المعركة من أجل آسيا.. ما رؤية الصين والولايات المتحدة في قمة شانغريلا الأمنية | بقلم د. علوان أمين الدين
افتتحت قمة شانغريلا الأمنية في سنغافورة، والتي أطلق عليها بالفعل لقب النظير الآسيوي لمؤتمر ميونيخ، وسيمثل هذا المنتدى أيضاً أول اجتماع مباشر بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الصيني دونج جون.
وتستضيف سنغافورة أكبر منتدى أمني سنوي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حوار شانغريلا، في الفترة من 31 مايو إلى 2 يونيو، ويخطط وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، للمشاركة فيها، وتركز الكثير من الاهتمام على خطابات رئيسي وزارتي الدفاع الأمريكية والصينية، بالإضافة إلى اجتماعهما المرتقب.
ومن المقرر أن يقدم الوزير الصيني دونغ جون مفهوما محدثا للأمن العالمي. ويعتزم لويد أوستن حضور اجتماع وزراء دفاع جنوب شرق آسيا، وعقد اجتماع ثلاثي مع نظرائه من اليابان وكوريا، وكذلك المشاركة في العديد من المفاوضات الثنائية، وبعد المؤتمر، يقوم أوستن بزيارة رسمية إلى كمبوديا لتعزيز التعاون بين البلدين، فضلاً عن إقامة اتصالات بين واشنطن ودول الآسيان.
وجدير بالذكر انه في العام الماضي، رفض وزير الدفاع الصيني آنذاك لي شانفو الاجتماع مع رئيس البنتاغون في منتدى في سنغافورة، ويعود السبب في ذلك إلى إحجام إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن عن رفع العقوبات المفروضة على لي، أما في عام 2018، تم إدراجه على القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) كرئيس لقسم تطوير الأسلحة في اللجنة العسكرية المركزية الصينية لشراء طائرات مقاتلة من طراز Su-35 وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز S-400. من روسيا، وتتعلق القيود بتجميد جميع الأصول والمعاملات المالية في الولايات المتحدة، وحظر الدخول إلى أمريكا.
وكما كتبت صحيفة فايننشال تايمز، رفضت بكين أكثر من 12 طلباً لعقد اجتماعات رفيعة المستوى منذ عام 2021.
والرئيس الحالي لوزارة الدفاع الصينية، دونغ جون، على عكس لي شانفو، تحدث بالفعل مع لويد أوستن عبر رابط الفيديو، وتأمل الولايات المتحدة أن يواصل الطرفان الاتصالات في المؤتمر المقبل.
المواضيع الرئيسية للمؤتمر
توجه وزير الدفاع الصيني إلى سنغافورة قبل يومين من انعقاد المؤتمر، للاجتماع بالزعيم الجديد للبلاد، وذلك بعد أن ترأس الدولة لورانس وونغ، الذي حل محل لي هسين لونغ، الذي حكم لمدة 20 عاماً، وهو نجل أول رئيس وزراء، مؤسس سنغافورة الحديثة، لي كوان يو، ويتعين عليه حالياً إيجاد توازن في العلاقات مع الدول الأخرى في سياق الصراعات الدولية المستمرة: الأزمة الأوكرانية، والتصعيد حول تايوان، والنزاعات الإقليمية في آسيا، والتوترات بين بكين وواشنطن.
وجدير بالذكر أنه لم تتم دعوة موسكو، مثل العام الماضي، لحضور المؤتمر في سنغافورة، ومن بين كل دول جنوب شرق آسيا، انضمت سنغافورة، التي تركز إلى حد كبير على التفاعل مع الدول الغربية، على سبيل المثال، إلى العقوبات ضد روسيا، وفي الوقت نفسه، من المستحيل إنكار التأثير الملحوظ المتزايد لبكين، التي أصبحت الشريك التجاري الرئيسي لدول جنوب شرق آسيا.
وسوف تصبح القضية الأوكرانية واحدة من المواضيع التي ستناقشها البلدان في مؤتمر حوار شانغريلا؛ وسوف تحاول الدول الغربية مرة أخرى إقناع آسيا بدعم كييف، وعلى وجه الخصوص، سيدعو وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى توسيع التعاون العسكري.
