الاستعانة بفتّاح الفال وقارئة الفنجان أو قارئ المستقبل والسحرة وتحضير الجن ليس أمرًا مقتصرًا على بلد دون آخر، وقد تكون ظاهرة عالمية !.
وهناك دوائر استخبارية تستعين بهؤلاء بين فترة وأُخرى، ولكني لست معنيًا بإحصاء ذلك أو الاشارة إلى هذا البلد أو ذاك في هذه المسألة، وما يهمني هو انتشار هذه الظاهرة مع السياسي العراقي.
من الناحية النفسية قد يلجأ الإنسان القلق إلى الاستعانة بمثل هذه الأمور ليشعر بنوعٍ من الهدوء النسبي.
ويبدو أن السياسي هو الأكثر قلقًا من بين طبقات المجتمع سيما في بيئة ساخنة أمنيًا وانتخابيًا حيث تجري كل اربع سنوات.
وبعضهم يرمي بالكرة في جانب الدين ليدعي بأن (المتدين) هو من يؤمن بالأمور الغيبية فيحاول الاستعانة بهؤلاء الذين سأُسميهم مجازًا (قرّاء المستقبل)!.
وطبعا لا هم قُراء ولا ينتمون إلى القراءة الصحيحة بشيء، ويكفيني حديث رسول الله (ص) “كذب المنجمون ولو صدقوا” فبعض الأحيان يتصادف أن تتلاقى بعض الوقائع مع تحليل ورؤية من رؤاهم المستقبلية فهم مع ذلك كاذبون بادعائهم.
والدين وإن كان يؤمن بالغيب ولكنه يستند الى عمل البشر أولًا وأخيرًا، وحتى الرسلُ كانت سيرتهم وعملهم هي أُساس نجاح دعوتهم.
كان الاعتقاد السائد أن الاستناد الى فئة فتّاحي الفال تنتشر في المجتمعات المتخلفة فقط، ولكن الامر لم يعد كذلك فنجد أمثال هؤلاء في الشرق والغرب.
ومع قرب الانتخابات العراقية نجد ازدهار سوق هؤلاء (فتّاح الفال ، قارئة الفنجان، مَن يدعي تحضير الجن، ومن يأخذ الاستخارة الخ) ويتوافد السياسيون عليهم، أو محاولة التواصل معهم سيما وأن بعضهم قد أصبح له ظهور إعلامي، وله متابعين قد يصلون الى عشرات الآلاف في مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء من الذين يظهرون في وسائل التواصل الاجتماعي أو القنوات الفضائية تتناغم (تنبؤاتهم) مع دوائر استخبارية، بحيث يتم زرع وعي معين في المتلقي، ويجد نفسه محاطًا بتحليلات وتنبؤات قد تدفعه إلى الاتجاه الذي رسمته تلك الدوائر، ويحاول بعض السياسين الاتفاق مع هؤلاء أيضًا،وقد يكون اتفاق ترضية (رشوة مبطنة) باستضافته وإكرامه بكمية من الدولارات ينال بها رضاه فيتحدث بطريقة إيجابية عنه، مع تضخيم إعلامي وتكون رسالة انتخابية مقززة للمثقف والواعي ولكنها قد تنطلي على شريحة من الجماهير وهي المستهدفة بالأساس.
وهذا ما أسميه انزلاقًا وانحدارًا أخلاقيًا لهذا السياسي الذي يسلك هذا الطريق،وهو سقوط من نوع آخر، ويكشف عن خلل بنيوي ومعرفي وديني عند هؤلاء.
ويبقى للمثقف دوره في تنبيه الجماهير لما يتم إعداده لها.
ومن يملك بنفسه الثقة من السياسين فعليه أن يشرح برنامجه السياسي والاجتماعي وخطته لتحقيق ذلك، فلم يعد يكفي أن يقول لنا هذا السياسي أو ذاك عن طموحاته بل نريد منه أن يوضح لنا خطة عمله والمدى الزمني لتطبيق ذلك.
أما أن يعتمد على فتّاح الفال فهذا لن يجدِ نفعًا وستكتشف الجماهير زيف ذلك في أول تحدٍ حقيقي، ويسقط هذا الخيار، وتنكشف عورات أصحابه !.
وعلى الطبقة الواعية أن تقف بالمرصاد لا بطريقةِ المراقب وإنما بالتصحيح ،وتحاول أنْ تزرعَ وعيًا وأملًا في الجماهير العراقية التي تطمح الى التغيير والى واقع أفضل، وعلينا أن نتهيأ لاتخاذ القرار الصحيح ولنعمل على ايقاف الاستخفاف بعقولنا {فاستخف قومه فأطاعوه} لأن العقاب سينالنا، وهي سنّة اجتماعية قرآنية، حينما تسلم عقلك إلى الآخر المستعين بالدجالين أو بالسحرة وفتّاحي الفال فستكون عاقبتنا الخسارة الدنيوية ويكون (غرقنا) على شكل المزيد من تردي الاوضاع وضياع حقوق الوطن وحقوقنا، وخسارة في الآخرة لأننا مكنا هؤلاء من الاستمرار في غيهم وتلاعبهم بنا.