على القضاء مكافحة الفساد وليس فقط محاولة حل مشكلة | بقلم المحامي عمر زين
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
الهزة القضائية التي حصلت وما زالت مستمرة في لبنان امر غير مسبوق، ولم تعرفه السلطة القضائية منذ الاستقلال حتى اليوم، وقد يكون سببها الاوضاع العامة في البلاد، وانهيار الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي والاجتماعي والامني والاخلاقي فيها، علماً انه لا يجوز ولا بصورة من الصور ان يصل ما يحدث خارج هذه السلطة الى داخلها.
من اجل ذلك نؤكد دائماً على استقلال القضاء واستقلال القاضي بحيث يمارس القاضي مهماته معتمداً على تقديره المهني للوقائع والاسباب القانونية الملائمة وذلك بمنأى عن اي تأثير خارجي او تحريض او تهديد او تدخل مباشرٍ او غير مباشر من قبل اي كان ولأي سبب كان سواء أكان هذا التدخل من خارج السلك القضائي او من داخله.
وهذا يستدعي ان يكون القاضي متجرداً اي حيادياً مؤمناً بالمساواة قولاً وعملاً.
علماً ان في مجتمعنا اليوم اناساً يتكلمون عن الحلال وهم من آكلة الحرام، واناساً يتكلمون عن الامانة وهم سارقون، وآخرون يتكلمون عن الاخلاق وهم فاسدون، فإن ذلك يتطلب وجود قضاة يتحلون بالنزاهة والشجاعة الادبية والصدق والشرف والتواضع ويتمتعون بالاهلية الثقافية والقانونية ليتمكنوا من احقاق الحق واصدار القرارات المناسبة بعيداً عن حالة التمنع والاستنكاف من اعطاء كل ذي حقٍ حقه.
هذه الميزات التي نريدها لقضائنا سلطة وقضاة لم نصل اليها بعد لتدخل السياسيين وتفشي امراض مجتمعنا في هذا الجسم وبغياب التحصين القانوني والشخصي لدى البعض، وليس الكل، مما انعكس سلباً في تأمين العدالة التي هي اساس الملك.
ان ما نشهده اليوم بما يحصل من ارتباك انعكس سلباً لدى الشعب اللبناني، حيث فقد ايمانه بقيامة لبنان، وكي نستعيد هذا الايمان لا بد من الالتزام بالمقاييس التي اسلفنا، فعليكم التمسك بها، ففي توفرها الطريق الوحيد لانقاذ الوطن، وعليكم ايها المسؤولون القضائيون الاستماع الى وجهة نظر ومواقف نادي القضاة بالخصوص، واتخاذ قراراتكم لإحقاق الحق وملاحقة المجرمين والفاسدين والناهبين للمال العام والمختلسين ومهربي الاموال وانزال اشد العقوبات بهم واسترداد الاموال، وتشجيع القضاة على ذلك وعدم اتخاذ قرارات تؤدي الى احباطهم يمتنع بسببها، ويستنكف السلك القضائي عن القيام بمهماته، ويفقد المواطن امله في الخلاص والانقاذ.
لا بد من الاشارة الى قولٍ مأثور من انه: “عندما يزداد العواء حولك فاعلم انك اوجعت الكلاب”. وقد بدأ فعلاً العواء، فلا تخافوا بل اصروا على تحقيق العدالة مهما كلف ذلك من ثمن ولا تصمتوا عن الحق، فجبان من يرى الحق ولا يسانده وانتم الشجعان.
قفوا صفاً واحداً ومارسوا كل الوسائل المتاحة لاجبار السلطات على إصدار قانون استقلال السلطة القضائية الذي يؤمن هذا الاستقلال المطلوب وشاركوا فعلياً في صياغته، والشعب معكم ولا تترددوا، عالجوا القضية وهي دوركم في مكافحة الفساد ولا يجوز ان يتوقف هذا الدور عند معالجة مشكلة.
اقرأ أيضًا:
“القضاء” والنظام الطائفي في لبنان
القضاء المستقل هو ابسط حقوقنا وأسمى غاياتنا