ازمة لبنانالاحدث

كيف يمكن للشعب المؤمن بالسيادة الوطنية أن يحافظ عليها؟ | بقلم المحامي عمر زين

نسمع ونقرأ يوميّاً (بأنّ المنطقة في غليان وعلينا حماية وطننا وسيادتنا)، لكن لا أحد من (السياديين) يوضّحُ كيف تكون الحمايةُ، ولا أحد يشير لقواعدها. لكن يقولون ان القرارات الدولية تكفي لحماية السيادة وهم على إدراك تامّ أنّ عدوَّنا الصهيونيّ تمنَّع عن تطبيق كلّ القرارات الصادرة بوجهه عن مجلس الأمن لصالح الأمن.
لا بد من التأكيد انّ لبنان يتسم بتعدد طوائفه، وهو ما يجعل قضية السيادة الوطنية أكثر تعقيدًا. في ظل هذا التنوع، يمكن أن تُستغل السيادة الوطنية كأداة لحماية مصالح طائفة معينة على حساب الأخرى، مما يهدد الوحدة الوطنية ويزيد من تعميق الانقسامات الطائفية، علماً أنّ الحفاظ على السيادة يجب أن يكون مرتبطًا بالعدالة والمساواة بين جميع الطوائف دون تمييز.

يتعرَّض لبنان لتدخلات من القوى الإقليميَّة والدوليَّة التي تسعى إلى فرض أجنداتها الخاصة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للسيادة الوطنيَّة، والتدخُّلات الخارجيَّة سواء كانت عسكريَّة أو اقتصاديَّة أو سياسيَّة يمكن أن تؤدي إلى تآكل الإستقلال الوطني، وتعريض لبنان للضغوط الدوليَّة التي قد تتناقض مع مصالحه الداخليَّة. من هنا، يصبح من الضروري أن يظلَّ لبنانُ قادرًا على اتخاذ قراراته بشكل مستقل، بعيدًا عن الضغوط الإقليميَّة والدوليَّة، وهذا ما يتطلَّبُ تمسُّكاً شاملاً بالسيادة لحمايتها والحفاظ عليها.

في حال كانت السيادة الوطنيَّة مختطفة من قبل فئة أو حزب معين، قد يكون هناك تقاعس في تنفيذ الإصلاحات اللَّازمة لحلّ المشاكل الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي يعاني منها لبنان. من أجل ذلك، يجب أن تُترجم السيادة إلى قدرة حقيقيَّة على تنفيذ استراتيجيَّات تنموية تضمن رفاهيَّة جميع المواطنين، وتدفع نحو العدالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة.

من الأمور الجوهريَّة التي يجب أن تترابط مع مفهوم السيادة الوطنية في لبنان هي حماية حقوق الإنسان.

ففي حالة إختزال السيادة في يد فئة معينة تستعملُها شمَّاعةً لتبتعدَ عن غيرها بدل من أن تتضامنَ مع هذا الغير من الفئات الشعبيَّة، ويسبّبُ هذا الإبتعادُ إنتهاكاً للحقوق الأساسية للمواطنين من خلال قمع الحريَّات أو فرض قيود على حرية التعبير أو التنقل. من أحل ذلك، يجب أن تُمارس السيادة بما يضمن حقوق الإنسان لجميع اللبنانيين، دون أن تكون أداة للتمييز أو الظلم.
من خلال هذا والتأكيد على أنَّ السيادة هي مسؤولية جماعية، يمكن أن تُسهم في تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية. والجدير بالذكر أنَّ التنميةَ المُستدامةَ هي جزء من السيادة الوطنية، لأنها تتطلب قدرة الدولة على التحكم في مواردها الاقتصادية وزيادة قدرتها على مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية.

من هنا، يجبُ أن تكون هناك جهود مركّزة لتعزير السيادة الوطنيَّة في لبنان، ممَّا يؤدّي حتماً إلى تحسين التعليم ورفع مستوى الوعي السياسي بين المواطنين. فمن خلال التعليم والمشاركة المدنية، يمكن للبنانيين أن يفهموا أهمية السيادة كحق مشترك يجب حمايته في الإتفاق الشعبيّ العام بتكوين مقو ّمات الحماية عمليّاً وليس لفظيّاً. كما يجب التأكد من أن الدولة تلتزم بالقيم الديمقراطية التي تضمن حرية الجميع وحقوقهم.

وهنا نشير أيضاً، أنّ الإعلام له دور أساسي في تعزيز أو تقويض السيادة الوطنية، فالإعلام المستقل والموضوعي يساعد في تشكيل الوعي الوطنيّ الصحيح، ويقلّل من التأثيرات السلبيَّة للأجندات الحزبية الضيّقة. فمن خلال تقديم المعلومات الصحيحة والموازنة بين وجهات النظر، يمكن للإعلام أن يكون أداة للحفاظ على السيادة من خلال محاربة التضليل الذي يمكن أن يسهم في تقسيم المجتمع.

وإنّ الضمانةَ في كُلّ ذلك، هو إتاحة المشاركة السياسية لجميع فئات المجتمع. علماً أنَّ الديمقراطية ليست مجرد إنتخابات، بل هي عملية مستمرة من المشاركة والتمثيل الفعّال لكل الفئات. يجب أن تُحترم حقوق الأقليات في هذا السياق، مما يضمن أن السيادة تمثل جميع اللبنانيين بلا استثناء.

في الختام، يبقى الحفاظ على السيادة الوطنية في لبنان مهمة مستمرة للشعب اللبنانيّ تتطلب تكاتف القوى السياسية والمجتمعية لضمان أن تكون السيادة أداة لحماية استقلال الدولة ورفاهية شعبها، بعيدًا عن الاستغلال الحزبي والتدخلات الخارجية.

المحامي عمر زين، الامين العام السابق لاتحاد المحامين العرب

المحامي عمر زين الامين العام السابق لاتحاد المحامين العرب عضو في مجلس نقابة المحامين في بيروت بين عامي 1988 – 1996. المنسق العام لشبكة الامان للسلم الاهلي، رئيس المنظمة العربية لحماية ومساندة الصحفيين وسجناء الرأي، المنسق العام للجنة الدفاع عن الاسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية، عضو لجنة الحكماء في اتحاد المحامين العرب، عضو المكتب الدائم في اتحاد الحقوقيين العرب، عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين وعضو المؤتمر القومي العربي. المنسق العام للبرنامج التدريبي للمحامين اللبنانيين بيروت، وعضو في اللجنة العلمية للبرنامج.. مؤسس مكتب المحاماة ( عمر زين القانونية) المتعلق بالقضايا التجارية والمدنية والجزائية والادارية وادارة العقارات والتحكيم وادارة تحصيل الديون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى