هل تغيرت السياسة الخارجية لدولة الإمارت العربية المتحدة خلال الآونة الأخيرة؟
يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد بدأت في مراجعة نفسها إزاء تدخلاتها الواسعة في اليمن والتي يراها البعض قد تكون الشرارة الأولى لإشعال حرب واسعة نطاق مع إيران، هذا في الوقت الذي تجتمع فيه عدة عوامل أخرى قد تؤجج حدة الصراع بين الجانبين أيضا، وقد يعكس انسحاب الإمارات مؤخرا من الأراضي اليمنية مدى قناعتها بحجم المخاطر السياسية والدبلوماسية جراء التدخل اللامحدود في الشأن اليمني، إلا أن هذا لا يعني أن أبو ظبي سوف تتخلى عن استراتيجيتها التي تستهدف الحد من النفوذ الإيراني ومحاربة المتطرفين السنة في اليمن.
قد لا تتغير الأهداف ولكن ربما تتعدل وسائل وأساليب تحقيقها، وهذا ما يمكن تطبيقه على السياسة الخارجية الإماراتية والتي يبدو أنها تسعى نحو إضافة تكتيكات جديدة تستهدف تهدئة الوضع المشتعل في اليمن، فقد أثارت أبو ظبي دهشة العالم خلال الأسابيع الأخيرة عندما قامت بسحب قواتها جزئيا من دائرة المواجهة مع ميلشيات الحوثي المدعومة من إيران، علاوة على حرصها مؤخرا على تهدئة الأجواء الخاصة بالمحادثات البحرية مع طهران والسعي نحو تعديل مسار العلاقات مع العدو الإقليمي الأكبر لها بالمنطقة.
والجدير بالذكر أن الإمارات قد تزعمت الحملة المناهضة لإيران وطالبت بفرض المزيد من العقوبات على البرنامج النووي الإيراني وبرنامج تطوير الصواريخ الباليستية، إلى جانب حديثها المتكرر عن ضرورة الحد من النفوذ الإيراني لكونه يشكل تهديدا خطيرا لمنطقة الشرق الأوسط، وربما كان ذلك هو الدافع الأكبر لها للانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، إلا أن الضغوط الدولية التي مارسها الكونجرس الأمريكي مهددا بتعليق صفقات الأسلحة الأمريكية مع كل من السعودية والإمارات بسبب عملياتهما العسكرية في اليمن؛ قد سلطت الضوء على المخاطر الدبلوماسية على علاقات دول التحالف مع الغرب.
وفي الوقت الذي أبدت فيه إيران مخالفة صريحة للعقوبات المفروضة عليها قبالة شواطئ الإمارات العربية المتحدة، سعت أبوظبي حثيثا نحو التخلي عن نبرة الحديث عن مخاطر النفوذ الإيراني بالمنطقة والعمل على إصلاح العلاقات مع العملاق الفارسي، وقد لا يعني ذلك بالضرورة تنازل الإمارات عن مخططاتها التي تركز على تقليص الدور الإيراني باليمن ولكنها تسعى إلى تطبيق تكتيكات أقل خطورة.
ويمكن القول بأن اللغز الاستراتيجي لدولة الإمارات منذ عقود، يكمن في كونه بلد صغير يقبع وسط عدد من القوى الإقليمية التي تتفوق عليه في كثير من الأحيان، وسعيا منه لتأمين حاله ضد التهديدات الإقليمية المحتملة من دول الجوار، فقد سعت الدولة إلى الاعتماد على القوى الخارجية بدءا من المملكة المتحدة عام 1971 والولايات المتحدة الأمريكية لاحقا، ومنذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 اعتبرت إيران بمثابة مصدر الخطر الأكبر في المنطقة، فقد كانت سيطرة الشاه الإيراني على بعض الجزر الواقعة تحت السيادة الإماراتية بمثابة الذريعة التي اتخذتها الحكومة الإيرانية لمحاولة بسط نفوذها على أبو ظبي، هذا إلى جانب وجود أعداد كبيرة من الإيرانيين يقيمون في الإمارات، ولا يمكن أن نغفل بالطبع عن التفوق العسكري الملحوظ الذي يحظى به الجيش الإيراني، الأمر الذي جعل طهران بمثابة مركز الخطر الأكبر في نظر دولة الإمارات.
وبالرغم من أن واشنطن قد نجحت بصورة أو بأخرى في إدراج أبو ظبي ضمن قائمة المستفيدين من الدعم الأمريكي، إلا أن الأخيرة أدركت جيدا بأنه يجب عليها ألا تظل تابعا للولايات المتحدة طويلا، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الإمارات من أقوى حلفاء الأمريكان في منطقة الخليج، إلا أنها سعت جاهدة بألا تكون منصة للأنشطة الأمريكية الإقليمية والتي قد تعرضها لهجوم محتمل.
ويمكن القول بأن الوجود الإماراتي داخل اليمن جاء بإيعاز في المقام الأول من الإدارة الأمريكية، حتى أنه عندما أعلنت الإمارات عن انسحاب قواتها جزئيا من الأراضي اليمنية، فقد أعلنت أبو ظبي عن مواصلتها لمناهضة العناصر التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن من خلال القوات الباقية هناك، وذلك من أجل طمأنة واشنطن على استمرار مشاركة الإمارات كعضو أساسي في الحملة الدولية للقضاء على الإرهاب.
وقد حاولت الإمارات من خلال قرار الانسحاب الجزئي، نزع فتيل الضغوط الأمريكية التي تمارس ضدها في واشنطن وبخاصة بعد قرار الكونجرس الأمريكي بتعليق صفقات الأسلحة بسبب استشعاره القلق إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن على خلفية الحرب التي تقودها دول التحالف في مواجهة ميلشليا الحوثي، وبالتالي فإن الإمارت تهدف من خلال تقليص دورها في اليمن إلى أن ينظر إليها باعتبارها أقل مسئولية عن الحرب الدائرة هناك وبخاصة أن تلك الحرب باتت لا تحظى بتأييد كبير في الأوساط الأمريكية، وبالتالي فإن أبو ظبي ربما تشعر حاليا بأن عليها توطيد علاقاتها مع واشنطن على الأقل على مدار الأربع سنوات التالية، والتي قد تكون أقصى فترة رئاسية متوقعة يشغلها الرئيس ترامب.
وإلى جانب حاجتها إلى إعادة إصلاح علاقتها مع واشنطن، فإن الإمارات قامت باختلاق بعض المبررات الداخلية من أجل تنفيذ انسحابها الجزئي من اليمن، فقد زعمت أبو ظبي بأن استعادة هذه القوات قد يكون مفيدا في حال نشوب نزاع إقليمي محتمل، وربما يشير ذلك إلى نية الإمارات في استعادة الجزر التي احتلتها إيران عام 1971 ، ومن العوامل التي يبدو أن الإمارات قد وضعتها في الحسبان أيضا هي أن سحب قواتها قد يقلل بلا شك من حجم الخسائر البشرية وبخاصة أن عدد القتلى في اليمن؛ أمر يصعب إخفائه في بلد يعرف فيه الجميع بعضهم البعض، وبالتالي فقد وجدت الإمارات نفسها في حالة حاجة إلى الحصول على تأييد شعبي من مواطنيها، ففي حال نشوب صراع إقليمي فإن أبو ظبي ستكون بحاجة بالطبع إلى الدعم الكامل من جميع قاطني أراضيها.
وفي خضم تلك الأحداث، فإنه عندما يتعلق الأمر بمواجهة طهران والمواجهة بين الولايات المتحدة وطهران، فإنه من الواضح بأن الإمارات قد تميل نحو كبح جماح بعض التصرفات التي قد تزيد من حدة التوترات مع إيران، وهذا ما فعلته أبو ظبي عندما فضلت ألا تتوجه باللوم بصورة مباشرة تجاه إيران بعد استهداف ناقلة النفط قرب ميناء الفجيرة، ولأسباب مماثلة فإن أبو ظبي قد عمدت إلى الحفاظ على علاقاتها مع طهران، مما يشير إلى عزمها على الحفاظ على تعاون عملي وعملي في مسائل عدة بين الجانبين كحقوق الصيد وعمليات مكافحة القرصنة لمنع المواجهة العرضية بين السفن الإماراتية والإيرانية. وبالرغم من أنه ليس هناك ما يضمن أن مثل هذه الإجراءات ستمنع طهران من اعتراض المزيد من العمليات البحرية في المياه الإماراتية أو السفن التي ترفع العلم الإماراتي ، لكنها تضمن على الأقل أن البلاد لن تشعل النزاع.
والجدير بالذكر أن الإمارات لا تعد في حد ذاتها لاعبا مؤثرا بالدرجة الكافية لمنع نشوب حرب محتملة بالمنطقة، فقد تتسبب الهجمات الأمريكية والإسرائيلية أو استمرارهم في استفزاز طهران أو مواصلة إيران في استكمال برنامجها النووي في اشعال فتيل الحرب، وهنا فإن الإمارات قد لا تتمكن وحدها من تعديل مسار الأمور، مما قد يدفعها نحو اتخاذ خطوة إلى الوراء ومراقبة قرارات وخيارات القوى العظمى بالمنطقة.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا