الاحدثالشرق الاوسط
إيران تلوح بتوازن الرعب النووي | بقلم علي الهماشي
يُجيد الإيرانيون فن إدارة الصراع، حيث لا تقتصر أدواتهم على نوع واحد أو شكل معين بل تتعدد في مجالات شتى ،وقد تظهر تصريحات على لسان المسؤولين الإيرانيين كرسائل مشفرة بلغة يفهمها العدو أكثر مما ينتبه لها الصديق ،و لا يكتفي الإيرانيون بهذا النوع من الرسائل السياسة ، وإنما من خلال ممارسات عملية لقواتها المسلحة ،وأجهزتها الامنية خارج البلاد .
وما صرح به السيد عراقجي أمين المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية” أنَّ التهديد النووي للكيان الصهيوني قد يُغير عقيدة إيران فيما يخص القضية النووية ” هذا التصريح هو بداية لإظهار توازن الرعب النووي في المنطقة الذي يتفوق فيه الكيان حتى هذه اللحظة ، وليس لديه مانع في استخدامه ضد الدول العربية ،فقد كان قادة الكيان على وشك استخدام القنابل النووية في حرب أكتوبر 1973 ، كما روى السادات ” ان الأمريكان أخبروه بنية الكيان باستخدام القنابل الذرية ” وذلك في تبريره لوقف إطلاق النار في إحدى خطبه أنذاك ، وما ذكره السادات صدق أم لا !، لا يخرج عن العقلية الصهيونية التي لا تمارس فرض الرعب في الاخر فحسب بل تحاول شله فيما لو فكر في أمر أخر ..
ونرى أنَّ التهديد النووي للكيان ليس جديداً ليدفع السيد عراقجي الى هذا التصريح .
فالتهديد النووي الصهيوني كان ومازال يمثل ومازال عاملاً رادعاً للهجوم على الكيان، وهو نقطة التفوق لديها، ولم يكتفِ الغرب بذلك بل حاول ومازال ونجح في تفوق الكيان في مجال السلاح الجوي ودفاعه ،وسلاح البرية والجوية ،وبعدها سلاح الطائرات المسيرة ..
والولايات المتحدة والغرب عموما لا يسمحون بالتوازن في المنطقة حتى مع اتفاقيات (السلام) مع الدول العربية بل أنهم يرون أن تفوق الكيان هو العامل الأول لإحلال السلام في المنطقة لأنه يردع العرب من التفكير في مهاجمة الكيان ..
و قد تم إسقاط هذه المعادلة بالمقاومة الفلسطينية او بحرب 2006 التي خاضها حزب الله وانتصر فيها ، وأجبر الكيان على القبول بوجود قوة غير خاضعة لمعادلات التوازن الدولية .
تصريحات السيد عراقجي قد لا تبدو جديدة ، ولكنَّ بالاضافة الى توقيتها الحرج في ظل استمرار الحرب على غزة إلا أنَّ الاسلوب كان مباشراً و واضحاً، ويثير الكثير من التكهنات سأناقشها بالتساؤلات التالية :
أولا : هل هذا التصريح يكشف عن تغيير خارطة التعامل مع النووي الإيراني ، بعيدا عن الكيان الذي يرغب في تفكيك او تدمير البرنامج النووي الإيراني السلمي، حيث يرى أن مصلحته الإستراتيجية تقضي بعدم وصول إيران الى التخصيب الذي يؤهلها الى إنتاج الطاقة النورية ..
ولنأتي على التساؤل الأول وهو يتعلق بالدولة الإيرانية ..
ثانيا : هل وصلت إيران إلى مرحلة إنتاج الطاقة النووية أو تكاد تصل ليطلق عراقجي هذا التصريح ، حيث ان هذا التصريح فيه (تهديد) واضح بتحويل المسار السلمي الى مسار عسكري ،في كل الأحوال فإن البدايات في مراحل انتاج الطاقة النووية للاغراض السلمية او العسكرية تمر بنفس المراحل !.
ثالثا: أعلنت وكالة الطاقة الذرية أن اليورانيوم المخصب في إيران يتجاوز الحد المسموح به 30مرة، وانها تملك 142.1كغم منه وبنقاوة تصل الى 60% يقترب من صنع الأسلحة النووية .
رابعا: هل ترغب إيران بالضغط على إعادة الاتفاق بينها وبين مجموعة الدول التي أطلق عليها (6+1)
اقصد” به الدول الخمسة مع ألمانيا لتكون 6 دول مقابل إيران “، هذا الاتفاق رفضه الكيان منذ البداية وجاء الرئيس الأمريكي السابق ترامب ليجعل الخروج منه ضمن أولوياته الخارجية مع قبضة حديدية تمثلت بزيادة الحصار على الشعب الإيراني.
وربما أثرت هذه الاجراءات على إيران في المجال الإقتصادي والاجتماعي ،إلا أنه لم يؤثر على البرنامج النووي الإيراني ومنه الحصول إلى التكنولوجيا النووية وهو سوق مفتوح كبقية الأسواق التكنولوجية.
خامساً : إيران تقدم نفسها بطريقة انها بلد سلمي لا يسعى للحروب، ولكن لا بطريقة الاستسلام ، وانما بلد قوي يجب احترام سيادته واولوياته وقد تفرض إيران شروطاً جديدة بعد عودة المفاوضات ..
والملاحظ ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن ورائها الدول الستة تجد إنَّ اي توقف للتفتيش او لزيارة المنشئات النووية الإيرانية يجعلها متخلفة عن المعلومات التي تجمعها عن البرنامج ،فتحاول اعادة الحسابات وتطلق التقارير المتضاربة التي يصل بعضها الى التخويف من هذا البرنامج .
سادساً: يبدو أنَّ إيران ترغب في العودة للمفاوضات النووية ،فهو يجعلها دولة (غير مارقة) تبحث عن الحلول ،وهي لم تنقض الاتفاق ولم تكن سبباً في أي مشكلة بل كانت ادارة ترامب هي المسؤول المباشر بخروجها من الاتفاق النووي .
سابعا: ستكسب إيران المزيد من الوقت حتى انتخاب رئيس جديد ،وربما تشكيل فريق مفاوض جديد في محاولاتها تنويع اداوات إدراة الصراع مع النظام العالمي الجديد .
ثامنا :- كل ذلك يدخل ضمن المنطق السلمي إن جاز التعبير ،والذي لايروق للكيان أن يسكت عنه ، الذي غرق في غزة ،فيحاول الخروج منها الى حرب اوسع لولا (الفيتو) الأمريكي الرافض لحرب إقليمية ستؤثر على النظام العالمي كله ..
لكن هل ستكون التصريحات الايرانية ورقة بيد الكيان للقيام بمغامرة عسكرية فالبرنامج النووي الايراني يُعد تهديداً مباشراً لوجوده بغض النظر عن سلميته أم لا.
فهل تُعطي هذه التصريحات المبرر للكيان الذي طالما نادى بتدمير البرنامج النووي الايراني ،وليس الحد منه ،او اخضاعه للتفتيش المستمر ، وإبقائه في الجانب السلمي ، فالكيان لايتورع في اظهار نيته في القضاء النهائي على المشروع النووي الإيراني سواءً كان للاغراض السلمية أم لا ،كما حدث مع المشروع النووي العراقي.
وربما تكون هذه التصريحات مفتاحاً لاعادة الطريق الاتفاق النووي بشروط جديدة لصالح إيران هذا ما ستبينه الأيام او الأشهر القادمة بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية.