الاحدثالجيوبوليتيك الروسي

ما لقيصر لقيصر… فمن يزرع الريح لا يحصد الا العواصف | بقلم د. عوض سليمية

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مع استمرار العملية العسكرية الخاصة التي اطلقها الرئيس الروسي بوتين لحماية المدنيين في اقليم الدونباس من انهاء شهرها الاول، أصبحت أوكرانيا ساحة معركة جديدة لتجاذبات القوى العظمى وميدان استعراض لاحدث التقنيات العسكرية واسلحة الردع. في الوقت الذي إطلع فيه العالم على مطالب موسكو الامنية قبل بدء العملية وعلى اهدافها بعد انطلاقها، احجمت واشنطن عن صياغة مببرات عدم تقديمها ورقة الضمانات الامنية لموسكو، وباتت تتكشف مصالحها في الدفع نحو استمرار الحرب بعد انطلاقها.

ومع استمرار القتال وارتفاع الخسائر البشرية والمادية بشكل يومي بين طرفي النزاع، وملايين المواطنين الاوكران اضحوا لاجئين خارج حدود بلدهم، تتطوع معظم دول العالم لارسال شحنات من الادوية والاغذية ومستلزمات الحياة للاجئين، وتحاول الدبلوماسية التدخل لانهاء الازمة، غير أن واشنطن تتطوع بإرسال المزيد من قوافل الشحنات العسكرية بما فيها الاف الصواريخ من طراز جافلين وستينجر المضادة للطائرات والدروع، ومزيد من الذخائر لاطالة أمد المعركة. ويتفاخر الرئيس بايدن امام الجميع انه كان مستعد لهذه اللحظة منذ العام الماضي، يقول، لقد أرسلنا إلى أوكرانيا المزيد من المساعدة الأمنية العام الماضي بما قيمته 650 مليون دولار من الأسلحة، بما في ذلك المعدات المضادة للطائرات والمدرعات قبل الغزو – أكثر مما قدمناه من قبل. لذلك عندما بدأ الغزو، كان لديهم/ الاوكرانيين بالفعل أنواع الأسلحة التي يحتاجونها لمواجهة التقدم الروسي.

وبمجرد بدء الحرب، يتابع بايدن، أرسلنا على الفور ما قيمته 350 مليون دولار كمساعدات إضافية لتلبية احتياجاتهم بشكل أكبر: مئات الأنظمة المضادة للطائرات، وآلاف الأسلحة المضادة للدبابات، وطائرات الهليكوبتر للنقل، وزوارق الدوريات المسلحة، وغيرها من المركبات عالية الحركة، وأنظمة الرادار والطائرات بدون طيار ومعدات اتصالات آمنة ومعدات تكتيكية وصور الأقمار الصناعية وقدرة التحليل.

بالنظر الى التصريحات الصادرة عن قادة البيت الابيض بان امريكا لن تقاتل الجيش الروسي على الارض الاوكرانية، لكنها ملتزمة بامداد الجيش الاوكراني بمعدات عسكرية لمواجهة الجيش الروسي، فان الاهداف الامريكية باتت واضحه، من بين امور اخرى في (1) إلحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر في الارواح والمعدات العسكرية الروسية قبل انهيار الجيش الاوكراني وسقوط كييف في يد الجيش الروسي والذي بات امرا محسوماً. بالتزامن مع ادخال موسكو في حرب استنزاف داخلية تؤثر سلباً على انشطتها العسكرية خارج حدودها (2). ضرب العلاقة بين روسيا ودول الاتحاد الاوروبي وخاصة (المانيا) والتي تربطها مصالح اقتصادية مع الامبراطورية الروسية وخاصة في مجالات الطاقة بما فيها تجميد مشروع “نورد ستريم2” لامداد المانيا بالغاز الطبيعي. و(3) ايجاد مبررات لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وبالتالي كبح جماح النمو الاقتصادي الروسي المتزايد من خلال ضرب مشاريع الطاقة الروسية الى جانب فرض اشكال عديدة من العقوبات فاقت الــ 5700 نوعاً منها.

وعلى الرغم من الاجراءات العقابية الجائرة التي اعلنتها واشنطن وحلفائها ضد موسكو بما فيها (عقوبات اقتصادية، ثقافية، رياضية، مالية، تجميد ملايين الدولارات، مصادرة الاصول الروسية…)، الا ان الرئيس الروسي يزداد صلابة في مواقفه، وهو عازم على انفاذ جميع اهداف الحملة العسكرية، فبوتين ينظر الى محاولات ضم اوكرانيا للحلف بمثابة تهديداً وجودياً للامن القومي الروسي، وخطاً احمر لن يسمح بتجاوزه، وفي خطابه الاخير، اكد الرئيس بوتين من جديد ان العملية العسكرية في اوكرانيا سوف تستمر حتى تحقيق كامل اهدافها المتمثلة في تحويل اوكرانيا الى دولة محايدة منزوعة السلاح على غرار النمسا أو السويد.

القضاء على النازية والفاشية في أوكرانيا

اعتراف الحكومة الاوكرانية الجديدة بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، الى جانب الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونتسك في اقليم الدونباس.

