لبنان 2025 2026 – : سيناريوهات محتملة بين دولة الوظيفة ودولة الجغرافيا بعد خريف 2024

الجمهور المستهدف:
1. صنّاع السياسات والدبلوماسيون
2. الباحثون في العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية
3. الصحفيون والمراسلون السياسيون
4. الناشطون المدنيون ومنظمات المجتمع المحلي والدولي
5. الجهات والاحزاب والقوى السياسية
مقدمة
بعد خريف 2024، وجد لبنان نفسه أمام منعطف حرج في ظل أزمات داخلية خانقة وتطورات إقليمية عاصفة. فقد شهد العام 2024 تصاعدًا خطيرًا في التوترات الإقليمية تمثل في الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي اندلعت على خلفية حرب غزة وامتدت نيرانها إلى الحدود اللبنانية(رويترز). تزامن ذلك مع استمرار الشغور الرئاسي والأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان، مما فاقم هشاشة البنية السياسية والأمنية. جاءت التداعيات الجيوسياسية لتلك الحرب لتضيف أعباءً جديدة على لبنان، أبرزها الخسائر البشرية والمادية الضخمة التي لحقت بالبلاد (مركز الحبتور للدراسات) وتجدد الجدل حول دور سلاح حزب الله في الداخل اللبناني. كما برز عامل إقليمي جديد تمثل في التغيير السياسي في سوريا، حيث أدى انهيار تحالف دمشق وطهران (بسقوط نظام الأسد في سيناريو أواخر 2024) إلى خلخلة ما يُعرف بـ”المحور الإيراني”(الجزيرة). في هذا السياق، سنستعرض بالتفصيل إمكانية تفكك الدولة اللبنانية في ظل هذه المعطيات، واستراتيجيات القوى الكبرى والإقليمية حيال لبنان، إضافة إلى احتمال تحول لبنان إلى كيانين أحدهما مستقر وآخر مسرح للصراع.
التداعيات الجيوسياسية للحرب الإسرائيلية الأخيرة
لقد تركت الحرب الإسرائيلية في 2023-2024 بصمتها العميقة على لبنان. فعلى الرغم من تجنب اندلاع حرب شاملة مباشرة بين إسرائيل وحزب الله في بداية الأمر، إلا أن الجبهة اللبنانية شهدت تصعيدًا تدريجيًا بلغ ذروته مع تدخل حزب الله دعمًا لحركة حماس بعد خريف 2023(رويترز). أدى ذلك إلى حملة عسكرية إسرائيلية عنيفة على مواقع حزب الله في الجنوب اللبناني، تسببت في دمار واسع النطاق ونزوح مئات الآلاف من المدنيين من القرى الحدودية وبحلول نوفمبر 2024، تمكنت وساطات دولية (أبرزها من الولايات المتحدة وفرنسا) من إقرار وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله(رويترز)، لتتوقف المواجهات بعد أكثر من عام من العمليات. لكن هذا التوقف جاء بعد أن استُنزِف لبنان اقتصاديًا وبشريًا؛ فالبنية التحتية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية تكبدت أضرارًا جسيمة، وأضحت البلاد أمام كارثة إنسانية وأعباء إعادة إعمار هائلة(مركز الحبتور للدراسات).
من الناحية الاستراتيجية، أضعفت هذه الحرب قدرات حزب الله العسكرية بشكل ملحوظ. تشير تقديرات مراكز البحث إلى أن الهجوم الإسرائيلي المكثف في 2024 أدى إلى تآكل قوة حزب الله العسكرية في الجنوب اللبنان (cfr.org) فخلال القتال خسر الحزب عددًا كبيرًا من قادته وآلافًا من مقاتليه، وتدمرت نسبة كبيرة من ترسانته الصاروخية ومنشآته الحيوية(رويترز). هذه الضربات تركت الحزب “ظل shadow حجمه السابق” وفق توصيف بعض المحللين(رويترز)، الأمر الذي انعكس على توازن القوى الداخلي في لبنان. في الوقت ذاته، عانى المدنيون في المناطق الشيعية التي تشكل حاضنة شعبية للحزب من خسائر فادحة، مما فاقم الشعور بالتهميش والمعاناة في تلك المناطق مقابل مناطق أخرى بقيت بمنأى نسبيًا عن نار الحرب. وقد حذر مسؤولون لبنانيون من خطورة هذا التفاوت، متسائلين “كيف يمكن لجزء من الوطن أن يكون مستقرًا فيما جزء آخر يتألم؟”(رويترز)، في إشارة إلى ضرورة عدم ترك الجنوب المنكوب وحيدًا تجنبًا لتعميق الانقسام الوطني.
على الصعيد السياسي، عززت الحرب الأخيرة القناعة لدى قطاعات واسعة من اللبنانيين بضرورة إعادة تقييم سياسة النأي بالنفس وبقاء لبنان خارج صراعات المحاور. فالكثيرون رأوا أن تورط حزب الله في دعم حماس جرّ البلاد إلى مواجهة مدمرة لم تكن لبنان مستعدًا لها(الجزيرة). وبرزت مطالبات متجددة بتحجيم دور الحزب العسكري لضمان عدم توريط لبنان مستقبلًا في حروب بالوكالة(الجزيرة). في المقابل، أكد حزب الله وجمهوره روايتهم بأن المقاومة كانت ضرورة دفاعية في وجه العدوان الإسرائيلي وأن تضحياتها جنّبت لبنان ما هو أسوأ. هكذا أفرزت الحرب انقسامًا داخليًا أعمق حول جدوى خيار المقاومة المسلحة ودور حزب الله الإقليمي.
قضية تسليم سلاح حزب الله
عقب توقف المواجهات في أواخر 2024، احتدم النقاش داخليًا وخارجيًا حول مستقبل سلاح حزب الله. فالحرب وما نتج عنها من إضعاف لقدرات الحزب العسكرية(رويترز) شجّعت خصومه المحليين وداعميهم الخارجيين على تجديد مطلب نزع سلاحه تطبيقًا لقرارات الشرعية الدولية ولا سيما القرار 1559 الصادر عن الأمم المتحدة عام 2004 والداعي لحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية(الجزيرة). وقد أشار تقرير لمجموعة الأزمات الدولية إلى أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2023-2024 أعادت بقوة قضية نزع سلاح الجناح العسكري للحزب إلى الواجهة الوطنية.
في هذا السياق، شهد لبنان تغيرات سياسية مهمة تمثلت في انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية (بدعم دولي واسع) وتشكيل حكومة جديدة تضم قوى مناوئة لنفوذ حزب الله(رويترز). وأعلنت هذه السلطة بوضوح عزمها على حصر القرار العسكري بيد الدولة واستعادة احتكارها للسلاح(رويترز). بل إن الرئيس الجديد جاهر منذ اللحظة الأولى بأن وضع استراتيجية امن وطني أصبح أولوية، (رويترز). كما صرّح وزير الخارجية اللبناني (المعارض لحزب الله) أن المساعدات الدولية لإعادة الإعمار مرهونة بتطبيق شرط بسط الدولة سيطرتها الكاملة على السلاح وعدم وجود قوى مسلحة خارجة عن إطارها (رويترز) . وقد أكدت الولايات المتحدة هذا التوجه بوضوح، إذ أعلنت خارجيتها أنه “لا يمكن البدء بإعادة إعمار مستدامة من دون أن يلقي حزب الله سلاحه”(رويترز)، كما ربطت دول الخليج بدورها أي دعم مالي للبنان بتطبيق إصلاحات سيادية تشمل حصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية(رويترز). وهكذا تبلور ضغط دولي وإقليمي غير مسبوق لنزع سلاح حزب الله عبر استخدام ورقة المساعدات المالية اللازمة لإنقاذ اقتصاد لبنان المنهار.
أما موقف حزب الله، فجاء متحفظًا وحذرًا إزاء هذه الدعوات المتصاعدة. فعلى الرغم من الضربة الموجعة التي تلقاها الحزب عسكريًا، لم يُبدِ استعدادًا للاستسلام لشروط خصومه. نقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في الحزب قوله إن حزب الله منفتح على مناقشة مسألة سلاحه ضمن إطار استراتيجية دفاعية وطنية شرط انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف اعتداءاتها(رويترز) أي أن الحزب ربط البحث في سلاحه بانتفاء سبب وجوده المعلن المتمثل بمقاومة الاحتلال والعدوان. وأكد المسؤول ذاته أن طرح نزع السلاح في هذه الظروف يُعتبر استسلامًا غير مقبول من منظور الحزب(مركز الحبتور للدراسات). ولمّح إلى أن الحزب لا يزال محتفظًا بأوراق قوة شمال نهر الليطاني (خارج نطاق عمل القوات الدولية)، بما في ذلك ترسانته الصاروخية الاستراتيجية والطائرات المُسيّرة والصواريخ المضادة للدروع(رويترز).
وإزاء الضغط الداخلي والخارجي، حاول حزب الله تقديم خطوات تهدئة شكلية دون التخلي فعليًا عن قدراته. فبعد وقف إطلاق النار، أفيد أن مقاتلي الحزب انسحبوا من مواقع عسكرية عديدة جنوب الليطاني وسلموها للجيش اللبناني(مركز الحبتور للدراسات). وقد اعتُبر ذلك استجابةً لمتطلبات قرار مجلس الأمن 1701 (2006) الذي يحظر أي وجود مسلح غير شرعي في المنطقة الحدودية. بيد أن التحليل الدقيق يشير إلى أن هذه التسليمات ٌقد تعتمد التكتيك المعروف الذي ينسجم مع نهج الحزب التاريخي: تقديم تنازلات محدودة تحت الضغط لتنفيس الاحتقان، مع المحافظة على قوة الردع الأساسية سرًا.
من جهة أخرى، برز عامل شديد الحساسية يتمثل في الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في ظل هذا السجال حول سلاح حزب الله. فبقدر ما يرى خصوم الحزب أن ظروف ما بعد الحرب سانحة لنزع سلاحه أو دمجه نهائيًا في كنف الدولة، فإن القاعدة الشعبية للحزب (خصوصًا في الطائفة الشيعية) ترى في تلك المساعي تهديدًا لوجودها وأمانها. وقد أظهرت الانتخابات المحلية الأخيرة في الجنوب (ربيع 2025) أن شعبية حزب الله في بيئته لم تتآكل جذريًا رغم الخسائر العسكرية؛ إذ حصدت لوائحه أغلبية الأصوات ما اعتُبر استفتاءً شعبيًا في مناطقه لصالح خيار المقاومة(رويترز) وعلّق باحثون في مركز كارنيغي أن نتائج التصويت تؤكد أن “أي محاولة لانتزاع سلاح حزب الله بالقوة ستُعتبر اعتداءً على المجتمع الشيعي نفسه وستهدد السلم الأهلي”(رويترز). وعليه، فإن المقاربة الأمثل لقضية السلاح تتطلب حوارًا وتفاهمًا وطنيًا تدريجيًا، خشية انزلاق الأمر إلى صدام داخلي مسلح على غرار ما جرى في أيار/مايو 2008 عندما انفجر الخلاف حول شبكة اتصالات الحزب. تدرك الحكومة اللبنانية الحالية وداعموها الخارجيون هذه المعضلة، ولذا يُطرح خيار الاستراتيجية الدفاعية كإطار حل توافقي، بحيث يجري الاتفاق على دمج قدرات المقاومة ضمن منظومة الدولة الدفاعية مقابل ضمانات حقيقية بحماية لبنان من أي اعتداء إسرائيلي(رويترز) لكن حتى اللحظة، لم تبدأ هذه الحوارات بشكل فعلي، ما يبقي الوضع معلقًا بين ضغوط التسليم وممانعة الحزب، بانتظار ما ستسفر عنه التوازنات الإقليمية والمحلية في الأشهر القادمة.
المحور الإيراني في مقابل السلطة الجديدة في سوريا
أحد التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تزامنت مع فترة ما بعد خريف 2024 كان التصدع الذي أصاب محور طهران-دمشق-حزب الله نتيجة التغيير المفاجئ في سوريا. فخلال مجريات الحرب الإسرائيلية على غزة وتمددها إلى لبنان، اندلعت تطورات دراماتيكية في سوريا أفضت – في سيناريو غير مسبوق – إلى سقوط نظام بشار الأسد في أواخر 2024 بعد عقود من الحكم(الجزيرة). ومع أن التفاصيل الفعلية لخروج الأسد من السلطة معقدة وتداخلت فيها عوامل داخلية وضغوط خارجية، فإن المحصلة كانت قيام سلطة جديدة في دمشق تختلف جذريًا في توجهاتها عن سابقتها الموالية لإيران. لقد خسر النظام الإيراني حليفًا استراتيجيًا عمره أربعة عقود بسقوط عائلة الأسد(الجزيرة)، فانقطعت بذلك شريان بري حيوي كان يصل طهران ببيروت مرورًا ببغداد ودمشق(الجزيرة). هذا الممر البري كان يشكل شريان الإمداد الرئيسي لحزب الله بالأسلحة الثقيلة والذخائر والمقاتلين، وعبره بنت إيران مشروع نفوذها المعروف بـ”محور المقاومة”. بناءً عليه، شكل انهيار دمشق ضربة موجعة لمحور إيران الإقليمي انعكست مباشرة على وضع حزب الله في لبنان.
وفي ظل الواقع الجديد، برز تناقض واضح بين نهج إيران وحلفائها المتبقين من جهة والسلطة السورية الجديدة من جهة أخرى. فبينما يواصل قادة إيران التصريح بأن “محور المقاومة لا ينكسر بالضربات العسكرية والمؤامرات السياسية” وأنه سيستمر بمشروعه حتى دحر النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة(الجزيرة)، تتبنى القيادة السورية الجديدة توجهًا براغماتيًا مختلفًا. فقد أعلن رئيس سورية الجديدةأحمد الشرع أن سوريا أنهكتها الحروب ولا تريد أن تكون طرفًا في صراع مع إسرائيل(الجزيرة). وأكد أن دمشق تسعى للنأي بنفسها عن سياسة المحاور، مركّزًا على أولوية إعادة الإعمار وعودة الاستقرار، حتى لو تطلب الأمر تقديم تطمينات بأنها لن تسمح باستخدام أراضيها لمهاجمة دول الجوار(الجزيرة). بعبارة أخرى، لم تعد سوريا جزءًا من محور “المقاومة” ، بل باتت تميل إلى لعب دور الدولة الحيادية التي تتجنب التصعيد مع إسرائيل قدر الإمكان. وقد رحبت الدول العربية بهذا التحول وأبدت استعدادًا لدعم الحكومة الجديدة في دمشق سياسيًا واقتصاديًا، شرط التزامها بنهج مختلف عن النظام السابق.
بالنسبة لحزب الله، أوجد هذا التحول وضعا” استراتيجيًا مختلفا” جذريا”. فالحزب الذي طالما اعتمد العمق السوري كممر تسليح وخط إمداد ولعب دور احد الضامنبن لمصير دمشق منذ تدخله العسكري في الحرب السورية عام 2013، وجد نفسه اليوم معزولًا جغرافيًا عن إيران. ولم تعد قوافل السلاح الإيرانية قادرة على العبور برًا عبر سوريا إلى لبنان كما في السابق(الجزيرة). كما أن القيادة السورية الجديدة، الساعية لتجنب غضب المجتمع الدولي، لن تغض الطرف عن عمليات تهريب السلاح عبر حدودها . وإذا كانت إيران قد تلجأ لطرق بديلة كالتهريب البحري عبر الموانئ timesofisrael.com، فإن هذه الأساليب تبقى أكثر صعوبة وتعرضًا للمراقبة والخطر مقارنة بالخط البري السابق. وعلاوة على ذلك، فقد حزب الله حليفًا سياسيًا إقليميًا مهمًا بغياب الأسد. فالنظام السوري كان يشكل عمقًا استراتيجيًا ومصدر دعم معنوي للحزب في مواجهة إسرائيل، أما اليوم فالسلطة الجديدة في دمشق على مسافة بعيدة (إن لم يكن خصومة) مع حزب الله. وهذا ما أكده تصريح مسؤول سوري رفيع بأن معيار العلاقات مع إيران مستقبلًا سيعتمد على “مدى ابتعاد طهران عن إسرائيل”(الجزيرة)، في إشارة إلى رغبة دمشق بنزع ارتباطها كليا بالمحو.
في المقابل، اندفعت إسرائيل لاستغلال سقوط الأسد لتغيير معادلات المنطقة. فمع غياب الجيش السوري كخصم تقليدي في الجنوب، توغلت إسرائيل عسكريًا داخل الأراضي السورية وصولًا إلى مشارف دمشق بحجة منع الفوضى وتأمين حدودها(الجزيرة). وتشير التقارير إلى أن القوات الإسرائيلية احتلت مساحات واسعة في جنوب سوريا خلال تلك المرحلة(الجزيرة)، وربما تسعى لإقامة منطقة عازلة جديدة هناك. كما كثفت إسرائيل غاراتها الجوية في العمق السوري لتدمير أي مستودعات أو قوافل أسلحة قد تستفيد منها إيران أو حزب الله او حتى السلطات الجديدة، ولم تخفِ القيادة الإيرانية انزعاجها من هذا الوضع، إذ صرّح قائد الحرس الثوري حسين سلامي بأنه من “غير المقبول” رؤية جنود إسرائيليين على بعد كيلومترات من دمشق(الجزيرة)، متوعدًا بدفنهم في أرض الشام يومًا ما. بيد أن الواقع الميداني حتى مطلع 2025 يشير إلى أن كفة إسرائيل باتت راجحة في سوريا ولبنان معًا: محور إيران تراجع نفوذه، وحزب الله مقيّد بوقف إطلاق النار ويواجه صعوبة في إعادة بناء ترسانته، فيما تشعر إسرائيل بحرية أكبر لضرب أعدائها بعد إضعافهم.
هذا التناقض بين أجندة إيران الثورية والوضع السوري الجديد ألقى بظلاله على لبنان. فمن جهة، تمارس إيران ضغوطًا للحفاظ على زخم “محور المقاومة” رغم الضربات، وذلك عبر تعزيز دعايتها بأن المقاومة لم تنكسر وأن حزب الله ما زال قويًا وصامدًا(الجزيرة). وتحاول طهران التعويض عن خسارة سوريا عبر توثيق التنسيق مع حلفائها الآخرين في العراق واليمن، وحتى مع بعض الفصائل الفلسطينية. ومن جهة أخرى، يتنفس خصوم إيران في لبنان الصعداء لأن أحد أهم مصادر قوة حزب الله الإقليمية قد زال. لذا تسعى القوى اللبنانية المناهضة للحزب إلى الاستفادة من الظرف الجديد لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية على حسابه، كالضغط لنزع سلاحه أو تحجيم نفوذه الداخلي(الجزيرة) وربما تراهن هذه القوى على أن قدرة إيران على التدخل عسكريًا في لبنان باتت محدودة في غياب الممر السوري، مما يعني تضاؤل هامش المناورة لدى حزب الله.
بشكل عام، يمكن القول إن المحور الإيراني تلقى ضربة استراتيجية بانفصال سوريا عنه(الجزيرة)، ولكن إيران وحزب الله لن يسلّما بهذه الخسارة بسهولة. فإيران قد تعمد إلى إطالة أمد المفاوضات الإقليمية (مثلاً إعادة إحياء مفاوضات الملف النووي) لكسب الوقت وإعادة تنظيم صفوف محورها(رويترز). كما أن حزب الله سيحاول التأقلم مع الواقع الجديد عبر تعزيز اعتماده على القدرات المحلية وتحصين وضعه داخليًا لمنع أي اختراق إسرائيلي أو داخلي مستغل لضعفه. وفي المحصلة، دخل لبنان مرحلة جديدة تتسم بافتراق الأجندات بين حليفه الإقليمي الأبرز (إيران) وجاره الأقرب (سوريا)، وستنعكس إدارة هذا التناقض على مستقبل الاستقرار في لبنان. فإذا استطاع لبنان النأي بنفسه عن صراع المحاور الجديد (إيران بمواجهة إسرائيل بدون سلطة دمشق الجديدة)، فقد يجنب نفسه ويلات صراع طويل على أرضه. أما إذا فشل ذلك، فستظل الساحة اللبنانية مهددة بأن تكون ميدانًا لتصفية الحسابات بين محور إيران وأعدائه في المرحلة المقبلة.
احتمال تفكك لبنان في ظل الوضع الراهن
مع تفاقم الأزمات المتشابكة – من انهيار اقتصادي مستمر منذ 2019، وفراغ سياسي استمر سنتين، وصولًا إلى حرب مدمرة في 2024 – يطفو على السطح سؤال مصيري: هل يتجه لبنان نحو التفكك؟ إن التشظي السياسي والطائفي ليس بالأمر الجديد على لبنان، لكن المعطيات الحالية تطرح سيناريوهات مقلقة حول تماسك الكيان اللبناني كوحدة واحدة. فبعد الحرب الأخيرة، بات الاستقطاب الداخلي في ذروته: معسكر يرى الخلاص في تحجيم حزب الله ونزع سلاحه لضمان حياد لبنان واستقراره، مقابل معسكر يعتبر سلاح المقاومة خطًا أحمر لضمان حماية الطائفة الشيعية ولبنان عمومًا من إسرائيل. هذا الاستقطاب اتخذ منحى وجوديًا، حيث ينظر كل طرف للآخر بوصفه خطرًا كيانيًا على مستقبله. هكذا تنامت المخاوف من انزلاق لبنان نحو صراع أهلي جديد قد يفضي فعليًا إلى تقسيم أمر واقع على الأرض.
من المؤشرات الخطيرة على إمكانية التفكك تصاعد نبرة الخطاب الطائفي والمناطقي عقب الحرب. فبعض الأطراف المسيحية والسنية التي عانت تهميشًا خلال حقبة قوة حزب الله، وجدت في إضعاف الحزب فرصة للمطالبة بمزيد من الضغط على حزب الله أو حتى طرح فكرة الفيدرالية كحل(الجزيرة). بالمقابل، شعرت البيئة الشيعية بأنها مستهدفة في وجودها بعد الضربات الاسرائيلية المدمرة التي “زعزعت مجتمعها واقتلعت الكثيرين من جذورهم”(الجزيرة). ويرى خبراء أن غياب توازن القوى التقليدي في مرحلة ما بعد الحرب – مع تراجع دور حزب الله كقوة مهيمنة واضطراب تحالفاته الإقليمية – قد يخلق فراغًا في السلطة تغري أطرافًا داخلية أو خارجية لملئه، ما قد يؤدي إلى فوضى وانهيار ما تبقى من مؤسسات(الجزيرة). ويحذر الباحث عماد سلامة من الجامعة اللبنانية الأميركية بأن انهيار قدرات حزب الله سيشجع خصومه على محاولة تصفية حسابات قديمة وربما استدعاء دعم خارجي، مما يهدد باندلاع اقتتال داخلي وفرز جغرافي خطير(الجزيرة). وفعلاً، لمح بعض السياسيين اللبنانيين إلى احتمال الاستعانة بتدخل دولي أو حتى إسرائيلي لضبط الأوضاع في حال تفلتها(الجزيرة) ، وهو تطور ينذر بتكرار سيناريو الحرب الأهلية (1975-1990) حين انقسم لبنان إلى كانتونات تتلقى كل منها دعمًا خارجيًا مختلفًا.
على الأرض، هناك بوادر انقسام وظيفي وجغرافي ظهرت بالفعل بعد الحرب. فقد نص اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة على انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وخلو المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من أي مسلحين غير شرعيين أو أسلحة لحزب الله(رويترز). وبالفعل، تموضع الجيش بمؤازرة قوات اليونيفيل في تلك المناطق الحدودية، بينما انكفأت وحدات حزب الله شمالًا. هذا الواقع يكرس منطقة “منزوعة الحزب” في الجنوب يقابلها مناطق نفوذ تقليدية للحزب في الضاحية الجنوبية والبقاع لا تزال تحت سيطرته (وإن بشكل غير معلن). وإذا استمر التعنت في حل مسألة سلاح الحزب، فليس مستبعدًا أن يتكرس هذا الفصل الجغرافي-الأمني، بحيث يتحول الجنوب إلى شبه منطقة عازلة تحت رقابة دولية او اسرائيلية، فيما تشكل مناطق نفوذ الحزب شبه كيان آخر مسلح. ومما يعزز هذا السيناريو أن المانحين الدوليين ربطوا تقديم مساعدات إعادة الإعمار بالالتزام بضبط السلاح في الجنوب تحديدًا(رويترز)، ما يوحي بأنهم يرون في عودة سلطة الدولة إلى الجنوب اختبارًا لجدية التغيير. في المقابل، يواجه إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق البقاع الموالية للحزب عراقيل سياسية، حيث تعجزالدولة عن ضخ الموارد هناك قبل حل مسألة السلاح، في حين تُعيق العقوبات تدفق أموال الدعم الإيراني التقليدية للحزب(رويترز). هذه المعادلة تترك شريحة سكانية كبيرة (معظمها شيعية) في حالة بؤس وإهمال نسبي، مقابل مناطق أخرى بدأت تتعافى. واستمرار هذا الوضع قد يدفع نحو شرخ اجتماعي خطير وحتى مطالب انفصالية مبطنة، إذ سيشعر سكان الجنوب والضاحية بأنهم مواطنون من درجة ثانية في بلدهم.
رغم كل ما سبق، يجدر التنويه أن التفكك الرسمي للبنان ليس حتميًا بعد. فما زالت هناك قوى وطنية من مختلف الطوائف ترفض منطق التقسيم وتتمسك بوحدة الكيان اللبناني وسيادته الكاملة. كما أن الجيش اللبناني حتى الآن متماسك ويمثل المؤسسة العابرة للطوائف التي تحظى باحترام وثقة عامة نسبية، وهو يعمل لمنع أي اقتتال داخلي. وقد شهدنا في الأزمة الأخيرة كيف التزم الجميع بضبط النفس على حافة الهاوية، فلم ينزلق البلد إلى حرب أهلية داخلية رغم الضغط الهائل. كذلك فإن المظلة الدولية (عبر بيانات مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية) لا تزال تؤكد التزامها بوحدة لبنان واستقراره، وتحذر من أي خطوات تقسيمية(الجزيرة). هذه العوامل مجتمعة قد تكبح اندفاع الأسوأ. بيد أن استمرار الشلل السياسي والتجاذب حول السلاح دون حل وسط، مع تردي الأوضاع المعيشية، سيُبقي خطر التفكك ماثلًا ما لم يتحقق تسوية تاريخية جديدة تعيد تأسيس عقد اجتماعي لبناني يُرضي جميع المكونات.
استراتيجيات الدول الكبرى والإقليمية تجاه لبنان
أمام المشهد اللبناني المعقد، تبنت القوى الدولية والإقليمية استراتيجيات متفاوتة لمحاولة التأثير على مسار الأحداث في لبنان وضمان مصالحها:
1. الولايات المتحدة الأمريكية: انتهجت واشنطن سياسة مركبة تجمع بين الدبلوماسية الحذرة والدعم المشروط. فمن جهة، دعمت انتخاب قيادة لبنانية جديدة موالية للغرب (مثل الرئيس جوزيف عون) وقدمت مساعدات مكثفة للجيش اللبناني باعتباره القوة الشرعية الموازِنة لنفوذ حزب اللهcfr.org. كما لعبت دورًا رئيسيًا في التوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 2024 حرصًا على عدم توسع الحرب إقليميًا(رويترز). وأكدت مرارًا أن اندلاع حرب شاملة في لبنان سيكون “كارثيًا للبنان وإسرائيل وقد يستدرج قوات أميركية إلى المنطقة”(مركز كارنيغي) لذلك ضغطت واشنطن لتهدئة الأجواء مع الحفاظ على لهجة صارمة تجاه حزب الله، فاعتبرت استمرار تسلحه عقبة أمام الاستقرار وطالبت علنًا بتنفيذ القرارات الدولية التي تقضي بنزع سلاحه(رويترز). وربطت الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس أي برنامج لدعم اقتصاد لبنان أو خطة إعمار بتشكيل حكومة إصلاحية وبسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها دون منافس(رويترز). بكلمات أخرى، تعتمد الاستراتيجية الأميركية على تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية (خصوصًا الجيش) وتشجيع عزل حزب الله سياسيًا، مع تفادي الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة قد لا تحمد عقباها.
2. فرنسا والاتحاد الأوروبي: بحكم العلاقات التاريخية مع لبنان، تبنت فرنسا موقفًا ناشطًا على الصعيد الدبلوماسي. فقد شاركت باريس في رعاية اتفاق وقف إطلاق النار بالتنسيق مع واشنطن(رويترز). وتبنى الفرنسيون خطابًا متوازنًا ظاهريًا: دعموا سيادة الدولة اللبنانية ودعوا لحصر السلاح بيدها، لكنهم أيضًا شددوا على ضرورة تجنب أي فراغ أمني في الجنوب يمكن أن تستغله الجماعات الإرهابية أو إسرائيل نفسها. نقلت مصادر دبلوماسية فرنسية أن إعادة الإعمار لن تتقدم إذا استمرت إسرائيل في خرق وقف النار وإذا تأخر لبنان في حل مسألة السلاح(رويترز)، مما يشير إلى أن باريس تحاول الضغط على كلا الطرفين (إسرائيل وحزب الله) لاحترام الالتزامات. كذلك قادت فرنسا جهودًا أوروبية لحشد مساعدات إنسانية عاجلة للبنان خلال النزاع وبعده، وفي الوقت نفسه دفعت نحو عقد مؤتمر لبناني برعاية دولية لبحث الإصلاحات السياسية، بما فيها مسألة الاستراتيجية الدفاعية. ويمكن تلخيص النهج الأوروبي بأنه قائم على العصا والجزرة: حضّ اللبنانيين على إصلاح بيتهم الداخلي تحت طائلة حجب المساعدات والاستثمارات(رويترز)، مع إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع جميع الأطراف بمن فيهم حزب الله (حيث إن دولًا كفرنسا لا تزال تميّز بين جناحه السياسي والعسكري في تعاملها الدبلوماسي).
3. الأمم المتحدة: ركزت الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن وقواتها العاملة في لبنان (اليونيفيل) على منع تجدد القتال ورصد تنفيذ قرارات الهدنة. فجدد مجلس الأمن ولاية قوات اليونيفيل مع تعزيز صلاحياتها لمراقبة أي نشاط مسلح جنوب الليطاني ومنع تهريب السلاح(رويترز). كما أصدر بيانات تؤكد دعم سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه، مطالبًا بالتقيد بالقرارين 1559 و1701 اللذين يدعوان لحصر السلاح بيد الدولة(الجزيرة). ومن خلال مبعوث الأمين العام، جرت محاولات لإطلاق حوار لبناني داخلي برعاية أممية حول القضايا الخلافية. كذلك نشطت وكالات الأمم المتحدة الإغاثية (برنامج الغذاء العالمي، مفوضية اللاجئين وغيرها) لتقديم العون للنازحين اللبنانيين الذين تجاوز عددهم نصف مليون خلال الحرب(المركز الكاثوليكي)، وللتخفيف من التوترات الاجتماعية الناتجة عن هذا النزوح. بشكل عام، بقي دور الأمم المتحدة تقنيًا وإنسانيًا أكثر منه سياسيًا، مع التأكيد على مبادئ الحفاظ على لبنان الموحد وتطبيق القرارات الدولية كإطار للحل.
4. إسرائيل: اعتمدت إسرائيل في المرحلة الأخيرة سياسة الضغط العسكري الموضعي المستمر مقرونًا بالحذر من الانزلاق لحرب شاملة جديدة. فبعد وقف إطلاق النار، أبقت إسرائيل على احتلالها لبعض المواقع الحدودية داخل الأراضي اللبنانية (خمسة تلال استراتيجية) ورفضت الانسحاب منها فورًا(رويترز)، بحجة ضرورة ضمان عدم عودة حزب الله إليها. واستمرت الطائرات الإسرائيلية بشن غارات متفرقة على ما قالت إنها منصات صاروخية أو مخازن أسلحة للحزب كلما رصدت تحركات مخالفة للاتفاق(رويترز). هدف إسرائيل المعلن هو منع حزب الله من إعادة التسلح وفرض تطبيق سريع للقرار 1701 بحيث يتم إبعاده تمامًا من جنوب وشمال الليطاني(الجزيرة). وفي الوقت نفسه، كثفت تل أبيب اتصالاتها الدبلوماسية لضمان دعم دولي لموقفها المتشدد حيال حزب الله. وهناك تقديرات بأن إسرائيل تسعى لفرض أمر واقع أمني في لبنان شبيه بوضع الضفة الغربية، أي سيطرة جوية واستخبارية إسرائيلية شاملة تُجبر الأطراف اللبنانية على الرضوخ(الجزيرة). ولم يستبعد محللون إسرائيليون خيار القيام بعمل بري محدود في الجنوب اللبناني إذا تطلب الأمر لنزع ما تبقى من بنية عسكرية لحزب الله هناك(الجزيرة). غير أن الإسرائيليين يبدون حذرين من التورط طويل الأمد، إذ يدركون صعوبة القضاء التام على حزب الله الذي امتلك 18 عامًا لتحصين نفسه منذ 2006(الجزيرة). لذا فمن المرجح أن تستمر إسرائيل في المدى المنظور بسياسة الاحتواء والردع، أي ضربات موضعية ورسائل تهديد، مع ترك الباب مواربًا لحل دبلوماسي يضمن لها إبعاد الخطر عن مستعمراتها الشمالية.
5. إيران: وجدت طهران نفسها في موقف دفاعي بعد التطورات الأخيرة، لكنها لم تتخلَّ عن مشروعها الإقليمي. على العكس، ربما ازدادت قناعة القيادة الإيرانية بضرورة التمسك بأوراق نفوذها الباقية وفي طليعتها حزب الله في لبنان. الاستراتيجية الإيرانية حيال لبنان حاليًا تتركز على إعادة بناء قدرات حزب الله بسرية وصمت لتستعيد قوة الردع تدريجيًا، بالتوازي مع تنشيط حلفائها الآخرين في المنطقة لصرف الأنظار. فإيران شجعت حلفاءها في العراق على تقديم مبادرات تهدئة (مثل استعداد بعض فصائل “الحشد الشعبي” بالعراق لتسليم سلاحها للدولة هناك(رويترز) ربما كمقايضة لتحسين وضعها التفاوضي مع الغرب. وفي لبنان، تسعى طهران عبر دبلوماسيتها وحلفائها السياسيين المحليين إلى كسب الوقت ومنع عزل حزب الله داخليًا. فهي شحعت تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الحزب، أو على الأقل تعطيل أي تحالف وزاري معاد له، لضمان بقاء نفوذه السياسي. كذلك فإن إيران تحاول الالتفاف على الحصار التسليحي من خلال طرق غير مباشرة، مثل استخدام المجال البحري لإيصال شحنات السلاح إلى لبنان timesofisrael.com، رغم المخاطر العالية. وعلى المستوى الإعلامي والدعائي، تروج طهران لرواية مفادها أن “المقاومة انتصرت بصمودها وأن إسرائيل فشلت في كسرها”(الجزيرة)، في مسعى لرفع معنويات مناصريها وردع خصومها من الاستثمار في إضعاف حزب الله. بكلمة موجزة، تعول إيران على عامل الوقت لإعادة ترتيب محور المقاومة، وتأمل أن يخف الضغط الدولي على حزب الله مع تبدل الأولويات العالمية (كتركيز الغرب على صراع أوكرانيا أو ملف الصين). لكنها في الوقت عينه تحذّر من أي استغلال لوضع الحزب الحالي، إذ صرّح المرشد الإيراني علي خامنئي بأن أي محاولة لضرب المقاومة في لبنان ستواجه برد فعل يشمل “المنطقة بأسرها”(الجزيرة).
6. الدول العربية (لا سيما الخليجية): اتسم الموقف العربي بحذر وترقب، مع تحول نوعي لدى بعض الدول الخليجية. السعودية ودول الخليج التي كانت تاريخيًا داعمًا ماليًا رئيسيًا للبنان، اعتمدت سياسة مشددة تقوم على “لا دعم دون إصلاح سياسي جوهري” في لبنان. فبعد الحرب، أوصلت الرياض رسالة واضحة عبر قنوات دبلوماسية مفادها أن أي مساعدة مالية مرهونة بتنفيذ إصلاحات سيادية وعلى رأسها ضبط سلاح حزب الله والنأي بلبنان عن صراعات المحاور(رويترز). ولم تُبدِ دول الخليج حماسًا للمساهمة في إعادة الإعمار ضمن الوضع الحالي، تجنبًا لما تعتبره “تمويلًا غير مباشر لحزب الله”. في المقابل، قطر حافظت على دورها التقليدي كلاعب وسيط، فقطر شاركت في جهود الوساطة لإطلاق نار وشجعت على حلول وسط داخلية، بل قدمت معونات عاجلة لإغاثة النازحين في الجنوب خلال الحرب دون تمييز. أما مصر والأردن فركزتا على التنسيق الأمني لضمان عدم تسلل الفوضى من لبنان إلى المنطقة، ودعمتا المبادرات الدولية لإسناد الجيش اللبناني. بشكل عام، يبدو أن الدول العربية تراهن على القيادة اللبنانية الجديدة في كبح نفوذ حزب الله تمهيدًا لعودتها لدعم لبنان. وقد ظهر ذلك في إعلان السعودية تأييدها العلني لدعوة لبنان لاحتكار السلاح بيد الدولة(رويترز). ويمكن وصف الإستراتيجية العربية الحالية بأنها “المراقبة المشروطة”: فإن نجح اللبنانيون في الحد من نفوذ إيران وحزب الله، ستتدفق المساعدات والاستثمارات العربية للمساهمة في إنقاذ لبنان ماليًا؛ وإن تعثروا، فستبقى العواصم العربية على موقفها المتفرج الحذر، بل وربما تزيد ضغوطها الدبلوماسية كما فعلت عبر الجامعة العربية بإصدار بيانات دعم لسيادة لبنان وانتقاد ضمني لسلاح الميليشيات.
7. القوى الدولية الأخرى: روسيا وجدت نفسها تخسر نفوذًا في لبنان وسوريا معًا بعد الحرب وسقوط الأسد. فهي كانت تلعب دورًا في استقرار لبنان عبر التنسيق مع جميع الأطراف، لكن المتغيرات جعلت دورها ثانويًا. حاولت موسكو الدعوة إلى حلول وسط، مشددة على عدم تفجير الوضع اللبناني الداخلي، وعرضت التوسط بين حزب الله وإسرائيل لمنع خرق الهدنة. بيد أن تأثيرها بقي محدودًا لانشغالها بجبهات أخرى (أوكرانيا اساسا”). أما الصين فاتبعت نهجًا حذرا”، إذ دعت علنًا إلى احترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه، وأبدت استعدادًا للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار والاستثمار بغض النظر عن الترتيبات السياسية شريطة وجود حد أدنى من الاستقرار. بكلام آخر، بكين معنية باستقرار لبنان من زاوية غير صراعية (وضمان أمن قواتها العاملة ضمن اليونيفيل)، لكنها غير منخرطة في التفاصيل السياسية كسواها من القوى.
خلاصة القول، تُظهر مواقف الدول الكبرى والإقليمية أن لبنان بات ساحة تجاذب دبلوماسي بعد أن كان ساحة صراع عسكري. الكل يُجمع على ضرورة دعم الدولة اللبنانية نظريًا، لكن عمليًا يضع كل طرف شروطه الخاصة: واشنطن والغرب يربطون الدعم بتحجيم حزب الله، العرب يشترطون ابتعاد لبنان عن إيران، إيران تضع فيتو على أي مساس بالحزب، وإسرائيل تربط الانسحاب الكامل والهدوء بإزالة تهديد ترسانة الحزب. هذه التقاطع المشروط يجعل من الصعب على لبنان المناورة، لكنه في الوقت نفسه قد يتيح له استغلال توازن المصالح للحصول على ما يحتاجه من دعم إذا أحسن التصرف بدبلوماسية وذكاء، كتقديم خطوات إصلاحية حقيقية.
سيناريو تحول لبنان إلى كيانين
في ضوء ما سبق من انقسامات داخلية وضغوط خارجية، يبرز سيناريو خطير يحذر منه كثير من المراقبين: تحول لبنان فعليًا إلى كيانين أو أكثر – أحدهما يسعى للابتعاد عن الصراعات الإقليمية والعيش بسلام واستقرار، والآخر يبقى أسير دوامة النزاع والمواجهة. في هذا السيناريو، لن يكون هناك إعلان رسمي لتقسيم لبنان، بل سيتشكل واقع أمر واقع يقسم البلاد إلى مناطق ذات أوضاع مختلفة جذريًا:
1. الكيان الأول: يمكن وصفه بلبنان “المحايد” أو “المُفيد”. وهو يشمل المناطق التي لا يتواجد فيها نفوذ عسكري لحزب الله أو التي ترفض جرها إلى الصراع. هذه المناطق قد تضم معظم أجزاء جبل لبنان وبيروت الإدارية وبعض الشمال، وربما أيضًا جنوب الليطاني إذا تم تطبيق ترتيبات القرار 1701 بالكامل (أي انتشار الجيش واليونيفيل ومنع القوى المسلحة غبر الرسمية). سيتميز هذا الكيان بقبوله الدعم الدولي والعربي لإعادة البناء والتنمية، تركز على مقاربة “لبنان أولًا”. وقد تدعمه الدول الغربية والخليجية ماليًا بشكل مباشر ليكون نموذج نجاح. في هذا الجزء من البلاد، سيادة الدولة ستكون كاملة (نظريًا على الأقل)، وسينعم أهله بدرجة أعلى من الاستقرار وربما الازدهار النسبي إذا تدفقت المساعدات والاستثمارات الموعودة.
2. الكيان الثاني: وهو مناطق النفوذ التقليدية لحزب الله والفصائل المتحالفة معه. هذه تشمل أجزاء واسعة من البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق حدودية مع سوريا. سيستمر في هذا الكيان الوجود المسلح للحزب ولو بشكل مستتر، مع احتفاظه بمنصات صواريخه ومقاتليه وإن كانوا بعيدًا عن الحدود الجنوبية. سيكون هذا الجزء من البلاد في حالة توتر مزمن، حيث قد يستمر استهدافه بغارات إسرائيلية متقطعة بدعوى ضرب قدرات الحزب (كما يحدث حاليًا من حين لآخر رغم وقف النار(رويترز). وسيعاني سكانه من تبعات العزلة: فالمساعدات الدولية ستأتيهم ببطء وبتحفظ بسبب شروط المانحين، وإعادة الإعمار فيه ستكون أبطأ بكثير من بقية البلاد(رويترز). وربما يضطر حزب الله لتشكيل إدارة موازية غير رسمية لتأمين حاجات سكان تلك المناطق، مثلما فعل بعد حرب 2006 حين تولى بنفسه جزءًا من عملية إعادة الإعمار والإغاثة عبر مؤسساته الاجتماعية(رويترز). بيد أن قدرة الحزب اليوم أضعف ماديًا مما كانت عليه سابقًا – فإيران تحت عقوبات شديدة ووضعها المالي صعب(رويترز) – وبالتالي لن يستطيع تعويض غياب الدولة بنفس الفعالية السابقة. وقد يؤدي ذلك إلى نقمة شعبية داخل بيئته إذا طالت المعاناة وانعدم الأفق.
إن مخاطر هذا السيناريو “اللبنانين” متعددة الجوانب. فاقتصاديًا، سينهار ما تبقى من وحدة السوق اللبنانية، وستختلف مستويات المعيشة والخدمات بين منطقة وأخرى بشكل صارخ. واجتماعيًا، سيتكرس الشرخ الطائفي وربما تزداد الهجرة الداخلية (نزوح مستمر من مناطق النزاع إلى مناطق آمنة داخل البلد)، مما يعيد رسم الخريطة الديمغرافية قسريًا. وسياسيًا، سوف تنهار فكرة الدولة المركزية عمليا، حيث سيتعامل الخارج مع كل “كيان” كأمر واقع: يُمن على الأول بالمساعدات ويتجاهل الثاني أو يعاقبه. والأسوأ أن هكذا وضع قد يصبح دائمًا إذا ترسخ لسنوات، بما يحول التقسيم الأمر الواقع إلى شبه تقسيم فعلي يصعب رجوعه. وقد شبّه أحد الخبراء الوضع المحتمل في هذه الحالة بنوع من الوصاية الدولية أو الاحتلال المقنع؛ إذ حذّر عماد سلامة من أن إسرائيل قد تصبح القوة المهيمنة فعليًا في الشريط الحدودي عبر تفوقها الجوي ودعمها لبعض الفصائل المحلية، كما فعلت تاريخيًا إبان الحرب الأهلية(الجزيرة).
مع ذلك، لا يزال هناك بريق أمل لتفادي هذا السيناريو الكارثي. ويتوقف ذلك على قدرة اللبنانيين، بدعم عقلاني من الخارج، على بلورة تسوية داخلية تضمن للجميع حدًا أدنى من الطمأنينة. فتطمين الشيعة حيال مصيرهم ودورهم هو مفتاح منع انكفاء مناطقهم وتحولها إلى كيان منفصل. بالمقابل، منح بقية الطوائف ضمانات بأن لبنان لن يُستعمل مجددًا كساحة حرب إقليمية هو ضروري لكسب ثقتها بوحدة الوطن. قد تتجلى هذه التسوية في مبدأ “الحياد الناشط” الذي طرحه البطريرك الماروني سابقًا، أي أن يلتزم لبنان بسياسة عدم الانحياز إقليميًا مقابل ضمان أمنه من الجميع. أو ربما في صيغة لا مركزية موسعة إداريًا تُرضي دعاة الفيدرالية دون المساس بالسيادة الوطنية. في جميع الأحوال، تجارب التاريخ تؤكد أن تقسيم لبنان رسميًا خط أحمر دولي وإقليمي؛ فحتى إسرائيل – برغم كل خلافها مع حزب الله – قد لا ترغب فعليًا بحدوث كيان شيعي مسلح مستقل على حدودها خارج أي ضبط دولي. لذلك من المرجح أن تستمر الجهود الحثيثة لفرض حلول توفيقية تجنب لبنان مصير التقسيم، مهما بدا خطره حاضرًا في اللحظة الراهنة.
خاتمة واستنتاجات
شهد لبنان بعد خريف 2024 أخطر منعطف له منذ انتهاء حربه الأهلية، حيث تلاقت عوامل الانهيار الداخلي مع ارتدادات صراع إقليمي محتدم. الحرب الإسرائيلية الأخيرة وإن انتهت رسميًا بوقف لإطلاق النار، إلا أن تداعياتها الجيوسياسية ما زالت تتفاعل بقوة على الساحة اللبنانية. فقد أعادت ترتيب موازين القوى: حزب الله المثخَن بالجراح بات في موقف دفاعي داخليًا وإقليميًا، فيما اكتسبت الدولة اللبنانية فرصة (ورهانًا صعبًا) لاستعادة زمام المبادرة السيادية(رويترز). وفي الوقت عينه، أدى سقوط محور دمشق-طهران إلى خلق واقع جديد يضغط على حزب الله ويمنح خصومه فسحة للتحرك(الجزيرة). بيد أن هذه الفرصة محفوفة بالمخاطر، إذ إن الدفع بقوة نحو نزع سلاح الحزب دون توافق يهدد بنسف السلم الأهلي وتمزيق البلاد من الداخل(رويترز).
التقييم الموضوعي يشير إلى أن لبنان لا يزال قادرًا على تجنب سيناريوهات التفكك إذا أحسن قادته إدارة التوازنات الدقيقة. المطلوب هو معادلة جديدة تحفظ للجميع حدًا أدنى من المكاسب: ضمانات حقيقية للطائفة الشيعية بأنها شريك متكافئ في الدولة وبأن أمنها مصون، وفي الوقت نفسه تأكيد حياد لبنان عن صراعات المحاور وتطمين بقية المكونات أن الأراضي اللبنانية لن تستخدم منصة لحروب الآخرين(الجزيرة). هذه المعادلة لن ترى النور دون رعاية دولية وعربية مؤثرة، فلبنان اليوم أضعف من أن ينهض بمفرده من ركام أزماته. على الأمم المتحدة والقوى الكبرى أن تدرك أن استقرار لبنان وحدةً واحدة هو مصلحة للجميع: فتفككه أو تحوله لساحة حرب دائمة سيعني موجات جديدة من اللاجئين، وملاذًا للجماعات المتطرفة، وتعميقًا للفوضى الإقليمية.
