الإرهاب والعنف ومواصلة ارتكاب المذابح المقرونة بتجاوزات لكل الاعراف والقوانين الدولية، سمة سائدة في الفكر الصهيوني، منذُ قيامها انتهج قادة دولة الاحتلال الاسرائيلي هذه الأيديولوجيا والفكر المتطرف فتاريخ إسرائيل حافل بالمجازر بحق الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج، من مذبحة سوق حيفا عام 1937، مذبحة دير ياسين 1948، مذبحة قلقيلية 1956، مذبحة صبرا وشاتيلا 1982 مذبحة المسجد الأقصى 1990، مذبحة مخيم جنين 2002، والقائمة تطول لكنها على ما يبدو لم ولن تنتهي وهي مستمرة بحق ابناء الشعب الفلسطيني وتزداد وحشية وهمجية. منذ احداث السابع من اكتوبر 2023 قتلت اسرائيل حتى تاريخه اكثر من 40 الف فلسطيني واصابت اكثر من 100 الف، وتسببت في دمار شامل لكل اوجه الحياة في قطاع غزة.
رحلة البحث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقله مُسيجة بالدماء، الى الوراء قليلا، بتاريخ السادس عشر من أيلول عام 1982 ارتكبت اسرائيل مجزرة صبرا وشاتيلا تلك المجزرة والّتي حصدت الآف الارواح من الاطفال والنساء الناجين من النكبة ممن لجؤوا الى لبنان، ما بين المذبحة والمذبحة تواصل اسرائيل ارتكاب جرائمها دون رادع قانوني او اخلاقي. على مدى العقود الماضية من عمر الاحتلال جلبت استراتيجيات اليمين المتطرف كارثة تلوى الاخرى، بعد مرور اكثر من اربعة عقود على مجزرة صبرا وشاتيلا يتكرر المشهد نفسه، بنفس الادوات وبسلاح حلفاء الابادة الجماعية وفي المقدمة منهم واشنطن وإن تغير المكان على طول الارض الفلسطينية التاريخية وعرضها، منذ السابع من اكتوبر اعلنت اسرائيل حرب الابادة الجماعية على قطاع غزة، وحولته الى قطعة من الجحيم، تكررت مشاهد النكبة، وتفاصيلها من اللجوء الى النزوح، مع عدوان متواصل حوّل القطاع إلى مدينة منكوبة وسط كومة من الركام.
يؤكد هذا المشهد المأساوي الذي تتسبب به اسرائيل وجيشها، ان مسألة ارتكاب المذابح الوحشية المُتواصلة في فلسطين لا تأتي من فراغ، وهي امتداد لعقيدة اليميني الصهيوني الاول زئيف جابوتينسكي والتي اطلق عليها “الجدار الحديدي”، ويرى فيها ان حدود دولة الاحتلال الاسرائيلي يجب ان لا تبقى محصورة في حدود فلسطين التاريخية بل يجب ان تتعداها، وان الاغلبية يجب ان تكون لليهود داخل حدود فلسطين التاريخية، ولا يكون ذلك الا من خلال مزيد من الهجرات اليهودية الى ارض فلسطين بالتزامن مع مزيد من الضغط بكل الوسائل بما فيها القوة العسكرية القاهرة للمواطنين الفلسطينيين سكان الارض الاصليين لدفعهم نحو النزوج كمقدمة للجوء والهجرة القسرية وافراغ الارض للمستوطنين القادمين من خلف المحيطات. وتؤكد عقيدة جوبوتينسكي على ضرورة عدم ابرام صفقات سلام مع الفلسطينيين، بل على العكس يجب اخضاعهم للقوة ومزيد من القوة ودفعهم لفقدان الامل في قدرتهم على مواجهة اسرائيل. يقول جابوتينسكي في مقاله Iron Wall الذي تم نشره بتاريخ 4 نوفمبر عام 1923، “وإلا فما الحاجة إلى إعلان بلفور؟ أو إلى الانتداب؟ إن قيمتهما بالنسبة لنا تكمن في أن القوة الخارجية تعهدت بخلق ظروف إدارية وأمنية في البلاد بحيث إذا رغب السكان الأصليون في عرقلة عملنا، فسوف يجدون ذلك مستحيلاً”. ويضيف، “وإننا جميعاً، بلا استثناء، نطالب يوماً بعد يوم هذه القوة الخارجية بأن تقوم بهذه المهمة بقوة وعزم”.
المبادئ الارهابية التي صاغها جابوتينسكي في عقيدته لم تنقطع، ووجدت طريقها الى بريد اليمين المتطرف، مع استبدال الراعي الرسمي لجرائم الاحتلال – حلت امريكا بشكل رسمي مكان بريطانيا، حيث معتقدات واوهام نتنياهو وحفنة من المتطرفين الجدد من امثال سموترتيتش وبن غفير وغيرهم من اصحاب القرار في حكومة ائتلاف الحرب الاسرائيلية، الذين صمموا سياساتهم على قواعد الصهيونية في ارهاب الشعب الفلسطيني وسرقة ارضه وموارده وحرمانه من حقه في تقرير المصير، عبر استمرار ممارسة القوة ومزيد من القوة التي اوصى بها جابوتينسكي.
يحاول نتنياهو وعصابة تحالف الحرب حرف الانظار عن اصل الصراع وتحويله الى صراع ديني، عبر استحضار الروح العدوانية من مصادر توراتية وتلمودية اعيد كتابتها بما يتوافق مع غريزتهم العدوانية المتعطشه لسفك الدماء، جملة هذه الرسائل كان بعضها حاضراً في تصريحاته بعد احداث السابع من اكتوبر، جاء في سفر إرميا: “… ومَلعونٌ مَنْ يَمنَعُ سَيفَهُ عَنِ الدم”. وفي سفر التثنية: “فَضَرْباً تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلكَ المَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُل أَمْتِعَتِهَا إِلى وَسَطِ سَاحَتِهَا وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ المَدِينَةَ وَكُل أَمْتِعَتِهَا كَامِلةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ فَتَكُونُ تَلاًّ إِلى الأَبَدِ لا تُبْنَى بَعْدُ”. وهُناك نصوص في التوراة تخصُّ الفلسطينيين بالقتل والإبادة مثل ما جاء في سفر صموئيل الأول: “فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً, طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً “.
ثقافة الحروب من وجهة نظر قادة اسرائيل من اليمين المتطرف ما هي إلّا أمر إلهي مُبارك من يعلنها، وهي فلسفة سياسية يتم توظيفها في سياق ديني تمتد جذورها الى اعماق الفكر الصهيوني القائم على الإرهاب. فالصهيونيّ لا يمكنه إلّا أن يكون إرهابياً بطبيعته، ومما يعزز هذه الحجه، ان اتباع الصهيونية والمؤمنون بها يتخذون من هذه العقيدة مرتكزا لمواصلة احتلال اراضي دولة فلسطين وابادة شعبها على اساس ان هذه الارض هي ملك لليهود وحدهم، وأنها وعد الله كما يزعمون، ولا يكون ذلك الا من خلال بسط الملكية على هذه الارض واحتلالها بشكل كامل والتخلص من السكان الاصليين بالقتل او الطرد اوالتهجير الجماعي في أحسن الاحوال، والفلسطيني الجيد من وجهة نظرهم هو الفلسطيني الميت.
من وجهة نظر اليمين الديني المتطرف، فإنّ التوراة تأمرهم أن يستولوا على أرض فلسطين، بكُل الوسائل والطُّرق القانونية وغير القانونية، وان هذا واجباً دينياً مُقدّساً على جميع اليهود وفق معتقداتهم، أقرّته الشريعة اليهودية وأمرت به، ويزعم الحاخامات في سياق سياسة تشجيع الاستيطان ومصادرة الاراضي وطرد الفلسينيين، أن الاستيطان في “أرض إسرائيل” فريضة من أصل 613 فريضة يهودية، وأن اليهوديّ حول العالم إذا كان يريد الذهاب والإستيطان في أرض إسرائيل وعارضته زوجته يسمح له أن يطلقها، وعلى المستوى الداخلي إذا كان اليهوديّ أساساً مقيم في فلسطين وعارضته زوجته في حال قرر الإنتقال للعيش في مدينة القدس فهو أيضاً سبب ومُبرر كافي ليطلقها.
ان رسم اوجه التشابه بين افكار وافعال الصهيونية واعمال الارهاب هو محاولة ناجحه في سياق تطوير السرد التاريخي لانشاء خط جديد يمكن الاستدلال عليه بسهولة من ممارسات حكومات الاحتلال المتعاقبة وما يحمله قادة الفكر الصهويني اليمين المتطرفة في اسرائيل، فاليوم يهدد تحالف نتنياهو وعصابة الحرب مع ما يحملونه من معتقدات دينية لا اساس لها من الصحة، الى تحويل الصراع السياسي الى صراع ديني يمتد ليحرق الشرق الاوسط بأكمله.