاحظات التالية:
اولا-عدم جدوى الاكتفاء بتعميم خبر صدور التقرير في ضوء انعدام الرؤية، المصاحبة للنشر، حول كيفية استثمار هذا التقرير مستندا ودليلا موضوعيا دامغا يركن اليه منطلقا لأية خطة واقعية للانقاذ وللتعافي عموما، ولضمان حماية أموال المودعين المتوجب إعادتها الفورية كاملة وبعملة الإيداع تحديدا، بما في ذلك حتمية الإقلاع عن التوهمات الدونكيشوتية ،(بل المناورات الاحتيالية المنسوبة تضليلا الى اشتراطات المقرض صندوق النقدالدولي)، لاستصدار عفو مقنع عن مرتكبي جرائم موصوفة متمادية ومتعاقبة وخطيرة لا تقادم لمرور الزمن يسري عليها بمقتضى التزامات لبنان الدولية المجسدة في قوانيننا الوضعيةالنافذة،ولا مشروعيّة دستورية بالتالي لأية قوانين متوسلة هادفة الى الغاء دور السلطة القضائية (المستقلة وجوبا بمقتضى الدستور وفي ضوء الاجتهاد الواضح المعمم بقرار للمجلس الدستوري) ،وذلك من خلال كف يد القضاء تكريسالمحاولات قوننة الإفلات من العقاب المعتبرة اشتراكا جرميا وعرقلة لسير العدالة. ناهيكم بالطبع عما يشكله ذلك من انتهاك لجميع المبادئ الانسانية السامية الجابّة والمتقدمة على ما عداها، المتضمنة في المواثيق الدولية سيما منها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليّين المكمّلين لهذا الإعلان.
ثانيا: الجهل او التجاهل غير المبررين ، لصفة ولطبيعة عمل المقرر الخاص الأممي واضع التقرير ، إن لجهة اعتباره نائبا للامين العام للأمم المتحدة ، ام لجهة توصيفه بمساعد له خلافا للواقع ومجافاة لأهمية ولصدقية ما تعنيه”استقلالية المقررين الأمميين الخاصين عن اية حكومة او منظمة” ،بما في ذلك عدم جواز اعتبارهم من موظفي الأمم المتحدة التي لا تنقدهم اية رواتب لقاء اعمالهم التي يتممونها على اسس طوعية متوافق عليها وضامنة لموقعهم المتميز المرتكز الى حيادهم واستقلاليتهم قبل اي اعتبار
ثالثا: من جهة ثانية ، و على سبيل التوضيح والتأطير في سياق متصل بموضوعه وأهدافه ومراحله ،تأكيدا لاهميته، فان تقرير السيد دي شوتر بنتيجة زيارته الى لبنان من ١ الى ١٢ نوفمبر ٢٠٢٢(المستند الى قرار مجلس حقوق الانسان رقم ١٣\٤٤ ) قد جرى استعراضه في الدورة الخمسين لمجلس حقوق الانسان المنعقدة من ١١\٦ الى ٨\٧ ٢٠٢٢،كبند أول من جدول اعمال هذا المجلس بموضوع ” تعزيز وحماية جميع حقوق الانسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية”، وتحت عنوان ” الزيارة الى لبنان- تقرير المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الانسان- اوليفييه دي شوتر.“
وتقتضي الاشارة هنا ،الى ان الاستقلالية المتوجبة على المقرر الأممي السيد دي شوتر عن اية حكومة او منظمة ، السابق ذكرها، تساهم في تعزيز موقعه المتميز ضمن ما يسمى “بالاجراءات الخاصة لمجلس حقوق الانسان”، المصنفة كأكبر هيئة للخبراء المستقلين في نظام الأمم المتحدة لحقوق الانسان، والمندرجة ضمن آليات هذا المجلس المستقلة المعنية بالاستقصاء وبالرصد، سواء لمواجهة قضايا مواضيعية thématique في كل انحاء العالم، أم لمعاينة ومعالجة حالات قطرية محددة كما هو الحال بالنسبة الى لبنان. كما وان تكليفه بإبلاغ تقريره اصولا الى مجلس حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة لاستعراضه بندا اولا، ضاعف من اهمية توصياته التي سيتوجب على لبنان( المشمول بإجراءات الرصد والتقصي المتممة بكل احتراف ودقة)، بيان مدى التقيد بها تجاه المجتمع الدولي. إضافة الى ما قد يتيحه ذلك للسيد الأمين العام للأمم المتحدة من اسباب الاستناد الى مجموعة الدلائل الوقائعية والموضوعية في التقرير لتقدير مدى خطورة توافر اركان الجرائم ضدالانسانية ( المنصوص عليها بالمادة السابعة لنظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية) من اجل تفعيل آليات ارسال لجنة تقصي وتحقيق الى لبنان، فيما لوتمادت”االمجموعة المنظمة المرصودة والموصوفة بالتقرير ، بسلوكها الممنهج والمنتظم والمتكرر لاضطهاد السواد الاعظم من مواطنينهاعن سابق تصور وتصميم ومع العلم المسبق بالنتائج، اللهم الا اذا ارتات هذه المجموعة المبادرة الى طلب تسوية اوضاعها واعادة ” الاموال غير المشروعة مع الممتلكات المتحصلة منها ، في إطار آليات ” العدالة التصالحية المعتمدة دوليا، ووفقا لمعايير “جبر الضرر بين الجناة والضحايا بمشاركة المجتمع”، المعتمدة دوليا بنتيجة اعمال مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين الذي عقد في فيينا سنة ٢٠٠٠م. واني،في ختام هذا الفقرة الهامة،استميحكم العذر لتقديم اقتراح عملي يذهب ابعد مما درجت عليه العادة من استصدار توصيات نادرا ما تطبق، قوامه الدعوة الملحة والعاجلة الى تضافر جهودنا من اجل تشكيل خلية متابعة، متعاونة ومنسقة ، لأغراض تحقيق ثلاثة أمور اساسية تشكل ممرا الزاميا للخروج من النفق: 1. حماية اموال المودعين حتى آخر فلس، لاعتبارها ملكية فردية وحقوقا ثابتة مصانة بالمواثيق وبالدستور وبالقوانين الوطنية الوضعية( لاسيما النقد والتسليف، الموجبات والعقود، التجارة البرية)
2.تصحيح مسار المعالجات القضائية والادارية في إطار تفعيل اجراءات الاستعادة العاجلة للأموال المنهوبة والمهدورة والمهربة ، دحضا للادعاءات التضليلية حول إفلاس الوطن ومؤسساته المالية المعنية،الموصوفة في التقرير الأممي بانها “حيل محاسبية للخسائر من قبل مصرف لبنان ومن المصارف”، موسومة ، كما وثقها التقرير، “بعدم الشفافية وبعشرات حالات الاعتداء على حقوق الانسان الناجمة عن سياسات مصرف لبنان من جهة وعن ممارسات المنتفعين من النظام السياسي الفاسد”.
3. التصدي لمحاولات اصدار عفو مقنع عن جميع الافعال المجرمة الموصوفة بالتقرير وعن مرتكبيها سيما منها رزمة القوانين المقرة مؤخرا و/او التي في طور التشريع كالكابيتال كونترول ورفع السرية المصرفية ( القانون ٣٠٦ المطعون به جزئيا خلافا لما كان متوجبا من طعن كلي لعلة توفر الأسباب الجوهرية لرده من قبل المجلس الدستوري والتي يمكن الاطلاع عليها على الرابط التالي ” انه نهج منتظم ومتكرر لحماية الفاسدين واختلاس أموال المودعين : دراسة تقييمية ناقدة لقانون تعديل “قانون السرية المصرفية تاريخ ٣\٩\١٩٥٦”.
ثالثاً: خطط الإنقاذ وآلياته الوطنية المتوفرة ( خارطة الطريق المقترحة من منظور حقوق الانسان).
أما بعد, وفي ضوء خطورة ما اصبح شبه مؤكد من استمرار اسباب اساليب التجويع والافقار المتعمدة ل 98% من الشعب اللبناني, سيما لجهة التمديد المتوقع لحاكم مصرف لبنان مهندس ارتكابات منظومة الفساد المتحكمة بالبلاد وبالعباد، المعتلمة بكل دقة في تقرير المقرر الخاص الأممي . فاني اقترح الانصراف بكل جدية وفعالية الى تكثيف الجهود لتأليب الرأي العام الداخلي والخارجي , من اجل تحرير هيئة التحقيق الخاصة من ارتهانها الراهن لارادة حاكم المركزي، المعين رئيسا لها خلافا للمعاييرالدوليةوللقوانين النافذة, بما في ذلك تنظيم سبل تواصلنا مع جميع رؤساء الكتل النيابية اذا امكن, من أجل اعطاء الأولوية المطلقة في اي تشريع مرتقب (أوأي تدبير اداري في حال التعذر), لدراسة واقرار اقتراح القانون المسجل لدى الادارة المشتركة لمجلس النواب برقم ورود ١٢٥٦/٢٠٢٢ تاريخ ٢٥/١٠/٢٠٢٢، والمتمحور حول تصحيح التشكيل الحالي لهيئة التحقيق الخاصة ضمانا لاستقلاليتها لكي تنهض بواجباتها كوحدة مركزية مالية مخوّلة قانونًا بالتقصي والتحقق والتدقيق واقتفاء اثر الاموال غير المشروعة دون أن يعتد تجاه اي من مدققيها بالسرية المصرفية المنصوص عليها في قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ ٣/٩/١٩٥٦…..