الاحدثالجيوبوليتيك الروسي

ما الذي ينتظر سوريا في المستقبل؟ وجهة نظر روسية

لم تقدم الأشهر الأولى من حكم السلطات الجديدة في دمشق رؤية واضحة لمستقبل سوريا. وفي الوقت نفسه، يحاول الرئيس الانتقالي لسوريا وأمير “هيئة تحرير الشام” السابق، أحمد الشرع (المعروف بأبو محمد الجولاني)، الحفاظ على قبضته على السلطة، والتحكم في الجماعات المسلحة داخل الهيئة، وتنفيذ سياسة مراعاة طائفية (أو على الأقل الإعلان عنها)، وحماية الأقليات في البلاد. كما يسوّق نفسه كقائد معتدل وعملي منفتح على الحوار مع الجميع، من خلال اتصالات مكثفة مع ممثلي دول أجنبية (بما في ذلك الغرب) داخل البلاد وخارجها. يحتاج لإقناع الدول الغربية ببراغماتيته وعدم تشدده لرفع العقوبات عن سوريا وجذب الاستثمارات. حتى الآن، لم تُجْدِ هذه الجهود نتائج فورية، ولا يضمن الأسلوب الهش المُتبقّى بقاء الجولاني في السلطة أو تفادي صراعات بين الجماعات المتطرفة داخل الهيئة، أو انزلاق سوريا إلى فوضى أكبر.

تبقى الأزمة السورية دولية بشكل كبير، حيث تلعب الجهات الخارجية دورًا محوريًا. لذا، فإن سوريا اليوم ليست مشكلة السوريين وحدهم، بل قضية عالمية تتحمل فيها القوى الإقليمية والدولية مسؤولية مساعدتها في تحقيق السلام والاستقرار.

سيناريوهات محتملة لسوريا :

رغم أن الرواية السائدة تؤكد ضرورة بقاء سوريا موحدة، إلا أن خطر التقسيم إلى كيانات صغيرة (مُحتمل الفشل) قائم. قد يؤدي هذا إلى زعزعة الاستقرار وإثارة مراجعات جيوسياسية في الشرق الأوسط. إذا فشلت السلطات في السيطرة على الجماعات المسلحة أو استمرت الاشتباكات داخل هيئة تحرير الشام والمعارضة (مثل الجيش الوطني السوري والأكراد والدروز)، فقد تظهر كيانات منفصلة: دولة علوية على الساحل، وحكم كردي ذاتي، وسيطرة فصائل سابقة للهيئة على دمشق وحلب. ورغم ضعف احتمالية هذا السيناريو، يبقى خطر استمرار عدم الاستقرار أو عودة العنف.

عوامل استمرار عدم الاستقرار

1. الطائفية:
سوريا الحديثة نتاج تصميم استعماري جعلها كيانًا متعدد الأعراق والأديان. التوترات التاريخية بين الأغلبية السنية والأقليات (العلويون، الإسماعيليون، الدروز، المسيحيون، الشيعة) تشكل نقطة ضعف رئيسية. وفقًا للأمم المتحدة، يبلغ عدد السكان 23.5 مليون نسمة، مع أغلبية سنية عربية (60-70٪)، وأقلية علوية (10-12٪)، وأكراد (10-15٪)، ومسيحيون (2-4٪)، ودروز (1٪).

2. ضعف سيطرة دمشق:
لا تتحكم السلطات الجديدة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (التي تسيطر على 25-27٪ من الأراضي) ولا بالجيش الوطني السوري في الشمال. كما تضغط تركيا على الهيئة والجيش الوطني لتحجيم الأكراد، ما يهدد وحدة البلاد. تحتاج دمشق أيضًا إلى استعادة السيطرة على الشمال الشرقي الغني بالنفط والغاز والقمح.

3. غياب الاحتكار الشرعي للعنف:
انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة (مثل “غرفة العمليات الجنوبية” بقيادة أحمد العودة) يُعقّد الاستقرار.

4. الطبيعة الراديكالية للسلطات:
رغم محاولات الجولاني إظهار الاعتدال، يبقى خطر التطرف والإسلاموية قائمًا، خاصة مع بقاء الهيئة على قوائم الإرهاب.

5. التأثير الخارجي:
شرعية السلطات تعتمد على الاعتراف الدولي (خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي). رفع العقوبات مرتبط بمسار دمشق، ولدى الغرب نفوذ كبير عبر هذه العقوبات.

موقف روسيا من سوريا: 

تحتفظ روسيا بموقف حذر مع الحفاظ على العلاقات مع جميع الفصائل. أصولها في سوريا تشمل:
– القواعد العسكرية في طرطوس واللاذقية، والتي قد تستخدم لدعم الأقليات.
– التعاون العسكري-التقني لإعادة بناء الجيش السوري.
– العلاقات مع الزعماء المحليين والقدرة على لعب دور في المصالحات.
– الدعم الزراعي بتوريد القمح.
– العلاقات الدبلوماسية مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية.

لا تستطيع دمشق قطع العلاقات معن موسكو، التي توفر توازنًا ضد النفوذ التركي أو الغربي. الزيارة الأخيرة لوفد روسي برئاسة ميخائيل بوغدانوف ومكالمة بوتين مع الشرع تؤكد استمرار الحوار.

قد تشهد سوريا تصعيدًا جديدًا في 2025 بسبب صراعات داخلية أو إهمال المصالح الروسية والإيرانية. مستقبل البلاد يعتمد على التوازن بين القوى الداخلية والضغوط الخارجية، مع ضرورة رفع العقوبات وتدفق الاستثمارات لإعادة الإعمار. الجهود الدولية والإقليمية المشتركة تبقى مفتاحًا لأي حل دائم.

المصدر: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى