ازمة لبنانالاحدث
لبنان وكيفية الاستفادة من احتياطي الذهب دون بيعه: هل الأصول المشفّرة هي الحل؟ | بقلم زهير عساف

مع الارتفاع الكبير في أسعار الذهب عالميًا، ارتفعت القيمة السوقية لاحتياطي الذهب في لبنان لتصل إلى حوالي 27 مليار دولار، موزّعة على 286.8 طنًا من المعدن الثمين. هذا التطوّر يفتح الباب أمام مقاربات جديدة لإدارة هذا الأصل، بما يخدم تعزيز الاستقرار المالي وتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية دون اللجوء إلى بيع الذهب مباشرة.
في ظل التحديات البنكية الحادة التي يواجهها لبنان، تبرز العملات الرقمية المدعومة بالذهب كخيار استراتيجي يمكن أن يسهم في إعادة تنشيط القطاع المالي. على سبيل المثال، يمكن لمصرف لبنان إصدار عملة رقمية مرتبطة بالذهب، تتيح للمواطنين تداول وحدات رقمية تمثل حصصًا فعلية من المعدن، ما يعزّز السيولة المالية، ويوفّر وسيلة آمنة للحفاظ على القيمة في ظل تقلبات العملة المحلية والتضخم.
إلى جانب ذلك، يمكن الاستفادة من جزء من احتياطي الذهب في أنظمة التمويل اللامركزي (DeFi)، من خلال استخدامه كضمان للقروض أو كركيزة لتأمين السيولة على منصات العملات المشفرة. هكذا يُمكن توليد أدوات مالية جديدة مبتكرة من دون المساس بالذهب الفعلي.
في هذا الإطار، يُقترح أيضًا إصدار سندات رقمية مدعومة بالذهب من خلال تقنيات البلوكشين، ما يوفّر مستوى عاليًا من الشفافية ويُسهّل جذب استثمارات دولية مباشرة، خصوصًا في ظل تراجع الثقة التقليدية بالقطاع المصرفي. ويمكن أن تُشكل هذه السندات أداة فعالة لتقليل الدين العام وتخفيف الضغط عن المالية العامة.
علاوة على ذلك، يمكن للدولة اللبنانية إنشاء صندوق سيادي رقمي مدعوم بالذهب، يستثمر جزءًا من الاحتياطي في مشاريع استراتيجية حيوية ضمن نظام مالي رقمي متطوّر. هذه الخطوة من شأنها أن تعزز التنويع الاقتصادي وتقلل الاعتماد على القطاعات التقليدية المتعثرة.
غير أن تحقيق هذه الرؤية يتطلّب تحديث الأطر القانونية والتشريعية ذات الصلة، خاصة وأن لبنان لا يملك حتى الآن قوانين واضحة تنظم الأصول الرقمية. من أبرز القوانين التي يمكن تعديلها:
1. قانون النقد والتسليف (1963): يُعطي مصرف لبنان الصلاحية في إدارة السياسة النقدية، ويمكن توسيعه ليشمل إصدار العملات الرقمية وربطها بالذهب.
2. التعميم رقم 331 (2013): يهدف إلى دعم الشركات الناشئة في القطاع المالي، ويمكن تحديثه ليشمل الاستثمارات في تكنولوجيا البلوكشين والعملات الرقمية المدعومة بأصول.
3. مشروع قانون الكابيتال كونترول: ينظم حركة الأموال، لكنه لا يشمل الأصول المشفّرة. يمكن تعديله لتأسيس إطار قانوني واضح للتعامل مع العملات الرقمية والمنصات التي تديرها.
في هذا السياق، يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى اعتمدت نماذج مشابهة:
الإمارات العربية المتحدة: أطلقت دبي عملة رقمية مدعومة بالذهب (GoldX)، وأقرت قوانين متقدّمة لتنظيم الأصول الرقمية وجذب الاستثمارات.
روسيا: استخدمت احتياطياتها من الذهب لدعم منصات تمويل لامركزي وتطوير أنظمة دفع تعتمد على الذهب.
سنغافورة: شهدت إطلاق عدة مشاريع لتوكنات ذهبية يتم تداولها دوليًا، ما عزز موقعها كمركز مالي عالمي حديث.
في ظل الارتفاع المستمر في أسعار الذهب، يمتلك لبنان فرصة حقيقية لاستثمار هذه الثروة بشكل مبتكر، بعيدًا عن الأساليب التقليدية كبيع الذهب أو تجميده في خزائن. عبر تبني أدوات رقمية حديثة وإصلاح الإطار القانوني الناظم لها، يمكن فتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد اللبناني، وجذب استثمارات نوعية، وتحقيق استقرار نقدي مستدام، مما يضع لبنان في موقع ريادي في المنطقة على صعيد التكنولوجيا المالية والاستثمار السيادي الذكي.