في الختام، يمكن القول إن لبنان يقف على مفترق طرق تاريخي. فإما أن يُستثمر ضعف الأطراف المتصارعة فيه لفرض تسوية مستدامة تعالج جذور أزماته (الحكم الفاسد، المحاصصة الطائفية، ازدواجية السلاح) بدعم وإشراف المجتمع الدولي، وإما أن يسير – لا قدّر الله – نحو مزيد من الانهيار والتشرذم الذي قد يجعل منه “دولة فاشلة” أو دويلات أمر واقع متناحرة. ورغم قتامة المشهد، لا يزال بصيص الأمل موجودًا في قدرة اللبنانيين التاريخية على النهوض من تحت الأنقاض كلما اعتقد العالم أنهم انتهوا. والمطلوب اليوم إرادة سياسية صادقة وجريئة من أبنائه ودعم مخلص من أشقائه وأصدقائه، كي يخرج لبنان من نفق أزمته الوجودية إلى مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا. فلبنان واحد موحد، مستقر ومزدهر، هو الضمانة الأكيدة لئلا يتكرر ما شهده بعد خريف 2024 من مآسٍ وكوارث.
المراجع والمصادر:
تقارير رويترز وتحليلات مراكز أبحاث حول آثار الحرب الإسرائيلية 2024 على لبنان(رويترز) .
مقالة مركز كارنيغي للشرق الأوسط حول جدوى حرب إسرائيل على لبنانcarnegieendowment.orgcarnegieendowment.org.
تقرير مجلس العلاقات الخارجية (CFR) عن لبنان ومستقبل حزب الله بعد الحربcfr.orgcfr.org.
تحليل مجموعة الأزمات الدولية حول التوترات الداخلية في لبنان بعد حرب 2024boletinderechoshumanos.wordpress.com.
تغطية الجزيرة الإخبارية لتداعيات سقوط نظام الأسد على محور المقاومة(الجزيرة).
تصريحات لمسؤولي حزب الله حول استعدادهم لمناقشة سلاحهم بشروط معينة(رويترز)
بيانات الأمم المتحدة المتعلقة بتنفيذ القرارات 1559 و1701 ووحدة لبنان(الجزيرة).
مقالات رويترز حول الانتخابات المحلية ودلالاتها على شعبية حزب الله ومخاطر أي محاولة لنزع سلاحه بالقوة(رويترز) .
تغطية الجزيرة لمواقف الخبراء عن احتمال استغلال خصوم حزب الله لضعفه وخطر تفكك السلطة(الجزيرة).
دراسة مركز Al-Habtoor Research حول مستقبل حزب الله (Hezbollah 2.0) بعد الحرب 2024(مركز الحبتور للدراسات)(مركز الحبتور للدراسات).
اقتباسات
Pictures of the Day | November 27, 2024 – November 27, 2024 | Reuters
https://www.(رويترز)/pictures/photos-of-the-day/pictures-day-november-27-2024-2024-11-27/
Hezbollah 2.0: The Future of the Party in Lebanon – Al Habtoor Research Centre
https://www.(مركز الحبتور للدراسات)/programmes/hezbollah-future-lebanon/
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
New government, ceasefire give Lebanon hope | The Catholic Register
https://www.catholicregister.org/item/1712-new-government-ceasefire-give-lebanon-hope
Líbano | Observatorio de los Derechos Humanos
https://boletinderechoshumanos.wordpress.com/tag/libano/
Pictures of the Day | November 27, 2024 – November 27, 2024 | Reuters
https://www.(رويترز)/pictures/photos-of-the-day/pictures-day-november-27-2024-2024-11-27/
Lebanon: How Israel, Hezbollah, and Regional Powers Are Shaping Its Future | Council on Foreign Relations
https://www.cfr.org/backgrounder/lebanon-how-israel-hezbollah-and-regional-powers-are-shaping-its-future
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
New government, ceasefire give Lebanon hope | The Catholic Register
https://www.catholicregister.org/item/1712-new-government-ceasefire-give-lebanon-hope
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
Hezbollah 2.0: The Future of the Party in Lebanon – Al Habtoor Research Centre
https://www.(مركز الحبتور للدراسات)/programmes/hezbollah-future-lebanon/
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
Hezbollah 2.0: The Future of the Party in Lebanon – Al Habtoor Research Centre
https://www.(مركز الحبتور للدراسات)/programmes/hezbollah-future-lebanon/
Hezbollah 2.0: The Future of the Party in Lebanon – Al Habtoor Research Centre
https://www.(مركز الحبتور للدراسات)/programmes/hezbollah-future-lebanon/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Report: Hezbollah looking to start smuggling in weapons via sea
https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/report-hezbollah-looking-to-start-smuggling-in-weapons-via-sea/
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Lebanon: How Israel, Hezbollah, and Regional Powers Are Shaping Its Future | Council on Foreign Relations
https://www.cfr.org/backgrounder/lebanon-how-israel-hezbollah-and-regional-powers-are-shaping-its-future
The Futility of a Lebanon War | Carnegie Endowment for International Peace
https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2024/07/the-futility-of-an-israeli-war-on-lebanon?lang=en
The Futility of a Lebanon War | Carnegie Endowment for International Peace
https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2024/07/the-futility-of-an-israeli-war-on-lebanon?lang=en
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Líbano | Observatorio de los Derechos Humanos
https://boletinderechoshumanos.wordpress.com/tag/libano/
Exclusive: Facing calls to disarm, Hezbollah ready to discuss weapons if Israel withdraws, senior official says | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/facing-calls-disarm-hezbollah-ready-discuss-weapons-if-israel-withdraws-senior-2025-04-08/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Could rival Lebanese factions exploit a weakened Hezbollah? | Hezbollah News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/9/30/could-rival-lebanese-factions-exploit-a-weakened-hezbollah
Report: Hezbollah looking to start smuggling in weapons via sea
https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/report-hezbollah-looking-to-start-smuggling-in-weapons-via-sea/
The Iran-led axis of resistance in the aftermath of Syria’s upheaval | Israel-Palestine conflict News | Al Jazeera
https://www.(الجزيرة)/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
New government, ceasefire give Lebanon hope | The Catholic Register
https://www.catholicregister.org/item/1712-new-government-ceasefire-give-lebanon-hope
New government, ceasefire give Lebanon hope | The Catholic Register
https://www.catholicregister.org/item/1712-new-government-ceasefire-give-lebanon-hope
The Futility of a Lebanon War | Carnegie Endowment for International Peace
https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2024/07/the-futility-of-an-israeli-war-on-lebanon?lang=en
Hezbollah seeks boost in Lebanon vote as disarmament calls grow | Reuters
https://www.(رويترز)/world/middle-east/hezbollah-seeks-boost-lebanon-vote-disarmament-calls-grow-2025-05-23/
Hezbollah 2.0: The Future of the Party in Lebanon – Al Habtoor Research Centre
https://www.(مركز الحبتور للدراسات)/programmes/hezbollah-future-lebanon/