التعاون مع بكين
تتوجه الصين إلى هذا المؤتمر بانتصار دبلوماسي تحت حزامها، فبعد أن انعقدت أول قمة بصيغة كوريا الجنوبية واليابان والصين منذ ما يقرب من خمس سنوات في سيول، إن جارتي الصين وحليفتي أميركا الرئيسيتين في آسيا تحذوان حذو السياسة الأميركية على نحو متزايد، إلا أن حقيقة هذا الاجتماع في حد ذاتها أظهرت التقدم في العلاقات الصعبة بين دول شرق آسيا الثلاث.
وقد مارست واشنطن مؤخراً ضغوطاً نشطة على سيول وطوكيو لنقل سلاسل التوريد للمنتجات الرئيسية من الصين.
وبدورها دعت بكين الأطراف إلى التخلي عن الحمائية وعدم تحويل القضايا التجارية والاقتصادية إلى ألعاب سياسية أو مسائل أمنية، ووصف رئيس مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية لي تشيانغ المفاوضات الحالية بأنها بداية جديدة واستئناف العلاقات بين الدول الثلاث، مشدداً على استعدادهم “للسعي من أجل التعاون المربح للجانبين والمفيد للجانبين”.
واتفقت الدول على التعاون بشكل أوثق في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والإغاثة في حالات الكوارث، كما قررت الاستئناف السريع للمفاوضات الثلاثية بشأن إنشاء منطقة تجارة حرة، والتي وصلت إلى طريق مسدود في عام 2019.
وجدير بالذكر أن الاجتماع في سيول جاء بعد أن أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا ثلاثيًا مع اليابان وكوريا الجنوبية في عام 2023، لكن بكين تمكنت من إثبات أن أقرب حلفاء واشنطن ما زالوا غير راغبين في الانضمام إلى سياسة احتواء الصين.
علاقات معقدة
إن اجتماع رؤساء وزراء الصين واليابان وكوريا الجنوبية لم يتطرق إلى قضايا الدفاع، كما ليس هناك شك في أن اليابان وكوريا الجنوبية يجب أن تفسدا العلاقات مع الصين، كما أن المفاوضات تتعلق بالعلاقات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، يتطور التعاون الثلاثي بين سيول وطوكيو مع واشنطن، وتجرى التدريبات والفعاليات الأخرى، وهذا يثير قلق بكين.
أما من الناحية الاقتصادية، ترتبط كوريا الجنوبية واليابان بالصين أكثر من ارتباطهما بالولايات المتحدة، وتعتمدان عليها أكثر وبالتالي تحاولان الحفاظ على الحوار، إنهم مهتمون بأن تتخذ الولايات المتحدة الخطوات الأكثر جذرية ضد جمهورية الصين الشعبية، وسوف ينضمون إليها متأخراً، وفي الاقتصاد، لا يريدون قطع العلاقات مع الصين”.
كما أن زعماء الولايات المتحدة والصين اتفقوا العام الماضي على الحفاظ على الاتصالات العسكرية، وكانت هذه مبادرة من واشنطن، التي ذكرت أن مثل هذا الإجراء من شأنه تجنب التصعيد، وقد وافقت عليه بكين، ففي الآونة الأخيرة، سواء في السياسة أو في المجال العسكري، أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر تعقيداً، خاصة وأن الولايات المتحدة فرضت قيودًا إضافية خطيرة على الصادرات الصينية.
الصين بدورها أجرت مناورات كبيرة جداً حول تايوان، وحتى الآن، الاتصالات العسكرية مستمرة، والأرجح أن الأطراف في إطار هذا المؤتمر ستطرح مواقفها، وتقدم بعض المطالبات، وتناقش الوضع الراهن، بالتالي، لا توجد مؤشرات على أن المنتدى الحالي سيؤدي إلى أي تغييرات، ربما تتفق الدول على قضايا معينة على قواعد سلوك معينة لتجنب الحوادث والتصعيد غير المقصود، ولكن ليس أكثر.
بالتالي، في هذا المؤتمر تسعى الصين جاهدة للحد من التوتر في جنوب شرق آسيا، وخاصة حول تايوان وجزر الصين الجنوبية، لكن لا يمكن القيام بذلك دون الولايات المتحدة، لأن الصين تدرك جيداً أن القرارات تُتخذ في الولايات المتحدة، لكن على الأرجح، سينظمون القضايا المتعلقة بالاستباقية المتبادلة للتدريبات وخفض عدد القوات العسكرية في هذه المنطقة، وبكين تعول على ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، إن الولايات المتحدة ستستخدم هذه القمة بشكل أوثق لتجميع كتلة AUKUS (تحالف دفاعي ثلاثي شكلته أستراليا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة) ، وهو مناهض للصين في توجهه.