ازمة لبنانالاحدث
هذا هو الفرقُ بين رجل الدولة ورجل السياسة | بقلم هنري زغيب
وسْطَ ما أَنا ساعٍ إِليه دومًا لدى مسْتَمِعيَّ وقُرَّائي، أَنْ أُوضحَ لهم الفرق بين لبنان الوطن ولبنان السُلطة كي يعُوا أَنَّ ما يفرِّق بينَهم هو لبنانُ السلطة، وما يجمَع بينهم هو لبنانُ الوطن، وأَنَّ ما يُهَجِّرُهم هو لبنان السُلطة وما يحنُّون إِليه من الخارج هو لبنان الوطن، أَرى أَنَّ بين أَبلغِ ما قرأْتُ في هذا الموضوع: عبارةٌ أَطلقَها في القرن التاسع عشر الكاتبُ الأَميركي جيمس فريمان كلاركْ (1810-1888) جاء فيها: “الفرقُ بين رجل الدولة ورجل السياسة، أَنَّ رجلَ السياسة يفكِّر دائمًا في الانتخابات المقْبلة، بينما رجلُ الدولة يفكِّر دومًا في الأَجيال المقبلة، وأَنَّ رجلَ السياسة يعمَل لصالح حزبه أَو تياره أَو طائفته، بينما رجلُ الدولة يعمل لصالح بلاده”.
فعلًا : هذه العبارة من أَبلغ ما يقال في طبقة سياسيين فاسدين يتولَّون الحكْم فيُفْسدُون البلاد، وطبقةٍ راقيةٍ من رجال دولةٍ يتولَّون الحُكم فيُنشئُون في البلاد نهضةً إِدارية وسياسية وعمرانية واقتصادية ومالية وثقافية.
ولنا، ولدَينا، وأَمامنا، وبيننا، نماذجُ واضحةٌ لِما ورَد في عبارة كلارك البليغة.
فرجُل السياسة يتولَّى الحُكْم ولا يعود يتركُهُ وضميرُهُ ميْت، ورجل الدولة يتولَّى مسؤُولياته في الحُكم طيلةَ ما يتيح له الدستور، ثم يعود إِلى بيته وضميرُهُ حيٌّ ويترك لسواهُ في الحُكْم أَن يُكمل المسؤُولية في السُلطة حتى يتواصلَ سليمًا تَدَاوُلُ السُلطة.
رجلُ السياسة يقتني من الدولة، ورجلُ الدولة يقْتني للدولة…
رجلُ السياسة يَستخدمُ الدولة خدمةً لمصالحه، ورجلُ الدولة يَخدم الدولة لمصلحة البلاد…
رجلُ السياسة يستغلُّ منصبه ليُفيدَ محازبيه، ورجلُ الدولة يستقلُّ منصبَه ليُفيد مواطنيه…
رجل السياسة إذا هرم في الحكم أو خرج من الحكم، يورث أحدًا من نسله الفاسد على صورته، ورجل الدولة وهو في الحكم لا يوظف أَحدًا من أُسرته أَو أَقاربه كي لا يُتَّهَم هذا الأخير بالفساد أَو يخطئُ فيشوِّه صورة رجل الدولة في الحكْم…
رجلُ السياسة يُوهِمُ شعبَه بنظافة كفِّه، وكفُّه أَوسخُ من مزبلة فلا يصدِّقه من شعبه سوى أَزلامه ومحاسيبه والأَغناميين الببغاويين وراءه، ورجلُ الدولة يوجِّه شعبَه ولا يحتاج براءةَ ذمةٍ ولا فحصَ كفِّه لأَن شعبه كلَّه يُصدِّقه ويعرف تمامًا نظافةَ كفِّه قبْل الحكْم وخلاله وبعده.
يطول هذا الحديثُ، يطول…
وعندنا في لبنان نماذجُ ساطعةٌ من رجال دولةٍ تولَّوا مسؤُولياتٍ في السُلطة فنصَّعوا السُلطة ونهضوا بالدولة وشرّفوا الوطن، كما عندنا في لبنان نماذج مخْزيةٌ من رجال سياسةٍ تولَّوا مسؤُوليات في السُلطة فاستغلُّوا السُلطة وشوَّهوا الدولة وزعزعوا صورة الوطن في لبنان والعالَم وجعلوا لبنان شحَّادًا على أَرصفة الدول فكانوا بيلاطُسيين غسَلوا أَيديهم من دماء ما اقترفوه.
بسبب هؤُلاء صرَخَ في وجوههم جبران سنة 1920: “لكم لبنانكم ولي لبناني”، فاستقال من لبنان السلطة الفاجرة وانتمى إِلى لبنان الوطن الخالد الذي عاد هو ذاته فقال عنه: “لو لم يكُن لبنانُ وطني لاتخذتُ وطني لبنان”. إِذًا لم يَنْتَمِ إِلى الدولة بل إِلى الوطن.
هكذا اللبنانيون اليوم، على نهج جبران، يَلْعنون معيشيًّا فسادَ أَهل السُلطة مُدمِّري الدولة، وينتمون عاطفيًّا إِلى لبنان الوطن الذي يحضُنُنا جميعًا وينتظر أَن يتولى سلطتَه رجالُ دولة أَكفياء يُعيدون إِلى الوطن هَيبَتَهُ التي أَفقدَه إِياها سياسيون لا يستحقُّون نعمة أَن يكونوا من أَبناء لبنان.