الدستور اللبناني هو العقد بين اللبنانيين وهو تحت مظلة الميثاق الوطني، يحدد الدولة واراضيها، وحقوق وواجبات اللبنانيين، كما يحدد السلطات، والاحكام التي تتصرف بموجبها.
سياسو هذه الايام ومنذ ما بعد اتفاق الطائف خرجوا بوصفة لا مثيل لها على الكرة الارضية، مخالفة لاحكام الدستور جملة وتفصيلاً، وهذه الوصفة بطبيعتها قاتلة للجمهورية بكل المقاييس، وفعلت فعلها في المجتمع اللبناني فحولته الى مجتمع متخلف، بعيد عن المساواة بين المواطنين يتحكم به التمايز والتفضيل.
هذه الوصفة هي “ان الرئاسات الثلاث يقتضي كل منها ان تكون لمن يتمتع بالاكثرية في طائفته”.
يعني ذلك بوضوح ضرب الفقرة (ج) من مقدمة الدستور التي تنص على ما يلي:
“ج- لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل”.
فإذا كان المرشح لتبؤ احد مناصب الرئاسات الثلاث يتمتع بأكثرية بطائفته عليه البقاء والعمل لصالح مؤسساتها ودوائرها وتكويناتها المتنوعة، ليقدم افضل ما عنده لها، ويساعدها على ان تمارس المواطنة في كل مناحي الحياة، لتأخذ دورها في البناء الوطني والتقدم والنهوض والحداثة، لا ان يفرض اكثريته على الوطن، لكن ليس له الحق اطلاقاً ان يستعمل ويستغل ذلك في السياسة، لان ذلك يؤدي حتماً الى الطائفية والمذهبية والمحاصصة ويعطى فرصة ذهبية للفساد كما شاهدنا ما حصل من فساد وإفساد في بلدنا، ويؤدي كل ذلك حتماً الى الانهيار العام الذي يمكن معه زوال الجمهورية.
وهنا لا بد من الاشارة ايضاً الى المادة (27) من الدستور التي تنص:
“المادة 27- عضو مجلس النواب يمثل الامة جمعاء ولا يجوز ان تربط وكالته بقيد او شرط من قبل منتخبيه”.
وهذا النص واضح وضوح الشمس بان اي نائب في مجلس النواب مهما كانت طائفته فأنه لا يمثلها لان مجلس النواب ليس بمجلس طائفي أو مذهبي او ملّي، بل انه يمثل كل مواطن لبناني مهما كانت طائفته أو مذهبه، وعليه فإن له الحق ان يتبوأ اي من الرئاسات الثلاث وفق ما تم الوفاق عليه والذي هو نابع من الميثاق الوطني منذ الاستقلال، فأي ماروني سواء أكان مستقلاً او في كتلة من اثنين او ثلاثة او اكثر ولا يملك الاكثرية في طائفته له الحق ان يترشح وينتخب رئيساً للجمهورية، والشيعي ايضاً له الحق ان يترشح لرئاسة المجلس النيابي، والسنّي له الحق بالترشح لرئاسة مجلس الوزراء وسواء اكان نائباً ام لم يكن.
من هنا نقول انه لا يجوز ومن غير المقبول ان توضع العصي في الدواليب بوجه مواطنين لديهم الكفاءة والبرنامج الناجح ويتمتعون بالثقافة الوطنية ونظافة الكف، حيث يشكل ذلك فيتو عليهم غير دستوري، وغير قانوني، وغير شرعي، ومخالف لحقوق الانسان، علماً انه لم يعطى هذا الحق لأي زعيم اكثري في اي من نصوص الدستور او القوانين، هذا ولا يجوز الاستمرار بهذه الوصفة القاتلة للجمهورية حيث من خلالها تنتهك المساواة والحرية وينتهك الدستور، وقد رافق هذه الوصفة القاتلة بدعة عشائرية، وقبلية، واقطاعية، بأنه في حال عدم امكانية تسمية تجمع اكثري في طائفة او مذهب معين لمركز من الرئاسات الثلاث او عدم امكانية نجاحه، فإن تنصيب زعيم التجمع الاكثري نفسه ليسمي او يوافق على تسمية شخص ما لهذه المناصب، فيستعين بالمؤسسات الملّيّة ليضفي على البدعة شرعية مصطنعة تفيد فقط في تكوين الدويلات المذهبية لتحل محل الدولة، وهذا تعطيل فاضح للديمقراطية وعودة الى القرون الوسطى.
وعليه فإن الديمقراطية تعني ان الاكثرية في مجلس النواب هي التي تختار وليس اكثرية كل طائفة او مذهب، حيث ان التطبيق الديمقراطي الصحيح هو ان تختار هذه الاكثرية المناصب التي تريد وبالمواصفات التي تريد، ولا يحق لأي جهة الاعتراض على ذلك ولا يجوز اصلاً ان تعتمد هذه الهرطقة او البدعة وعلى الاكثريات في الطوائف ان تمارس المعارضة البنّاءة للوصول الى احسن اداء واحسن نتائج بما يفيد الوطن والمواطن.
أقلعوا عن هذه الوصفة القاتلة والبدعة المتخلفة، الحكم للاكثرية وللأقلية المعارضة وفق مكونات المجلس النيابي وهذا الامر مطبّق في كل ديمقراطيات العالم، وعليكم الاقتناع ان في تمثيلكم للشعب سيكون يوم لكم ويوم عليكم بالنظر لما تقدمونه للوطن والمواطن ايا كان هذا المواطن.