نعم لإقرار خطّة اقتصاديّة اجتماعيّة للنهوض بلبنان | بقلم د. رنا منصور
على الدولة اللبنانيّة الواقعة بانهيار ماليّ واقتصاديّ منذ العام 2019 أن تُقرّ خطّة اقتصاديّة طويلة الأمد للنهوض بثلاثة ركائز هي:
1- الأمن الاقتصاديّ،
2- الأمن الغذائيّ،
3- الإنماء المتوازن.
وعلى الهيئات الاقتصاديّة والنقابات والمهن الحرة أن تضغط باتجاه إقرار مثل هكذ خطّة لوضع السياستًيْن الاقتصاديّة والاجتماعيّة على سكّة النهوض التي يتطلّع إليها كل شخص واعي.
إنّ بلورة هذا المفهوم تكمن في إصلاح القضاء وتنظيم السلطة القضائيّة، وإقرار اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة وتحديد نمط وأسس الإصلاح في كل وزارة ومؤسّسة عامة، وإقرار الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص، وحل مشكلة الكهرباء لتحقيق الكفاية الاجتماعيّة، ومواجهة أزمة المياه لتأمين حاجة الدولة من التنمية المستدامة وإقرار الحوكمة المستدامة والمُساءلة المعياريّة ووضع استراتيجيّة التنمية الوطنيّة.
أمّا التحدّي على المستوى الاقتصاديّ، فيكمن في تعزيز منافسة الشركات الوطنيّة وإنماء القطاعات الإنتاجيّة الزراعيّة والصناعيّة في لبنان وتحسين أدائهما وتعزيز الاستثمار والتصدير إلى الخارج للحد من العجز في الميزان التجاريّ وإيقاف الإختلالات الماليّة. كذلك يجب إيجاد حل سريع لكيفيّة استخراج النفط والغاز اللبنانيّ وتشجيع المؤسسات اللبنانيّة ودعم القطاع المصرفيّ كونه المموّل للاقتصاد.
أمّا على الصعيد الاجتماعيّ، فيجب دعم الجمعيّات الخيريّة لا سيما تلك التي تُعنى بالأمراض المستعصية ،ويجب دعم الضمان الاجتماعيّ والمستشفيات الحكوميّة ووزارتَيْ الصحة والشؤون الاجتماعيّة لوضع سياسة صحيّة فعّالة الأداء. كما يجب أن ينعكس ذلك إيجاباً على وضع المتقاعدين وحمايتهم الاجتماعيّة دون إغفال تعزيز الوضع الصحيّ للقوى العاملة في لبنان.
إنّ استراتيجيّة التنمية تستدعي تفعيل قدرات الدولة والمجتمع وتأمين الموارد لها من خلال مشاركة القطاعات الاقتصاديّة والجمعيات الخيريّة في صياغة السياستَيْن الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدولة وتعزيز الحوار والتنسيق بينهما لوضع رؤية جامعة إنقاذيّة تُخرج الشعب اللبنانيّ من الضائقة المعيشية وتُعزّز الاستثمار وتخفّض عجز الماليّة وتحدّ من البطالة واندثار الطبقة الوسطى التي تُعتبر الأساس لتشغيل العمّال في أي بلد.
إنّ أساس الإصلاح لا يمكن أن يكون مجتزأً والترميم الإنتقائيّ لم يعد خياراً، لذلك يجب التوافق على هذه الخطّة التنمويّة لمدة لا تقل عن خمس سنوات كي تُبنى الثقة بالوطن والدولة ليتم تأسيس التكامل الإنمائي والتكافل الاجتماعيّ.
في غياب الوفاق الوطنيّ السياسيّ، لا يمكن أن يغيب الوفاق الوطنيّ الاجتماعيّ لأنّ أمن المجتمع ونهوضه الاقتصاديّ هو الأساس في بناء الدولة. ولا يمكن أن يغفل أحد عن أهميّة إيقاف الوطن على قدمَيْه ماليّاً واقتصاديّاً، ممّا يجذب الاستثمار للوطن ويؤمّن تطوير بيئته الاقتصاديّة التي هي الأساس لتحقيق النظام السياسيّ. لذلك لا بد من الإنتقال من دعم الأشخاص إلى دعم الدولة والنظام من خلال إجراء الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة والإداريّة المنشودة وتعزيز المؤسسات الرسميّة الداعمة للإنتاج الوطنيّ كمكتب الحبوب والشمندر، ومؤسّسة ضمان الودائع، والمشروع الأخضر ومؤسّسات كفالات، وبرنامج القروض المدفوعة والقروض الداعمة للصادرات الزراعيّة.
إنّ إرساء العقد الاجتماعيّ الحديث هو الأساس لتحقيق العدالة الاجتماعيّة والنهوض البنيويّ المنشود. وعلى خط موازٍ، يجب مساهمة الدولة في تعزيز موارد الجمعيّات الخيريّة من خلال وزارتَيْ الشؤون الاجتماعيّة والصحة لأنّ الغذاء والدواء والطبابة والاستشفاء هم السبيل الوحيد لتعزيز العدالة الاجتماعيّة في ظل ضعف سعر صرف الليرة اللبنانيّة أمام الدولار واستشراء الغلاء والبطالة وفقدان مقوّمات الحياة الأساسيّة وتقديمات الدولة لا سيّما لناحية الطاقة والمياه. فعلى الأقل يجب إطعام الجائع ومداواة المريض، وهذا أقلّ الإيمان.