ضمن هذا المفهوم للامن القومي الروسي، يجادل استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر بان الولايات المتحدة ومن خلال دفعها باوكرانيا للانضمام الى حلف الناتو وبالتالي تحويلها الى دولة موالية لامريكا زادت من احتمالية اندلاع حرب بين القوى العظمى، فعندما تكون بلدًا مثل أوكرانيا تعيش بجوار قوة عظمى مثل روسيا، فأن على امريكا أن تنتبه جيدًا لسياساتها، لأنك إذا أخذت عصا وغرزتها في عين الدب فلا تتوقع منه ان يبتسم.

ومن هذا المنطلق، يواصل الجيش الروسي مدعوما بالجيش الشعبي لقوات جمهوريتي اقليم الدونباس وقوات شيشانية تقدمها نحو المدن المركزية الاوكرانية في المناطق الشرقية، والجنوبية الشرقية وبات يطوق العاصمة كييف، تاركاً ممرات امنة للمدنيين للابتعاد عن مناطق العمليات العسكرية النشطة. وموقعاً خسائر جسيمة في البنية التحتية للجيش الاوكراني وكتائب النازيين الجدد، وصلت بحسب بيانات وزارة الدفاع الروسي الى قرابة 5 الاف هدف حيوي تم تدميرها بالكامل بما فيها (مطارات مدنية وعسكرية، طائرات عسكرية واخرى بدون طيار، رادارات ومنظومات دفاع جوي، مقرات القيادة والسيطرة، معسكرات تدريب وتجميع للنازيين والمرتزقة….).

المصدر: Institute Fir The Study of War (ISW)

يظهر اللون الاحمر المناطق التي سيطر عليها الجيش الروسي.

 

وفي تطور لافت لسير المعركة، دفع قادة البنتاجون لهرش رؤوسهم، اطلق الجيش الروسي العنان لصواريخ الجيل الجديد من عائلة كينجال ” الخنجر” الفرط صوتية – تسير بسرعة 12 ضعف سرعة الصوت، قرابة 14800 كم/ ساعة وتصل مداياتها من 2000-3000 كم، وتصيب اهدافها بدقة عالية، والتي مزقت قاعدة عسكرية لتجميع وتدريب المرتزقة في مقاطعة لافيف على الحدود مع بولاندا (تبعد 15 ميل)، وادى الهجوم الى قتل واصابة قرابة 180 من المرتزقة بما فيهم 4 جنود بريطانيين يعملون في القاعدة العسكرية، وفي هجوم اخر دمّر خنجر بوتين المثالي مستودعاً كبيراً تحت الأرض- كان مصمما لحفظ القنابل النووية في العهد السوفييتي، يحتوي على غالبية الامدادات الغربية من صواريخ وذخائر في قرية ديلاتين في منطقة إيفانو- فرانكيفسك غربي اوكرانيا، الى جانب تدمير عدد كبير من الاهداف العسكرية الحيوية للجيش الاوكراني بنسخ اخرى من هذه الصواريخ.

الصدمة التي خلفها استخدام الصواريخ فرط الصوتيه، تركت الامريكيون في حالة ذهول، يقول مسؤول عسكري امريكي رفيع تعقيبا على اطلاق الصواريخ “… نعتقد أن هذا الأمر ممكن بالطبع، لكن بصراحة، يدفع إلى حك الرأس قليلا. ليس من الواضح تماما لماذا؟” ويقول بايدن ” بإختصار هذا الصاروخ من المستحيل ايقافه”، بينما يرى وزير دفاعه اوستن أن هذه الصواريخ «فرط الصوتية» التي استخدمتها روسيا لتدمير أهداف عسكرية في أوكرانيا «لا تحدث فارقاً» في مواجهة المقاومة الباسلة للجيش الأوكراني. بينما يراها عسكريون بأنها فخر الصناعات العسكرية الروسية، وقادرة على احداث فرق كبير في سير العمليات القتالية على المدى البعيد. ووصفته صحيفة Military Watch الامريكية بانه قادر على اصابة أي هدف على الارض الاوروبية وبدقة عالية، وان اطلاقه كان رسالة لحلف الناتو بالقدرة على سحق جيوشهم دون رد متكافئ.

ومع قناعة البيت الابيض ان الشحنات العسكرية الغربية الى اوكرانيا لن تهزم موسكو، وان الاخيرة في ترسانتها العسكرية المزيد من الصواريخ المرعبة التي لم تستخدم بعد، ولا تمتلكها الولايات المتحدة في ترسانتها حتى الان، يكون الرئيس بوتين قد اوصل رساله مفادها ان يد الروس ممدودة للسلام الذي يحقق امنهم القومي، والا فإن اليد العسكرية طويلة وقادرة على تدمير أي هدف عسكري فوق الارض أو تحت الارض وباسرع من الصوت، رامياً بذلك الكرة في الملعب الامريكي بضرورة منحه الضمانات الامنية فوراً دون مزيد من المماطلة والتسويف.

وعلى الطرف الاخر، يحاول الرئيس الاوكراني زيلينسكي استجماع قواه الخائرة كعجل بني اسرائيل، مستجدياً برلمانات العالم لمساعدته، بعد ان تركته امريكا وحيداً بين مخالب الدب، ولكن دون مجيب، يواصل جيش القيصر مهماته لانجاز الاهداف العليا، بما فيها الهدف الاساس منع تمدد حلف الناتو شرقاً بالطريقة التي يفهمها، بينما تجوب صواريخ كينجال فخر الصناعة الروسية سماء اوكرانيا، ولسان حالها يقول اعطوا ما لقيصر لقيصر فمن يزرع الرياح لا يحصد الا العواصف.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى